*من كتاب كاملي -أساسيات النظام السياسي الإسلامي


مشكلات داخل الدولة الإسلامية:
هناك مجموعة من القضايا والأمور التي يعتبرها البعض مشكلات ومآزق سنقع فيها إذا ما أقمنا الدولة الإسلامية التي ندعوا إلى قيامها وتدعوا إليها الحركات الإسلامية في بلداننا فيقولون أننا إذا أقمنا هذه الدولة فستعترضنا ثلة من المشاكل تكون عائقا أمام التقدم الحضاري والتنموي داخل بلداننا من قبيل حالة الغير مسلمين داخل هذه الدولة فكيف سيكون دورهم وحالهم داخله...؟هل سيكونون أهل أمة؟ويدفعون الجزية أم مواطنون كاملو الحقوق والواجبات داخل هذه الدولة؟
ويقول مخالفونا و معارضو فكرة قيام الدولة الإسلامية كيف ستتعامل هذه الدولة ونظامها السياسي مع الحريات العامة داخل المجتمع...؟ فهل ستسمح هذه الدولة بالإلحاد مثلا ؟ وبقيام أحزاب أو حركات علمانية مخالفة لأصول هذه الدولة.....؟وكيف ستكون علاقة الدين بالتشريع...؟ فإذا شرع البرلمان قانون مخالف لأحكام الالشريعة الاسلامية ورأى قادة الدولة أنه يحقق مصلحة هذه الدول كيف سيكون حلّ هذا الإشكال...؟.
وكيف ستكون علاقة الإسلام بالسياسة...؟ فالسياسة فن الممكن كما يعرفها البعض والسياسة مبنية على المكر وتحقيق المصلحة مهما كانت فكيف سيكون الدين الذي يعلي مكانة الأخلاق والقيم على المصلحة...؟
وكيف سيكون حال المرأة داخل الدولة الإسلامية ؟ هل ستكون لها نفس حقوق وواجبات الرجل أم ستكون مواطنة من الدرجة الثانية ؟.
فكان لزاما علينا أن نلقي الضوء على هذه القضايا علّها تنير الدرب وتزيل أوهام كل من يدعوا إلى قيام هذه الدولة ،وعلّها تزيل الشك والخوف عند المخالفين....
في الحقيقة إن هذه القضايا قد طرحت ودرست في الفقه الإسلامي القديم والحديث وقدمت فيها اجتهادات كبيرة من أصحابها من أخذ أجرين ومنهم من أخذ وأجرا إن أخطأ.... بينما نحن في هذه السطور المتواضعة سنحاول أن نلقي الضوء على الجانب السياسي منها والمتعلق بالدولة وبالسلطة السياسية.
*مشكلة المواطنة:
يرى بعض المخالفين أن المواطنة لا يمكن أن تحقق داخل الدولة الإسلامية لأن الدولة الإسلامية هي دولة عقيدة ,وبالتالي من لا يعتقد بالإسلام دينا من النصارى أو اليهود وغيرهم سيكونون مواطنون منتقصو الحقوق داخل هذه الدولة .
المواطنة كما يعرفها علماء القانون والسياسة هي المساواة التامة لجميع مواطني الدولة في الحقوق والواجبات سياسيا وقانونيا.
كان قديما في الدولة الإسلامية (دولة الخلافة) المخالفين في الدين من أهل الكتاب كامل و غيرهم يسمون بأهل الذمة،والذمة في الفقه الإسلامي هي ((عقد مؤبد يتضمن إقرار غير المسلمين على دينهم وتمتعهم بأمان الجماعة الإسلامية وضمانها بشرط الجزية وقبول أحكام دار الإسلام في غير شؤونهم الدينية)).
