بسم الله الرحمن الرحيم
عونك يا رب

فهذا تخريج بحسب الوسع والطاقة أضعه بين يدي الأحبة الكرام لحديث: " كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة "، أسأل الله بمنه وكرمه أن يكون خالصاً لوجهه الكريم، وان يكتب به النفع آمين.

أقول: هذا الحديث روي موصولاً ومرسلاً وموقوفاً:
· أما الطريق الموصولة: فهي تروى عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- الرواية الأولى: (رواية أبي أمامة رضي الله عنه):
وهو يروى عنه من طريقين:
1) طريق عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد الألهاني، عن القاسم بن عبد الرحمن به:
أخرجه: (الطبراني في الكبير رقم 7824).
بلفظ: (انقطع قبال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسترجع؛ فقالوا: أمصيبة يا رسول الله؟ قال: "ما أصاب المؤمن مما يكره فهو مصيبة".

· الحكم على هذه الطريق:
هذه الطريق سندها ضعيفٌ جداً؛ فيها:
- (عبيد الله بن زحر): صدوقٌ مختلفٌ فيه، وهو إلى الضعف أقرب.
- (علي بن يزيد): ضعيف جداً؛ ومنكر الحديث، وقد تركه البعض. يروي عن القاسم نسخة.
- (القاسم بن عبد الرحمن مولى بني أمية): صدوقٌ مختلفٌ فيه، وهو إلى الضعف أقرب، منكر الحديث يغرب، تكلم فيه الإمام أحمد جداً.

2) طريق أبو نعيم النخعي، عن العلاء بن كثير، عن مكحول به:
أخرجه: (الطبراني في الكبير رقم 7600) و(مسند الشاميين رقم 3435)، و(سمويه في فوائده كما عزاه السيوطي في الدر).
بلفظ: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانقطع شسع النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: "إنا لله وإنا لله إليه راجعون"، فقال له رجل: هذا شسع! فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها مصيبة".

· الحكم على هذه الطريق:
هذه الطريق سندها تالف؛ فيها:
(أبو نعيم النخعي عبد الرحمن بن هانئ): صدوقٌ مختلفٌ فيه، وهو إلى الضعف أقرب، متهم بالكذب، وعامة حديثه لا يتابع عليه.
(العلاء بن كثير): تالف؛ مجمعٌ على ضعفه وطرحه، منكر الحديث لا يكتب.
قال ابن حجر: (هذا حديث غريب؛ وسنده ضعيف).

- الرواية الثانية: (رواية أبي هريرة رضي الله عنه):
وهي تروى عنه من طريق: يحيى بن عبيد الله، عن أبيه به:
(وهي تروى عن يحيى من عدة طرق: يعلى بن عبيد [هناد]، بكر بن خنيس [بزار]، عمر بن عطاء [أبو نعيم]، هشيم بن بشير [مسدد وعدي وسني وبيهقي]، حفص بن غياث [مسدد]، خالد الطحان [مسدد]).
أخرجه: (هناد في الزهد رقم 424)، و(البزار في المسند رقم 3475)، و(ابن عدي في الكامل 7/204)، و(أبو نعيم في مادة التاريخ أصبهان 1/182)، و(ابن السني في عمل اليوم رقم 353)، و(البيهقي في الشعب رقم 9693)، و(الديلمي في الفردوس رقم 1302)، و(أبو الشيخ كما في تسديد القوس) و(مسدد في مسنده كما في المطالب رقم 3357).
بلفظ: "إذا انقطع شسع أحدكم فليسترجع؛ فإنها من المصائب"، ولفظ مسدد: (ليسترجع أحدكم عن كل شيء، حتى في شسع نعله، فإنه من المصائب).

· الحكم على هذه الرواية:
هذه الرواية سندها ضعيفٌ جداً؛ فيها:
- (يحيى بن عبيد الله التيمي): ضعيفٌ جداً؛ منكر الحديث متروك، لا يتابع على بعض روايته، يروي عن أبيه ما لا أصل له، هي نسخة عنه. وهو آفته
قلت: أما أبوه فليس بمجهولٍ ولا ضعيفٍ كما يقوله بعض أهل العلم، بل هو مشهور معروف؛ فقد روى له الأئمة في مصنفاتهم منهم أحمد والبخاري وأصحاب السنن، ووثقه غير واحدٍ من الأئمة، وذكر قصته البخاري في (المادة التاريخ الأوسط)، وإنما البلاء من ابنه إذا روى عنه لا منه.
أما ما نقل عن الإمام أحمد من قوله: أن أحاديثه مناكير؛ فهذا القول ليس فيه بل في ابنه. فتنبه
- وفيه (بكر بن خنيس) و(عمر بن عطاء): ضعفا. والبلاء ليس منهما فقد تابعهما ثقات، وإنما البلاء من يحيى كما مر.

