بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد
إخواني و أنا أفكر في انتقاء كلمات أجعلها مقدمة لموضوعي ، تذكرت كلاما قرأته منذ مدّة للإمام الألباني رحمة الله عليه فقلت أسعف به نفسي و أفتتح به الكلام حتى يعلم القرّاء أنّي ما جئت ببدع من القول، وما كنت مفتتحا باب ضلالة ، قال رحمه الله في معرض ردّه على بعض من يسرقون جهوده في التحقيقات دون عزو إلى صاحبها موهمين القرّاء أنّ ذلك من كيسهم و كدّهم ، قال : " ولعلّ الشيخ ... ... يذكر قول العلماء : ( من بركة العلم عزو كل قول إلى قائله ) ، لأنّ في ذلك ترفّعا عن التزوير الذي أشار إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله : "المتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور " متفق عليه..." انتهى . [ مقدمة تحقيق " الكلم الطيب " لشيخ الإسلام ابن تيمية . مكتبة المعارف ، الطبعة الأولى 1422 ص 11 ]
فكفاني الشيخ رحمه الله البحث عن قائل : " من بركة..." لأنه عزاها إلى العلماء فدل ذلك على أنه قول مشهور متداول لديهم . ففي هذا زيادة علم أنبّه إليه من قال " البركة في النّقل ! لأن ذلك سبب لانتشار الفائدة وتعميمها ! ". نعم هذا متفق عليه وليس موضع الخلاف ، لكنّ الذي يستنكر ويعاب : النقل دون عزو . وللبيان ، فهذا من باب قول الله تبارك وتعالى : ( أتأمرون الناس بالبرّ و تنسون أنفسكم ) ؟ فعاب الربّ عليهم نسيانهم أنفسهم لا أمرهم غيرهم بالبرّ. أظنّ هذا واضحا في بيان المراد ، أي أنّ العيب في عدم العزو لا في النّقل .
فما بال أقوام يقعون في الإخلال بهذا الأدب الرفيع ، والحقيقة أن كثيرا من المسلمين اليوم يقعون في مثل هذا ، لا في باب الكتاب كاملة والخطابة فحسب ، بل أيضا في كثير من شؤونهم الأخرى ، فينسبون إلى أنفسهم - أو ينسب إليهم - ما اجتهد فيه غيرهم ، قصدا كان ذلك منهم أو سهوا ، لأن الحاصل : تشبّعهم بما لم يعطوا وبخس الناس حقّهم ، فالذي يكتب وينقل دون عزو يكون كالسارق جهد غيره ناسبا إيّاه لنفسه ، فيظلم نفسه وغيره . فناسب بذلك أن يكون فعله كلابس ثوبي زور .
ورب العزة يقول : ( ولا تبخسوا الناس أشياءهم ) في ثلاثة مواضع من القرآن حكاية عن شعيب عليه الصّلاة والسّلام وهويعظ قومه . ولعلّ في هذا فائدة ومناسبة - والله أعلم - فإنّ شعيبا عليه الصلاة والسلام خطيب الأنبياء ، فكان في ذلك إشارة لطيفة إلى أنّ أولى النّاس بتوجه الخطاب إليهم بأمرهم بالتزام هذا الأدب وتأكّده في حقهم : الخطباء و الوعاظ ، والكتّاب تبع لهم في الحكم لأنهم خطباء بأقلامهم . وليس هذا منّي من باب التفسير إنما هو من باب تفهّم وتدبّر أسرار القرآن الذي أمرنا به ، فإن وفقت فمن الله ، وأعوذ به سبحانه أن أقول على كلامه ما ليس لي به علم .
أردت بهذا أن ندرك جميعا أهميّة هذا الأمر، و أن نتأدّب بآداب الكتاب كاملة والنقل ، فمن أحسن في ذلك فلنفسه ، ومن أساء فعليها .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وكتبه أبو حاتم سفيان بن سعيد .
بتصرف




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©