لكن الوضع تغير بعد سقوط دولة الخلافة وتعرض البلدان الإسلامية للغزو الأوربي فقامت شعوب هذه المنطقة بمختلف ديانتها و معتقداتها تحارب هذا الإستعمار إلى أن تحررت هذه البلدان ،فولدت دولة جديدة شارك في بنائها المسلمون وغير المسلمين وبالتالي.... وبالتالي غير المسلمين يجب أن يحصلوا على جميع حقوقهم السياسية و القانونية في هذه الدولة التي دفعوا في تحررها دمائهم وأنفسهم أما قضية التأبيد في هذا العقد (عقد الذمة ) فدعنا ننقل رأي أحد أقطاب الفكر الإسلامي المعاصرين وهو محمد سليم العوا فيقول:"وليس معنى أن الذمة عقد ((مؤبد))- كما قال الفقهاء- أن يستعصي على أسباب الانتهاء المعروفة لكل عقد، وإنما التأييد هنا معناه عدم جواز فسخه بإرادة الحكام المسلمين وعدم جواز قبول ظلم أو سكوت المسلمين عليه –إن وقع – لأهل الذمة".
أما قضية الجزية فمن المعروف في الفقه الإسلامي أن الجزية مبلغ مالي زهيد يفرض رائع على البالغين القادرين من رجال أهل الذمة مقابل عدم مشاركتهم في الغزوات والحروب التي كانت تشنها الجيوش الإسلامية وهذا منطقي فكيف يشارك النصارى أو اليهود أو غيرهم من الديانات الأخرى في حروب لا يؤمنون بأهدافها ومبادئها الأساسية فكان الشرط هو توفير الأمن والسلام لأهل الذمة ،وقد علل جمهور الفقهاء علة الجزية بعدم مشاركة أهل الذمة في الدفاع عن دار الإسلام فان قرروا هم الدفاع عن دار الإسلام تسقط الجزية عنهم.
وإذا ما أنزلنا هذا الحكم على واقعنا المعاصر نجد أن النصارى أو اليهود أو غيرهم في دولنا مادة اللغة العربية والإسلامية قد شاركوا في تحرير هذه الأوطان من الغازي المحتل وهم يشاركون في الجيوش وأجهزة الأمن في دولنا وبالتالي فالجزية لا تمسهم في هذه الحالة فهم مواطنون مثلهم مثل غيرهم يعيشون في دولة لها مرجعية إسلامية ومعظم سكانها مسلمون.
قد يقول قائل لماذا لا نحل الإشكال ونتخذ العلمانية مرجعا لهذه الدولة فنرضي كلا من الطرفين .....؟ في الحقيقة كما قلنا في فصل سابق أن هذه العلمانية ليست نظرة حيادية للحياة وإنما هي دين وضعي ابتكره ثلة من مفكرين عصر التنوير الأوربي فكيف نفرض رائع على شعب مسلم أن يتخذ مرجعية منافية ومعارضة لدينه.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فالإسلام ليس دين كسائر الأديان الأخرى إنما هو عقيدة يؤمن بها الناس فتطمئن قلوبهم وقانون إذا ما طبقه المجتمع حافظ على وجوده وحقق أهدافه التي يسعى إليها ومرجعية إذا ما اتخذتها دولة أو حركة في العالم أنقضت العالم مما هو فيه الآن.....ونحن لا نطالب أهل الكتاب كامل في دولنا أن يعتقدوا بهذه العقيدة فهم أحرار في معتقداتهم بل أن كل مواطن في هذه الدولة الإسلامية هو حر في اعتقاده فليعتقد ما شاء.
((لا إكراه في الدين))
((فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ))
بل القرءان قد تكلم عن أناس ((إن الذين ءامنوا ثم كفروا ثم ءامنوا ثم كفروا....))أناس انتقلوا من عقيدة الإسلام إلى عقيدة الكفر ثم إلى الإسلام ....ولم يفرض رائع عليهم الإسلام عقوبة إنما مردهم إلى يوم القيامة (يوم الحساب) .أما في الدنيا فالكل أحرار في معتقداتهم (( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ))
وهذه الدولة لا تفرض رائع على أهل الكتاب كامل قانونها الإسلامي فهم أحرار إذا شاءوا رضوا به قانونا لهم فبها ونعمت وإذا لم يشاءوا لهم قانونهم وشريعتهم الخاصة التي يريدونها.
