قدرته على التأثير على الصغار. وربما الكبار. قد تفوق قدرة الوالدين! أما مهاراته في التعليم والتلقين، فقد لا تجدها في أرع المعلمين. يصل إلى كل أطفال العالم من حواضر أوروبا وأمريكا إلى فيافي آسيا وإفريقيا مروراً بقرى ونجوع وهجر الوديان والبوادي العربية. أطلقوا عليه لقب ((المعلم الأول لعصرنا))،لكنه كان على الدوام يؤثر التواضع ويتستر وراء البراءة والترفيه لتوصيل رسالته، ذلك هو والت ديزني الرجل والشركة في آن واحد، فإذا كان الرجل قد غاب عن عالمنا لأكثر من أربعة عقود، فإن منتجاته من (( ميكي ماوس))،((توم وجيري)) ،(( لاين كنج)) و((ديمبو)) مازالت تأسر عقول صغارنا0
ومازال فريق العمل في شركة والت ديزني المكون من 100 ألف عامل يبيعون للعالم ما قيمته 12 مليار دولار من الأفلام والمسلسلات والألعاب، ولم يعودوا يخفون أهدافهم في صياغة عقول الناشئة حول العالم وفق النموذج الأمريكي، فأمريكا المكروهة عالمياً في أمس الحاجة إلى القوة ((الناعمة)) ، التي تمثلها منتجات ديزني التي بدأت معادية لليهود ثم سقطت في أيديهم بعد صراع مرير مع مؤسسها. ومنذ ذلك الحين راحت ترمي العرب والمسلمين بكل نقيصة وتنفر العالم منهم. إنها قصة تستحق أن تروى0
((قوة ناعمة)) تصنع العقول
والت ديزني ((معلم القرن))
لم يقل يوما ً في حياته أنه يروج لأفكار أو معقدات أو أنه يعلم أحداً بل كان والت ديزني يدعي على الدوام أنه يقدم التسلية ولا شي غيرها لكنه منذ أن بدأ في ميسوري وانتهى في هوليوود مارس بإتقان التضليل والدعاية والترويج لأفكار معينة بمنتهى البراءة والحرفية في الوقت نفسه0
ماكس رافيرني مراقب التعليم السابق في كاليفورنيا وصف ديزني بأنه ((المعلم الأعظم في هذا القرن )) أما عالم الاتصال الأشهر هربرت شيللر صاحب كتاب ((بناء العقول)) فأكد على مقولة رافيرني وقال: إذا كانت العظمة معادلة لدرجة التأثير فإن رافيرني قد أصاب من الحقيقة مالا يتخيله الكثيرون لكن بقي سؤال: إذا كان ديزني معلماً فما نوع التعليم الذي يقدمه؟
سؤال شللير أجاب عنه باحثان من أمريكا اللاتينية قبل أكثر من ربع قرن هما آريل دروفمان وأرماند ماتيلارت بعد أن قاما بتحليل الكتب الهزلية لشركة ديزني فاكتشفا أن العنصرية والتحيز والجشع والعجرفة تخللت الهزليات التي تقدمها ديزني وتوزعها في جميع أنحاء العالم فأكثر من ثلاثة أرباع القصص التي يقدمها والت ديزني تصور 2014 رحلة تستهدف البحث عن الذهب أما الربع الباقي فتنافس فيه الشخصيات على المال والشهرة ونصف القصص تدور أحداثها خارج كوكب الأرض والنصف الآخر يقع في أراض أجنبية حيث يعيش أناس يتصفون بالبدائية وكلهم من غير البيض وهكذا يستخدم ديزني نسيجاً متشابكاً من الحيوانات والأطفال والطبيعة بأسلوب ساحر لتغطية مزيج متشابك من الأفكار والمصالح0
الصراع مع اليهود
لم تبدأ ديزني يهودية الهوى والتوجه- كما هي اليوم- بل إن مؤسسها كان واحداً ممن يدركون خطورة اليهود على الحياة الأمريكية وخاض معهم صراعاً انتهى إلى وقوع الشركة في أيديهم بعد وفاته. ولد والت ديزني في ولاية شيكاغو عام 1901ثم انتقل إلى كانساس سيتي عندما بلغ الخامسة من عمره وعمل في بيع الجرائد والتحق بالجيش الأمريكي كسائق إسعاف خلال الحرب العالمية الأولى بعدما زور في تاريخ شهادة ميلاده لأنه لم يكن قد بلغ السن القانونية للالتحاق بالجيش. وبعد الحرب عاد ديزني إلى مدينته وعمل رسام