لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد :

قال أحمد في مسنده 23602 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، أَوْ حُمَيْدَةَ، الشَّكُّ مِنْ زُهَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِخِطْبَةٍ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ "

هذا إسناد رجاله ثقات ولكني في شك من سماع موسى بن عبد الله بن يزيد من أبي حميد الساعدي

فإن أبا حاتم نص على أنه لم يلق عائشة ، وأبو حميد قريب الوفاة جداً فبين وفاتيهما عام أو عامين ثم إن موسى كوفي وعامة مشيخته من أهل الكوفة ، وأبو حميد الساعدي مدني وهذا تباعد قطري يجعلك تشك في السماع ، خصوصاً أنك لا تجد لموسى سماعاً من أحدٍ من طبقة أبي حميد

وقد قال ابن القطان الفاسي :" أن عبد الله بن عيسى الذى روى عن موسى بن عبد الله ابن يزيد الخطمي ، و عنه زهير و شريك ، ما هو عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن
ابن أبى ليلى هذا ، و أنه آخر لا يعرف حاله" ذكره الحافظ في التهذيب فإن كلامه صواباً فتلك علة أخرى في الحديث

وأود التنبيه إلى قول الشيخ الألباني في الصحيحة :" و قد عمل بهذا الحديث بعض الصحابة و هو محمد بن مسلمة الأنصاري ، فقال سهل
ابن أبي حثمة :
" رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك فوق إجار لها ببصره طردا شديدا ،
فقلت : أتفعل هذا و أنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! فقال : إني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" إذا ألقي في قلب امرىء خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها " .

وهذا الخبر الذي ذكره الشيخ رحمه الله عن هذا الصحابي لا يثبت والله المستعان

قال أحمد في مسنده 17976 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَمِّهِ، - قَالَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ: سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ - قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ يُطَارِدُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ يُرِيدُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا، - قَالَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ: ُثبَيتَة ابْنَةَ الضَّحَّاكِ يُرِيدُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا -، فَقُلْتُ: أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفْعَلُ هَذَا ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا أَلْقَى اللهُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا "

فعلق المحققون للمسند بقولهم :" إسناده ضعيف لجهالة حال محمد بن سليمان، وهو ابن أبي حَثْمَة، والحجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعنه، واختلف فيه عليه"

وقال الطبراني في الكبير 502 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا عبد الله بن موسى بن شيبة الانصاري ثنا إبراهيم بن صرمة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة الانصاري عن عمه سهل بن أبي حثمة الانصاري قال : كنت جالسا مع محمد بن مسلمة فمرت بنت الضحاك من خلفه فجعل يطاردها ببصره فقلت سبحان الله تفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( إذا القى الله خطبة امرأة في قلب رجل فلا بأس أن ينظر إليها )

إبراهيم كذاب ، فلا تثبت هذه القصة عن محمد بن مسلمة

وقال أبو داود في سننه 2082 - حدثنا مسدد ثنا عبد الواحد بن زياد ثنا محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن واقد بن عبد الرحمن يعني ابن سعد بن معاذ عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " قال فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها [ وتزوجها ] فتزوجتها .

واقد هذا مجهول نص عليه الحافظ في التقريب والذهبي في الميزان ، ولكن رواه جمع عن واقد بن عمرو بدلاً من واقد بن عبد الرحمن وهو ثقة فبقي في الخبر تدليس ابن إسحاق

فإن قلت أن محققي المسند قالوا :" اختُلف على محمد بن إسحاق في تسمية الراوي عن جابر، فسماه عبد الواحد بن زياد عنه: واقد بن عبد الرحمن بن سعد، وهذا لا يُعرف حاله كما قال ابن القطان الفاسي في كتاب كامله "الوهم والإيهام" 4/429
ورواه عمر بن علي المقدمي عن ابن إسحاق فاختلف عليه، فسماه مرة واقد ابن عبد الرحمن كما هو عند عبد الواحد بن زياد، وسماه مرة أخرى عنه: واقد ابن عمرو بن سعد بن معاذ، وتابعه على الوجه الثاني إبراهيم بن سعد الزهري عند المصنف برقم (14869) ، وأحمد بن خالد الوَهْبي عند غيره، وهو الصواب إن شاء الله، وواقد بن عمرو هذا ثقة من رجال مسلم.
قلنا: وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير محمد بن إسحاق، وهو حسن الحديث، وقد صرح بسماعه من داود بن الحصين فيما سيأتي عند المصنف برقم (14869) "