وإنما تفرض رائع هذه الدولة على أهل الكتاب كامل وغير المسلمين في هذه الدولة أن يلتزموا بمرجعية هذه الدولة وهي المرجعية الإسلامية وهذا ليس بدعا في العالم فالدولة العلمانية مثلا مثل فرنسا فهي تفرض رائع على كل الفرنسيين أن يلتزموا بهذه المرجعية فلا يمكن لهم أن يفعلوا ما يخالف هذه المرجعية وكذلك الدولة التي لها مرجعية رأسمالية في الاقتصاد مثلا لا يمكن لشعبها أن يفعل ما يخالف هذه المرجعية وإلا فانه خائن لهذه الدولة.......وهذا ما نطالب به في الدولة الإسلامية هو التزام مواطنيها بمختلف معتقداتهم وأديانهم بهذه المرجعية .
قد يقول قائل ما هي هذه المرجعية أصلا.....؟ هي النظرة الشاملة للحياة و للوجود وللإنسان في هذه الدنيا وعنها تنبثق القيم الأخلاقية و القوانين الاجتماعية التي تنتج عنها السياسات الاجتماعية والاقتصادية في هذه الدولة .
مثال بسيط :الدولة التي تكون مرجعيتها علمانية....هذه المرجعية التي تفترض أن الإنسان سيد للكون ولا سيد عليه وأن هذه الحياة الدنيا هي الوحيدة التي يعيشها هذا الإنسان وأنه لا بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار .......فتنبثق عن هذه المرجعية مجموعة قيم أخلاقية قد تتقاطع بعض الأحيان مع القيم الأخلاقية الإسلامية ......وتنتج عن هذه القيم الأخلاقية والقوانين الاجتماعية سياسات اجتماعية واقتصادية تسعى إلى تحقيق وتجسيد هذه النظرة للحياة وللوجود وللكون ..........فنتج عن هذه المرجعية مثلا الاستعمار الغربي للدول الإسلامية لاستغلال طاقاتها في سبيل تحقيق رفاهية الشعب الأوربي ....فسياسات الدول الأوربية والأمريكية وكل السياسات العلمانية تسعى في الحقيقة إلى تحقيق رفاهية شعوبها دائما على الشعوب الأخرى فترى أن هناك شعوب لا تجد ما تأكل بينما الشعوب الأوربية و الأمريكية تتفنن في الأكل وتجد شعوب تعاني الأمراض والأوبئة وهذه الشعوب تعيش في رفاهية.... فلو علم الإنسان الإفريقي البسيط لقال في تساؤل ...لماذا الشاب الأوربي يدرس أحسن دراسة ويعمل أحسن عمل ويعيش حياة كلها رفاه بينما أنا لأجد ما أغطي به حاجتي من طعام ولباس وقد يجد هذا الإفريقي جواب في الصحف أو في الكتب أن شعوب العالم الثالث الفقير التي تعاني البؤس والشقاء هذا بسبب تكاسلها وعدم قيامها بواجبها وفي الحقيقة هذا خطأ كبير فما تعانيه شعوب العالم الثالث هو نتيجة لسياسات الدولة الأوربية والأمريكية وليس بسبب تكاسلها وهذا ما سنفصله لاحقا في هذا الكتاب كامل.
فالدولة الإسلامية التي ندعوا إليها هي التي تتخذ الإسلام كمرجعية لها ولجميع مواطنيها وكامل الحقوق السياسية والقانونية مهما كانت دياناتهم ومعتقداتهم .