كاريكاتير عام 1920 اجتهد لتوفير المال فكان يكتفي بتناول وجبة واحدة يومياً من أجل تأسيس شركة للأفلام المتحركة لكن المشروع فشل وكان عليه أن ينتظر ثلاثة أعوام ليستأنف محاولته بقرض من شقيقه فقام بإنتاج أفلام كرتون ومرة أخرى فشلت. التجربة بعدها بعدها بخمس سنوات بدأت أول بوادر نجاح ديزني عندما ابتكر شخصية ميكي ماوس في سلسلة أفلام أما عام 1937 فشهد نجاح فيلم ((سنووايت والأقزام السبعة)) الذي حقق به ديزني رقماً قياسياً في إيرادات الأفلام وفي عام 1955 تم افتتاح ديزني لاند في لوس انجيلوس بولاية كاليفورنيا بتكلفة 17 مليون دولار. وعلى مساحة 160 فداناً وزارها 55 مليون فرد حتى عام 1965. بعدها بعام مات ديزني بعد أن أصبح أكبر إمبراطورية ترفيه في العالم. هذه المسيرة لم تخل من صدام مع يهود أمريكا وشهدت كراً وفراً بين ديزني والجماعات اليهودية المتحكمة في صناعة الإعلام في أمريكا0
عندما أنتج الشاب والت ديزني فيلم الرسوم المتحركة ((الخنازير الثلاثة)) أقام اليهود المسيطرون على هوليود الدنيا وشنوا حملة شعواء على ديزني لأن الفيلم حوى مشهداً يتنكر فيه الذئب الشرير في هيئة بائع يهودي لكي يخدع الخنازير الصغيرة الطيبة ويقنعها بأن تسمح له بالدخول إلى بيتها وبالرغم من اسبجابة ديزني إلى تلك الضغوط وحذفه لذلك المشهد إلا أن اليهود أرادوا بأديبه فتآمروا مع جوزف روزنبرج المستشار المالي لـ((بنك أمريكا)) لإغراء ديزني بالحصول على قروض ضخمة من ذلك البنك وضيقوا عليه في توزيع إنتاجه إذ كانوا يتحكمون في الأفلام الأمريكي فعجز ديزني عن سداد ديونه وأفلس0
كَرّ وفَر
لم يستسلم ديزني واستأنف محاولاته وبعد الحرب العالمية الثانية ظن أن الفرصة قد سنحت له لرد الصفعة إلى اللوبي اليهودي ومحاولة وضع حد لهيمنته على هوليوود فشكل مع بعض السينمائيين ما أسموه ((تحالف السينمائيين لصيانة المثل العليا الأمريكية)) وتعاون هذا التحالف مع لجنة التحقيق في النشاطات المعادية لأمريكا المعروفة بلجنة ((ماكارثي)) وأدلى ديزني بشهادة ضد الشيوعيين ظناً منه أنه بذلك يشهد ضد اللوبي اليهودي الذي كان له حضور مؤثر في أوساط اليساريين ورد اليهود الصاع صاعين إذ نجحوا في توجيه تهمة النازية لديزني بحجة أنه وضع شعار النازية الصليب المعقوف- رمز النازية- على صور 2014ة نوته للتدريب الموسيقي في أحد أفلام ميكي ماوس وكان السبب الحقيقي هو مؤازرة ديزني لتنظيم كان يسمى أمريكا أولاً رأى فيه اليهود خطراً عليهم وناصبوه العداء0
ظن ديزني بعد الحرب العالمية الثانية أن جنة النشاطات المعادية لأمريكا قد أضعفت اليهود المسيطرين على هوليوود وأن افتتاحه ((عالم ديزني)) عام 1955 قد أبعده تماماً من قبضة اليهود ولكن إذ تنامى الوجود اليهودي في هوليوود مجدداً مستغلين تجاوزات لجنة ماكارثي0
وعندما أصيب ديزني بالسرطان ومات عام 1966 ووقعت الخلافات بين أفراد عائلته حول السيطرة على عالم ديزني بدأ تسبب النفوذ اليهودي إلى شركة ديزني نفسها وبعد عشرين عاماً وقعت استوديوهات ديزني السينمائية تحت هيمنة اليهود ومع بداية التسعينيات انضم عالم ديزني في كاليفورنيا إلى إمبراطورية هوليوود وهكذا تحولت ديزني إلى واحدة من أدوات النفوذ اليهودي بعد أن كانت بدايتها على الطرف الآخر منه 0
قوة ناعمة أشد فتكاً