- الرواية الثالثة: (رواية شداد بن أوس رضي الله عنه):
وهي تروى عنه من طريق: شبابة بن سوار، عن خارجة بن مصعب، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني به:
أخرجه: (البزار في المسند رقم 3476) بمثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

· الحكم على هذه الرواية:
هذه الرواية سندها ضعيفٌ جداً؛ فيها:
(خارجة بن مصعب): واهٍ؛ متروك الحديث. وهو آفته.
قال البزار: (وحديث خالد الحذاء الذي رواه خارجة؛ حديث شداد بن أوس؛ لا نعلمه يروى عن شداد إلا من هذا الوجه، ولا رواه عن خالد إلا خارجة، ولم أسمع أن أحدا حدث به عن شبابة إلا إسماعيل بن أبي الحارث، وهو رجل ثقة مأمون ولم يتابع عليه، وخارجة بن مصعب فليس بالحافظ).

· وقد روي هذا الحديث من هذا الوجه من طريقين مرسلتين:
الأولى: رواية أبي إدريس الخولاني. والثانية: رواية شهر بن حوشب.
أخرج رواية أبو إدريس الخولاني: (ابن السني في عمل اليوم والليلة رقم 354).
بلفظ: (بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي هو وأصحابه إذا انقطع شسعه؛ فقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، قالوا: أو مصيبة هذه؟ قال: "نعم، كل شيء ساء المؤمن فهو مصيبة".

وأخرج رواية شهر بن حوشب: (ابن أبي الدنيا في كتاب كامل العزاء؛ كما عند السيوطي في الدر).
بلفظ: (من انقطع شسعه فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ فإنها مصيبة).

· الحكم على هاتين الروايتين:
أما رواية أبي سعيد الخولاني؛ فهي رواية مرسلة سندها صحيح؛ رجالها رجال الصحيح، وقد أشار إلى ذلك ابن حجر أيضاً.
أما رواية شهر بن حوشب؛ فلم أقف عليها.

وعليه ومن خلال ما سبق فإنه في الجملة؛ الحديث من طريقه الموصولة _ على اختلاف رواتها _ لا يصح منها شيء ولا يثبت.
كما لا يتقوى الحديث أيضاً من هذه الطرق الموصولة بمجموعها، فضعفها الشديد المتحقق لا يجعلها تتقوى مجتمعة.
ولا يصح فيه إلا الرواية المرسلة عن أبي إدريس الخولاني. و(أبو إدريس الخولاني) له رؤية لكن روايته عنه مرسلة. فمرسله رضي الله عنه قوي يشعر بقوة القصة مع صحتها إليه.

· أما الطريق المرسلة: فهي تروى من وجه آخر عن ثلاثة من التابعين:
- الرواية الأولى: (رواية عمران القصير):
أخرجها: (أبو داود في المراسيل رقم 402).
بلفظ: (طفئ مصباح النبي صلى الله عليه وسلم فاسترجع، فقالت عائشة: إنما هذا مصباح. فقال: "كل ما ساء المؤمن فهو مصيبة&quot.

· الحكم على هذه الرواية:
هذه الرواية سندها حسن.
من أجل (يحيى بن سليم)؛ فهو ثقة؛ قد ضُعِّف ولا يؤثر فيه إن شاء الله.

- الرواية الثانية: (رواية عكرمة):
أخرجها: (عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في كتاب كامل العزاء؛ كما عند السيوطي في الدر) ولم أقف عليها.
بلفظ: (طفئ سراج النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فقيل: يا رسول الله أمصيبة هي؟ قال: "نعم، وكل ما يؤذي المؤمن فهو مصيبة له وأجر&quot.

- الرواية الثالثة: (رواية عبد العزيز بن أبي رواد):
أخرجها: (ابن أبي الدنيا في كتاب كامل العزاء، كما عند السيوطي في الدر) ولم أقف عليها.
بلفظ: (بلغني أن المصباح طفئ؛ فاسترجع النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقال: "كل ما ساءك مصيبة&quot.