لكن قضية تولي غير المسلمين لبعض المناصب الإدارية أو الوزارية ولمناصب عليا هذه الدولة قد يسبب إشكالا عند البعض.
في القديم كان الفكر الإسلامي والفقه يمنع غير المسلمين من تولي هذه المناصب داخل الدولة الإسلامية وهذا لأن الدولة في القديم يسيرها الأشخاص فرئيس الدولة يسوسها بشخصيته فهو الأمر الناهي أما الدولة المعاصرة فهي دولة مؤسسات ودولة قانون وإنما الأشخاص هم عبارة عن منفذين لهذه القوانين ولا يمكن لهم أن يخالفوا هذه القوانين.
وبالتالي فما يهمنا في هذه الدولة الإسلامية المعاصرة التي ندعوا إليها هو أسلمت قوانينها ومؤسساتها بينما الأشخاص فمهما كانت طبيعتهم فإذا تولوا هذه المناصب لا بدا أن يلتزموا بهذه القوانين الإسلامية وإلا فإن الشعب سيسقطهم أو أنهم سيعزلون لأنم خالفوا دستور هذه الدولة .
فالنظام القديم كان يعتمد على الوازع الأخلاقي فيمن يتولون مناصب عليا في الدولة الإسلامية والوازع الأخلاقي مهم وضروري ولكن ظروف الحياة وتقلباتها لا يضمن أن المتخلق سيبقى متخلق أو المؤمن سيبقى مؤمن أو....
أما الدولة الحديث فهي تعتمد على الوازع القانوني فإذا ما خالف أحد هذا القانون حتى وإن كان رئيس الدولة فهناك حامي لهذا القانون سيتخذ إجراءات ضدّ هذا المخالف حتى يعود إلى القانون وإلاّ فإنه سيعزل وتنتهي شرعيتين ونحن هنا لا نقول أنه بإمكان غير المسلمين داخل الدولة الإسلامية أن يتولوا مناصب علي كمنصب رئيس الدولة ولكننا نقول أن المهم في هذه الدولة هو من يسيرها ......المحرك الرئيسي لهذه الدولة هو المؤسسات الدستورية والقوانين وبالتالي لأسلمت هذه الدولة لا بدّ من أسلمت هذه القوانين والمؤسسات أما الأشخاص فهم محكمون بهذه القوانين والمؤسسات ....وقضية تولي هذه المناصب يرجع إلى طبيعة هذه الدولة فإن كان المسلمون ثم الأغلبية فمنطقي لا بدّا أن يكون الرئيس أو من يتولى مناصب سياسية مسلم أما ان كان المسلمون فيها يتقاسمون النسبة مع غير المسلمين فلا مشكل أن يتولى غير المسلمين هذه المناصب ,أما المناصب الدينية البحتة فهي مقتصرة على أصحاب الدين فلا يمكن لمسلم أن يتولى منصب رئيس الكنائس ......ولا يمكن لغير مسلم أن يتولى منصب إسلامي ........وهذا في الحقيقة هو رأيي الذي بنيته بعد تأمل وتفكير عميق فالدولة الحديثة هي دولة مؤسسات ودولة قانون وبالتالي لأسلمتها لا بّدا من أسلمت مؤسساتها وقوانينها أما المناصب ,فالمنصب الذي يمثل رمز لهذه الدولة لابدّ أن يكون لمسلم أما المناصب الأخرى فلا اشتراط للدين فيه ........... وهذا شيء منطقي في الدول المعاصرة فتركيا مثلا هي دولة علمانية من حيث الدستور والقوانين فلا يمكن لرئيسها إلا أن يكون علمانيا فلو قال إنه لا يؤمن ولا يلتزم بالعلمانية لفصل دستوريا .
*مشكلة المرأة :
يرى البعض أنه بإقامة الدولة الإسلامية سنحرم ونمنع نصف المجتمع من العمل العام سواءا كان سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا .وهذه في الحقيقة افتراءات ما أنزل الله بها سلطان.
