الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه


أما بعد :

فمن المسائل التي اختلف فيها أهل العلم إلزام من جامع في نهار وكفر بعتق أو إطعام أو صيام بصوم يومٍ مكان الذي أفطره

وقد ورد حديثٌ في المسألة يصلح أيضاً أن يكون أصلاً مقيساً عليه في مسألة من أفطر في نهار رمضان عمداً بدون عذر هل يصوم يوماً مكان الذي أفطره أم عليه التوبة فقط ولا يجزيه الصوم ولو صام الدهر كله ؟


قال أبو داود في سننه
2393 - حدثنا جعفر بن مسافر [ التنيسي ] ثنا ابن أبي فديك ثنا هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال
y جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم أفطر في رمضان بهذا الحديث _ يعني حديث من جامع أهله في نهار رمضان _ قال فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا وقال فيه " كله أنت وأهل بيتك وصم يوما واستغفر الله "

أقول : وزيادة ( وصم يوماً ) هذه منكرة فإن المنفرد بها وهو هشام بن سعد وفيه ضعف فإن عامة الأئمة على تضعيفه وقد انفرد بهذه الزيادة من دون جمع من الأئمة الجبال الذين رووه عن الزهري ولم يذكروا تلك الزيادة وهم

1_ سفيان بن عيينة وحديثه عند أحمد (7290)


2_ شعيب بن أبي حمزة وحديثه عند البخاري (
1936 ) وغيره

3_ معمر بن راشد وحديثه عند البخاري (
2600 ) وغيره

4_ إبراهيم بن سعد وحديثه البخاري ( 5368 )

وغيرهم كثير منهم مالك بن أنس وفي هذا القدر كفاية

وقد وردت هذه الزيادة في حديث سعيد بن المسيب مرسلاً وموصولاً

قال ابن ماجه في سننه
1671م- حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ * حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ بِذَلِكَ * وَقَالَ : وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ.

عبد الجبار بن عمر ضعيف بل ضعفه جمع من الأئمة جداً


وقال أبو داود في المراسيل
98 - حدثنا القعنبي ، عن مالك ، عن عطاء بن عبد الله الخراساني ، عن سعيد بن المسيب ، أنه قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب نحره وينتف شعره ويقول : هلك الأبعد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « وما ذلك » ، قال : أصبت امرأتي في رمضان وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « هل تستطيع أن تعتق رقبة » ، قال : لا ، قال : « فهل تستطيع أن تهدي بدنة » ، قال : لا ، قال : « فاجلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال : » خذ هذا فتصدق به « فقال : يا رسول الله ما أحد أحوج مني ، قال : » كله وصم يوما مكان ما أصبت « قال مالك : قال : عطاء : سألت سعيد بن المسيب كم في ذلك العرق من التمر قال : ما بين خمسة عشر صاعا إلى عشرين صاعا

أقول : وهذا المرسل فيه نكارة فإنه يخالف الأخبار الموصولة ففيه زيادة ذكر ( البدنة )، ولم يذكر صيام شهرين ممتابعين

وهنا فائدة في شأن مراسيل ابن المسيب

قال ابن رجب في شرح مفصل علل الترمذي ص186:"
ظاهر كلام الشافعي انه يقبل مراسيل ابن المسيب جميعها ونجد هذا في قوله لا نحفظ لابن المسيب منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده وكلام الشافعي - رحمه الله - ليس على إطلاقه إذ أنه يقول بمرسل ابن المسيب إذا احتفت به القرائن التي سبق ذكرها واشتراطها لقبول المرسل ولذلك فإن الشافعي لم يقبل مرسل ابن المسيب في زكاة الفطر مدين من حنطه ولا بمرسله في التولية في الطعام ولا بمرسله في دية المعاهد ولا بمرسله من ضرب أباه فاقتلوه وبذلك يكون كلام الشافعي محمولا على المراسيل المؤيدة بالقرائن أو التي لا معارض لها"

أقول : وهنا لا يؤخذ بمرسل ابن المسيب لمخالفته للأخبار الموصولة الثابتة في الصحيحين

قال البيهقي في السنن الكبرى :"
هكذا رواه مالك بن انس عن عطاء ورواه داود بن ابي هند عن عطاء بزيادة ذكر صوم شهرين متتابعين الا انه لم يذكر القضاء ولاقدر العرق وروى من اوجه اخر عن سعيد بن المسيب واختلف عليه في لفظ الحديث والاعتماد على الاحاديث الموصولة وبالله التوفيق"

وقال عبد الرزاق في المصنف
7462 - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «تَصَدَّقْ، وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ»

ابن جريج مدلس والخبر مرسل

وقال عبد الرزاق في المصنف
7461 - عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مَكَانَهُ حِينَ أَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ»

أبو معشر المدني ضعيف والخبر مرسل ، وهذه المراسيل زادت على الأخبار الموصولة الثابتة فزيادتها داخلة في باب الشذوذ والنكارة ، واحتمال عودها إلى مخرج واحد وارد ومن قواها فقد قوى أخباراً شاذة ببعضها البعض

قال ابنُ القيم في تعليقه على "تهذيب السنن" للمنذري 3/273: هذه الزيادة -وهي الأمر بالصوم- قد طعن فيها غيرُ واحد من الحفاظ، قال عبد الحق: وطريق حديث مسلم أصح وأشهر، وليس فيها: "صم يوما"، ولا تكميله التمر، ولا الاستغفار، وإنما يصح حديثُ القضاء مرسلاً، وكذلك ذكره مالك في "الموطأ"، وهو من مراسيل سعيد بن المسيب، رواه مالك، عن عطاء بن عبد الله الخراساني، عن
سعيد بالقصة، وقال: "كُلْه، وصُم يوماً مكان ما أصبت". والذي أنكره الحفاط ذكر هذه اللفظة في حديث الزهري، فإن أصحابه الأثبات الثقات، كيونس وعقيل ومالك والليث بن سعد وشعيب ومعمر وعبد الرحمن بن خالد، لم يذكر أحد منهم هذه اللفظة، وإنما ذكرها الضعفاء عنه، كهشام بن سعد وصالح بن أبي الأخضر وأضرابهما، وقال الدارقطني: رواتها ثقات، رواه ابن أبي أويس، [عن أبيه] ، عن
الزهري، وتابعه عبد الجبار بن عمر، عنه، وتابعه أيضاً هشام بن سعد، عنه، قال: وكلهم ثقات! وهذا لا يفيد صحة هذه اللفظة، فإن هؤلاء إنما هم أربعة، وقد خالفهم من هو أوثق منهم وأكثر عدداً، وهم أربعون نفساً لم يذكر أحد منهم هذه اللفظة، ولا ريب أن التعليل بدون هذا مؤثر في صحتها، ولو انفرد بهذه اللفظة من هو أحفظ منهم وأوثق، وخالفهم هذا العدد الكثير، لوجب التوقف فيها، وثقة الراوي شرط في صحة الحديث لا موجبة، بل لا بد من انتفاء العلة والشذوذ، وهما غير منتفيين في هذه اللفظة"


هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©