تقف ديزني على رأس ما أسماه المفكر الأمريكي جوزيف ناي ((القوة اللينة)) أو الناعمة التي تستخدمها الولايات المتحدة في السيطرة على عقول العالم فإذا كان الإعلام الأمريكي يمل العمود الفقري لتلك القوة اللينة فإن ديزني هي المشتل الأول الذي تبدأ فيه تلك القوة وهي عقول الناشئة0
قسم ناي القوة إلى نوعين قوة صلبة ويقصد بها القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية وأخرى
ناعمة ويقصد بها قوة النموذج الأمريكي في الحياة الثقافية والاجتماعية الذي يعتمد على القيم والأسلوب الأمريكي في الحياة ويتسلل إلى ثقافات الشعوب الأخرى وأخلاقها ورؤيتها للحياة وهنا يأتي دور هوليوود وديزني وسي إن إن وغيرها من وسائل القوة الناعمة 0
ويرى ناي أن وسائل القوة الناعمة اللينة هي التي ستمكن الولايات المتحدة من اجتياز ما يواجهها من تحديات ومن ثم ينصح الأمريكيين بتفهم حقائق تلك القوة وتوظيفها بشكل أفضل والإنفاق عليها بسخاء في ظل تنامي موجة الكره لأمريكا في مختلف بلدان العالم خاصة في البلدان الإسلامية ويبرهن ناي على حاجة أمريكا الماسة للقوة الناعمة انطلاقاً من حقيقة أن أمريكا أكبر قوة ظهرت في التاريخ وكل الإمبراطوريات التي شهدها التاريخ لا تقارن بقوتها ورغم ذلك فإنها تواجه مشكلات جمة تفتقد القدرة على حلها ويزيد اعتمادها على القوة الصلبة في تلك المشكلات من تنفير العالم منها - ناي لم يخالف الحقيقة فقدرة الفأرة توم أو الفيل ديمبو أو الأرنب أوزوالد – على الترويج لأمريكا وإقناع الأجيال القادمة برسالتها السامية تفوق قدرة أي طائرة أو بارحة في إخضاع الشعوب لرغبات أمريكا 0
العرب وديزني
أنتجت الشركة كماً من الأفلام والمسلسلات لم تبق للعرب على فضيلة وألصقت بهم كل الرذائل الكفيلة بتنفير الناس منهم وتحريضهم عليهم، فالعربي في أفلام ديزني إنسان متخلف وفظ بلا أخلاق مهووس بالجنس لا يشغله في الدنيا سوى الركض وراء النساء وجمع المال بوسائل غير شريفة، أما المسلم فهو شرير وجبان وإرهابي يحلم بتدمير العالم وإبادة الجنس الأبيض. هذه الصفات المنفرة والقبيحة توزعت على أفلام ومسلسلات عدة منها ((كاظم)) و ((علاء)) الدين وفي ((الجيش الآن)) و ((عودة جعفر)) و ((والدة العريس)) و ((عملية الكوندور)) 0
وفي مقشركة ابل تشويه العربي والمسلم فإن ديزني تعلي من شأن اليهودي وكثيراً ما تسمي أبطال أفلامها ديفيد وتظهر اليهود على أنهم رواد الصناعة والاختراع بل والزراعة رغم أن اليهود نادراً ما يعملون في الزراعة 0
ومنذ أن تولى اليهودي مايكل أرينز رئاسة ديزني عام 1984 واستقدم معه فريقاً من المساعدين اليهود أصبح هذا التوجه أكثر فجاجة وزادت جرعة العنف والخداع في الأفلام التي تقدم للأطفال مثلما في فيلم ((الأميرة والوحش)) كما زادت جرعة العري والجنس عبر استعراضات الفتيات شبه العاريات0
إمبراطورية
تملك شركة والت ديزني شبكة قناة ديزني شبكة قناة ديزني التي تبث إرسالها في 80 دولة بالإضافة إلى أربع صحف وعدد من المسارح وشبكة إية بي سي التي تتبعها 10 محطات تلفازية و29 محطة إذاعة و27 فندقاً تحوي 36 غرفة بالإضافة إلى معهد ديزني فضلاً عن -عالم ديزني- التي تعد أكبر مدينة ملاهي في العالم تقع على 160 فداناً وقد أعلنت مؤخراً شركة البث التلفزيونية عبر الكشركة ابلات ((كومكاست)) أنها عرضت 66 مليار دولار لشراء ديزني التي اعتبرت العرض متدنياً، فدخل الشركة يتجاوز عشرين مليار دولار سنوياً ومبيعاتها من الأفلام وحدها تقدر بأكثر من مليار دولار0