ومن يطلع على الأصول النظرية الأساسية للإسلام يرى ويعرف أن الإسلام قد ساوى بين الرجال والنساء في جميع الحقوق والواجبات بل وجعل النساء شقائق للرجال .
يقول (ص)((النساء شقائق الرجال))
يقول تعالى((من عمل منكم من عمل من ذكر أو أنثى ....))
((للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ))
((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض))
((يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل،إن أكرمكم عند الله أتقاكم ))
يقولr ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة))
لكن الخلاف بين النظرية الإسلامية والنظرية الغربية للمرأة هو أن الحضارة الغربية تجعل مبدأ التناقض قائم بين جميع المتقابلات في الحياة .....فالتناقض قائم بين ما هو مادي وما هو روحي....وبن ما هو أخروي وما هو دنيوي ......و بين ما هو ديني عقدي وبين ما هو علمي .......بينما الحضارة الإسلامية والعقيدة الإسلامية تجعل هذه المتقابلات متكاملة فيما بينها فالروحي يكمل المادي والأخروي يكمل الدنيوي والديني يكمل العلمي والمرأة تكمل الرجل.
وقد نتج عن هذا التناقض في النظرة الغربية بين الجنسين أن المرأة أو الجنس الأنثوي يسعى إلى الوصول إلى التساوي مع الجنس الذكري أو الرجل.
فهدف المرأة الأسمى في الغرب أن تتساوى مع الرجل بينما في الإسلام المرأة يمكن أن تتساوى مع الرجل ويمكن أن تتفوق عليه ويمكن أن تتخلف عليه ........وهي في الحقيقة مكملة له فلا يمكن أن يعيش الرجل بلا امرأة والعكس صحيح ,بينما في الغرب بدأنا نسمع عن الشذوذ الجنسي واكتفاء الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة وهذا الاختلاف يدركه العامي قبل المثقف ،كما راعى الإسلام الاختلاف النفسي بين شخصية المرأة وشخصية الرجل وهذا ما أقرّه العلم المعاصر فالمرأة في النظرة الإسلامية لا تساوي الرجل من الناحية البيولوجية بل تكمله وأيضا لا تساويه من الناحية النفسية بل تكمله بينما في نواحي الحقوق والواجبات الدينية فليس بين الذكر والأنثى اختلاف قط.
((من عمل عملا منكم من ذكر أو أنثى....))
فنتج عن هذا الاختلاف البيولوجي والنفسي بين الرجل والمرأة قضية القوامة التي جعلها ربنا جل و علا في يد الرجل...فإذا كانت الأسرة عبارة عن مؤسسة صغيرة والمؤسسة لا بدّا لها من مدير مسير ورئيس واحد يدير شؤونها والإسلام أعطى الرجل هذه القوامة لأنه هو الأصلح لها بحكم خبرته الحياتية وبحكم طبيعته البيولوجية .
كذلك بالنسبة لقضية الشهادة عند المرأة التي وردت في سورة البقرة:
((.....فأشهدوا شاهدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى.....)) .
فشهادة المرأة في هذه الحالة تساوي نصف شهادة الرجل وهذا ليس انتقاصا من شأن المرأة بقدر ما هو عدل في التعامل فقد عللت الآية سبب استشهاد امرأتين بدل امرأة واحدة هو النسيان ((...أن تضل إحداهما الأخرى...)) وهذا لأن المرأة في ذلك العصر بل وحتى الآن ليس لها خبرة واسعة في التعاملات المالية والتجارية.
لكن قف يقول قائل : هناك من النساء من هي أعلم من ألف رجل بالتعاملات المالية......نقول أن التشريع دائما يتعامل مع العموم فعموم النساء في العالم ليسوا كذلك فالقانون دائما لا يتعامل مع الحالات الخاصة وإنما مع العام .