فيقال : الرواية التي اعتمدوها وفيها التصريح بالسماع ، ليس فيها ذكر قصة جابر مع الجارية ، وإنما فيها المرفوع فقط ، وقد جاء التصريح بالسماع عند ابن الأنباري في جزئه ولكنها من طريق عبد الواحد بن زيد الذي يرويه من طريق واقد بن عبد الرحمن المجهول ، فإن كان غلط في تسمية شيخ ابن إسحاق فلا يؤمن دعواه تصريحه بالسماع وخصوصاً وأن عامة الروايات عنه بالعنعنة ، فلعل ابن إسحاق تلقى هذا الحديث من داود مختصراً فصرح لما رواه مختصراً ، وتلقى القصة عنه عن غيره لذا عنعن لما روى القصة ، وحتى مع تصريح ابن إسحاق بالسماع فإن له في الأحكام مناكير

قال الذهبي في السير (7/ 41) :" وأما في أحاديث الاحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن الا فيما شذ فيه، فإنه يعد منكرا"

وقال في الميزان :" فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث، صالح الحال صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة، فإن في حفظه شيئا"

لذا استنكر عليه ابن عدي في الكامل أحاديث صرح فيها بالسماع أو كانت من رواية شعبة عنه

وكلام الذهبي في حفظه متجه فقد ضعفه أحمد في أصح الروايات عنه وابن معين وأبو حاتم والنسائي والدارقطني ، واجتنب أصحاب الصحيح الاحتجاج بمروياته

ومن مناكير ابن إسحاق في أحاديث الأحكام ما روى أبو داود 117 - حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني ثنا محمد يعني ابن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن عبيد الله الخولاني عن ابن عباس قال
: دخل علي علي يعني ابن أبي طالب وقد أهراق الماء فدعا بوضوء فأتيناه بتور فيه ماء حتى وضعناه بين يديه فقال يا ابن عباس ألا أريك كيف كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ ؟ قلت بلى قال فأصغى الإناء على يده فغسلها ثم أدخل يده اليمنى فأفرغ بها على الأخرى ثم غسل كفيه ثم تمضمض واستنثر ثم أدخل يديه في الإناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه ثم الثانية ثم الثالثة مثل ذلك ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فصبها على ناصيته فتركها تستن على وجهه ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثا ثلاثا ثم مسح رأسه وظهور أذنيه ثم أدخل يديه جميعا فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل فغسلها بها ثم الأخرى مثل ذلك . قال قلت وفي النعلين ؟ قال وفي النعلين قال قلت وفي النعلين ؟ قال وفي النعلين قال قلت وفي النعلين ؟ قال وفي النعلين

قال صاحب عون المعبود :" قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : فِي هَذَا الْحَدِيث مَقَال قَالَ التِّرْمِذِيّ : سَأَلْت مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل عَنْهُ فَضَعَّفَهُ وَقَالَ مَا أَدْرِي مَا هَذَا .
اِنْتَهَى .
وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْن حَنْبَل .
كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَفِي التَّلْخِيص ، وَرَوَاهُ الْبَزَّار وَقَالَ لَا نَعْلَم أَحَدًا رَوَى هَذَا هَكَذَا إِلَّا مِنْ حَدِيث عُبَيْد اللَّه الْخَوْلَانِيُّ وَلَا نَعْلَم أَنَّ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْهُ إِلَّا مُحَمَّد بْن طَلْحَة بْن يَزِيد بْن رُكَانَة ، وَقَدْ صَرَّحَ اِبْن إِسْحَاق بِالسَّمَاعِ فِيهِ ، وَأَخْرَجَهُ اِبْن حِبَّان مِنْ طَرِيقه مُخْتَصَرًا .
وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيّ فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ .
اِنْتَهَى .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيث وَإِنْ كَانَ رُوَاته كُلّهمْ ثِقَات ، لَكِنْ فِيهِ عِلَّة خَفِيَّة اِطَّلَعَ عَلَيْهَا الْبُخَارِيّ وَضَعَّفَهُ لِأَجْلِهَا ، وَلَعَلَّ الْعِلَّة الْخَفِيَّة فِيهِ هِيَ مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّار ، وَأَمَّا مَظِنَّة التَّدْلِيس مِنْ اِبْن إِسْحَاق فَارْتَفَعَتْ مِنْ رِوَايَة الْبَزَّار"

هنا خالف ابن إسحاق رواية الصحيح


وعوداً على بحثنا أقول أنه لا توجد رواية اجتمع فيها الأمور الثلاثة

1_ تصريح ابن إسحاق

2_ ذكر قصة جابر مع الجارية

3_ سلامة السند من الجهالة

والخلاصة أن قيد (وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ ) مشكوك في اتصال سنده عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يثبت عن محمد بن مسلمة وجابر العمل بهذا ، وربما استفيد هذا المعنى من عموم النصوص في الباب عند أمن المفسدة


هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©