بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير قوله تعالى قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) البقرة:97.

aالمفردات[1]:
f { قل } أي يا محمد؛ ويجوز أن يكون المراد: كل من يتوجه إليه الخطاب.
f { من كان عدواً لجبريل } أي معادياً له؛ "وجبريل" هو الملَك الموكل بالوحي.
f { فإنه نزله على قلبك }: أنزله أي القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
f { بإذن الله } أي بإذنه الكوني القدري.
f { مصدقا لما بين يديه }: مصدقاً لما سبقه من الكتب، كالتوراة، والإنجيل، وغيرهما من الكتب التي أخبرت عن نزول القرآن.
f { وهدًى } أي دلالة.
f { وبشرى } أي بشارة؛ و"البشارة" الإخبار بما يسر.
f {للمؤمنين } أي الذين آمنوا بما يجب الإيمان به مع القبول، والإذعان.

aالمعنى الإجمالي[2]:
قل أيها النبي لهم: من كان عدوّا لجبريل، فإن اللّه نزله بالوحي والقرآن على قلبك بإذن اللّه وأمره ، والقرآن موافق لما تقدمه من الكتب كالتوراة والإنجيل الداعية إلى توحيد اللّه وأصول الأخلاق والعبادات ، وهو هداية من الضلالات ، وبشرى لمن آمن به بالجنة ، فكيف يكون طريق الخير سببا للبغض والكراهية.


aالروايات[3]:
f قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس: قال إنما قوله (جبريل) كقوله عبد الله وعبد الرحمن.
f وأخرج ابن أبي حاتم بسنده الجيد عن أبي العالية في قوله (فإنه نزله على قلبك) يقول نزل الكتاب كامل على قلبك جبريل بإذن الله عز وجل.
f قوله تعالى (مصدقا لما بين يديه): وبه عن أبي العالية (مصدقا لما بين يديه) يعني: من التوراة والإنجيل.
f قوله تعالى (وهدى وبشرى للمؤمنين): أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله (هدى وبشرى للمؤمنين) جعل الله هذا القرآن: هدى وبشرى للمؤمنين لأن المؤمن إذا سمع القرآن وحفظه ووعاه انتفع به واطمأن إليه وصدق بموعود الله الذي وعد فيه وكان على يقين من ذلك.

aسبب النزول[4]:
ما أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم بإسناد حسن من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أقبلت يهود إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالوا: يا أبا القاسم إنا نسألك عن أشياء فإن أنبأتنا بهن عرفنا أنك نبي واتبعناك قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه: إن قال: الله على ما نقول وكيل. قالوا: فأخبرنا من صاحبك الذي يأتيك من الملائكة. فإنه ليس من نبي إلا يأتيه ملك بالخبر فهي التي نتابعك إن أخبرتنا قال: جبريل. قالوا ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال ذاك عدونا لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالنبات والقطر والرحمة. فأنزل الله عز وجل (من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك) إلى آخر الآية.

aالأحكام[5]:
f أن من الناس من يكون عدواً لملائكة الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { قل من كان عدواً لجبريل } ووجه ذلك: أن مثل هذا لكلام لو لم يكن له أصل لكان لغواً من القول؛ والقرآن منزه عن هذا اللغو.
f فضيلة جبريل عليه الصلاة والسلام، لأن الله تعالى دافع عنه.
f ذكر الوصف الذي يستحق أن يكون به ولياً لجبريل؛ لقوله تعالى: { فإنه نزله على قلبك } يعني: ومن كان هذه وظيفته فإنه يستحق أن يكون ولياً.
f إثبات علوّ الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { فإنه نزله }؛ وإنما نزل به من عند الله؛ والنّزول لا يكون إلا من أعلى.
f أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وعى القرآن وعياً كاملاً لا يتطرق إليه الشك؛ لقوله تعالى: {نزله على قلبك }؛ لأن ما نفذ إلى القلب حلّ في القلب؛ وإذا حلّ في القلب فهو في حرز مكين.
f أن هذا القرآن إنما نزل بإذن الله؛ لقوله تعالى: { نزله على قلبك بإذن الله }؛ والإذن هنا كوني؛ وقد ذكر العلماء أن إذن الله تعالى نوعان:
- كوني: وهو المتعلق بالخلق، والتكوين، ولا بد من وقوع ما أذِن الله تعالى فيه بهذا المعنى؛ مثاله قوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255] ، وقوله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} [البقرة: 102] وقوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} [التغابن: 11]
- شرعي: وهو ما يتعلق بالشرع، والعبادة؛ مثاله قوله تعالى: {قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون} [يونس: 59] ؛ وقوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21] ؛ والفرق بينهما أن المأذون به شرعاً قد يقع، وقد لا يقع؛ وأما المأذون به قدراً فواقع لا محالة؛ ومن جهة أخرى: أن المأذون به شرعاً محبوب إلى الله عزّ وجلّ؛ والمأذون به قدراً قد يكون محبوباً، وقد يكون غير محبوب.
f أن القرآن بشرى للمؤمنين؛ وعلامة ذلك أنك تنتفع به؛ فإذا وجدت نفسك منتفعاً به حريصاً عليه تالياً له حق تلاوته فهذا دليل على الإيمان، فتناله البشرى؛ وكلما رأى الإنسان من نفسه كراهة القرآن، أو كراهة العمل به، أو التثاقل في تطبيقه فليعلم أنه إنما فاقد للإيمان بالكلية، أو أن إيمانه ناقص.

a المراجع:
- تفسير القرآن الكريم الفاتحة والبقرة ، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1423 هـ.
- التفسير المنير في العقيدة والالشريعة الاسلامية والمنهج، أ.د.وهبة الزحيلي، دار الفكر، 1424هـ.
- موسوعة الصحيح المسبور، أ.د.حكمت بشير ياسين، دار المآثر، الطبعة الأولى، 1420هـ.

[1]- تفسير القرآن الكريم الفاتحة والبقرة ، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، الطبعة الأولى، 1423 هـ، ج1/ص313.

-[2]التفسير المنير في العقيدة والالشريعة الاسلامية والمنهج، أ.د.وهبة الزحيلي، دار الفكر، 1424هـ ،ج1/ص209.

[3]-موسوعة الصحيح المسبور، أ.د.حكمت بشير ياسين، دار المآثر، الطبعة الأولى، 1420هـ، ج1/ص202.

-[4]موسوعة الصحيح المسبور، أ.د.حكمت بشير ياسين، ج1/ ص202.

[5]-تفسير القرآن الكريم الفاتحة والبقرة ، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، ج1/ ص316.




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©