إذن فعلة هذا الحكم هي النسيان كما أقرها الفقهاء والمفسرون….وكما قلنا من قبل أن الحكم يدور مع العلة في الفقه الإسلامي …….فإذا ما انتفت هذه العلة وأصبح عموم النساء لهم خبرة بالأمور المالية فالحكم حتما سيتغير حيث يقول الإمام محمد عبدو في هذه الآية ((…لقد تكلم المفسرون في هذا -التمييز بين شهادة المرأة وشهادة الرجل في الدين) ،وجعلوا سببه المزاج،فقالوا:إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان ،وهذا غير محقق ،والسبب الصحيح :أن المرأة ليس من شأنها الانشغال بالمعاملات المالية ونحوها من المفاوضات ،فلذالك تكون ذاكرتها ضعيفة ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية ،التي هي شغلها ،فإنها أقوى ذاكرة من الرجل ،يعني أن طبع البشر ذكرانا وإناثا أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويكثر انشغالهم بها ولا ينافي ذلك انشغال بعض نساء الأجانب في هذا العصر بالأعمال المالية ،فإنه قليل لا يعول عليه ،والأحكام العامة إنما تناط بالأكثرية في الأشياء وبالأصل فيها……)).
نفس الشيء بالنسبة لقضية الميراث ،فلإسلام أعطى للذكر مثل حظ الأنثيين في ميراث الأبناء لآبائهم:
((….فللذكر مثل حظ الأنثيين…)).
فالإسلام لمّا قرر هذا الحكم لم يقرره اعتمادا على طبيعة جنس الوارث ذكرا كان أم أنثى ،وإنما قرره اعتمادا على تبعات كل منهما ،فورث الأنثى نصف ما ورث الذكر .ولم يلزم الأنثى بالنفقة في البيت بشيء وإنما هذا النصف هو لها وحدها بينما الذكر فقد ألزمه بالنفقة على الأنثى وعلى بيته....فإذا نظرنا إلى هذا الحكم نظره عادلة موضوعية سندرك أن الإسلام قد كرّم المرأة هنا وأعطاها أكثر من الرجل.
وهناك حالات عدة الأنثى تأخذ في الميراث أكثر من الذكر وإنما هنا الأمر متعلق بالأبناء فقد كان العرب في الجاهلية يحرمون الأنثى من الميراث فجاء الإسلام وأعطاها هذا الحق .
ربما يقول قائل :لماذا لم يعط الإسلام الأنثى مثل الرجل في الميراث ويكلفها هي أيضا بالنفقة على البيت ونحل هذا الإشكال.....؟
نقول أن هذا الحكم فرع عن أصل قد قرره الإسلام وهو أن قوامة الأسرة تكون للرجل وليس للمرأة وهذا كما قلنا بسبب طبيعة كل منها النفسية والبيولوجية .....والقوامة لا تكون لأثنين لأن هذا سيؤدي إلى النزاع وإفشال هذه الأسرة ........فأعطى الإسلام القوامة للرجل وألزمه بالنفقة على المرأة.وأعطى المرأة نصف حظ الرجل في الميراث ولم يلزمها بالنفقة على أحدو إنما هو خالص لها ...........فأي تكريم أكبر من هذا التكريم......؟
هذا بالنسبة لأحكام التي جاءت صريحة في القرءان والسنة النبوية بشأن المرأة .أما الأحكام التي وضعها الفقه الإسلامي فيما بعد بشأن المرأة فربما تتلخص في قضية تولي المرأة للولاية العظمى أما قضية منع الفقه الإسلامي لتولي المرأة للولاية العظمى (رئيس دولة الإسلامية) فجمهور الفقهاء بنوا هذا الحكم على حديث نبوي واحد وهو في الحقيقة ليس صريحا في تحريم هذه الولاية للمرأة.
ونص الحديث هو:
يروي الصحابي "أبو بكرة" رضي الله عنه هذا الحديث فيقول:
قال رسول اللهr :من يلي أمر فارس؟
قالوا: امرأة .