· أما الطريق الموقوفة: فهي تروى عن اثنين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- الرواية الأولى: (رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه):
وهي تروى عنه من طريقين:
الطريق الأول: طريق عبد الله بن خليفة:
أخرجها: (ابن أبي شيبة رقم 27063 رشد)، و(هناد في الزهد رقم 423)، و(عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد رقم 216) ومن طريقه (ابن أبي عاصم في الزهد ص216)، و(البيهقي في الشعب رقم 9694)، و(عبد بن حميد وابن سعد وابن المنذر كما عند السيوطي في الدر).
ولفظ ابن أبي شيبة وعبد الله وابن أبي عاصم: (أنه انقطع شسعه فاسترجع وقال: كل ما ساءك مصيبة)، ولفظ هناد: (كنت مع عمر في جنازة؛ فانقطع شسعه فاسترجع؛ ثم قال: كل ما ساءك مصيبة)، ولفظ البيهقي: (بينا عمر يمشي إذ انقطع شسع نعله فاسترجع؛ فقال له _ يعني أصحابه _: مالك يا أمير المؤمنين؟ قال: انقطع شسع نعلي فساءني؛ وكل ما ساءك مصيبة).

· الحكم على هذا الطريق:
الأثر من هذه الطريق سنده جيد صالح، ورجاله موثقون؛ وإن عنعنه أبي إسحاق إلا أن الطريق الآخر الآتي يقويه.

الطريق الثاني: طريق سعيد بن المسيب:
أخرجها: (ابن أبي شيبة رقم 27064 رشد).
بلفظ: (انقطع قبال عمر فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقالوا: يا أمير المؤمنين؛ أفي قبال نعلك؟ قال: نعم، كل شيء أصاب المؤمن يكرهه فهو مصيبة).

· الحكم على هذه الطريق:
الأثر من هذه الطريق سنده جيد صالح أيضاً، ورجاله موثقون، لكن سعيداً روايته عن عمر مرسلة.

وعليه فالأثر والقصة عن عمر رضي الله عنه بمجموع هذين الطريقين ترتقي إلى درجة (الحسن لغيره).

- الرواية الثانية: (رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه):
وهي تروى عنه من طريق دينار التمار، عن عون بن عبد الله به:
أخرجها: (ابن أبي شيبة رقم 27062 رشد)، و(ابن أبي الدنيا كما عند السيوطي في الدر).
بلفظ: (كان عبد الله يمشي مع ناس من أصحابه ذات يوم؛ فانقطع شسع نعله فاسترجع؛ فقال له بعض القوم: يا أبا عبد الرحمن؛ تسترجع على سير؟ قال: ما بي إلا أن تكون السيور كثيرة، ولكنها مصيبة).

· الحكم على هذه الطريق:
الأثر من هذه الطريق إسناده جيد صالح، ورجاله موثقون.

قلت: وقد أتى هذا الكلام من قول عون بن عبد الله؛ وما أظنه أخذه إلا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
أخرجه: (ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا كما عند السيوطي في الدر) ولم أقف عليهما.
بلفظ: (من انقطع شسعه فليقل إنا لله وإنا إليه راجعون فإنها مصيبة).

· فنتج مما سبق ما يلي:
1) أن الطرق الموصولة كلها ضعيفة لا تصح ولا تثبت. فقط هي الطريق المرسلة للحديث الموصول هي الصحيحة الإسناد إلى مرسلها.
2) أن الطرق المرسلة الأخرى والتي أتت من وجه آخر للقصة عنه صلى الله عليه وسلم؛ فلم أقف إلا على سند رواية (عمران القصير) وسندها حسن.
قلت: ويمكن أن يكون اختلاف المخرج للقصة لتعدد الوقوع.
3) أن الطرق الموقوفة سواءٌ عن عمر بن الخطاب أو عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما طرقٌ حسنة ثابتة.

وعليه فمن خلال الطرق المرسلة والموقوفة الثابتة يأتي يقين أن القصة لها أصل، وهي بمجموعها كلها تعطينا حكماً واحداً لكل من أصابه أمراً يسوئه ويكرهه = أنها مصيبة عليه الاسترجاع لها، والصبر.
قلت: ولهذا المعنى شواهد صحيحة.

والله تعالى أعلى وأعلم




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©