فقال رسول اللهr ما أفلح قوم يلي أمرهم امرأة.
فهذا الحديث في الحقيقة لا يقرر حكما فقهيا بتحريم ولاية المرأة للدولة وإنما هو عبارة عن نبوءة سياسية للنبي r بشأن دولة فارس التي انهارت فيما بعد على يد الدولة الإسلامية .
وفي الحقيقة هذا هو الحديث الوحيد التي يتكلم عن ولاية المرأة وهو كما قلنا لا يصرح بحكم التحريم بقدر ما هو نبوءة ووصف لحالة دولة فارس آنذاك .
بل القرءان الكريم لمّا تكلم عن مملكة سبأ التي كانت تقودها امرأة وصف سياسة هذه الملكة لدولتها وصفا يعتبر مدحا لهذه السياسة التي تنتهجها هذه الملكة بشأن مشاورة أهل الخبرة في الجيش بشأن الكتاب كامل الذي بعث إليهم من عند سليمان عليه السلام.
يقول تعالى ((قالت يأيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كامل كريم،إنّه من عند سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ،أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين قالت يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها..........))
أما قضية تولي المرأة للقضاء فقد اختلف الفقه الإسلامي في هذا الحكم، وهناك ثلاثة آراء شائعة في هذا الأمر وهي :
يرى فقهاء المذهب الشافعي أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى القضاء وقد قاسوا هذا الحكم على الولاية العظمى فبما أن الولاية العظمى لا تصح للمرأة فكذالك القضاء ...وقد تكلمنا عن قضية الولاية العظمى التي لم يمنعها الإسلام صراحة كما نعتقد بل النصوص الإسلامية الكلية العامة تقضي بأن لا نمنع المرأة من هذا المنصب بحكم جنسها ،و يرى فقهاء المذهب الحنفي أن المرأة يجوز لها تولي القضاء فيما عدا القضاء في القضايا (القصاص والحدود) وذلك لأنهم قاسوا تولي القضاء على الشهادة فأجازوا قضاءها فيما أجازوا شهادتها فيه أي فيما عدا (القصاص والحدود) .ونحن قد تكلمنا في شهادة المرأة وقلنا بأن حكم القرءان الكريم على أنها نصف شهادة الرجل بسبب قلة خبرتها في مجال المعاملات المالية وأنه إذا ما انتهى هذا السبب سيتغير الحكم إلى الإيجاب .
وفي الحقيقة ففي عصرنا الحالي القضاء أو منصب القاضي لا يصل إليه الفرد إلى بعد دراسة وخبرة ومسابقات تكون المرأة قد كسبت خبرة كافية لتولي هذا المنصب .
أما الرأي الفقهي الثالث هو رأي المذهب الظاهري ابتداءا بمؤسس المذهب الإمام محمد بن جرير الطبري فقد حكموا بذلك لقياس القضاء على الفتيا .والمرأة يجوز لها الفتيا بعد التعلم طبعا فكذلك القضاء يجوز لها بعد التعلم والتمكن .
وهناك أمر آخر هو أن القضاء الآن في وقتنا المعاصر يختلف في الحقيقة عن القضاء في القديم ،ففي القديم كان القاضي يحكم باجتهاده هو و استنباطه للحكم الفقهي بعد دراسته للقضية في ضوء الكتاب كامل والسنة ....بينما في وقتنا الحاضر فالقاضي لا يجتهد في استنباط الحكم من النصوص المطلقة ( القرءان والسنة) وإنما هناك جهاز آخر له هذا العمل ...بينما القاضي فينزل هذا الحكم فقط على القضية التي أمامه والاختلاف الآخر هو أنه في وقتنا المعاصر القاضي لا يعمل وحده وإنما هناك مستشارين ومحاميين يناقشون معه القضية التي بين يديه وهذه الأمور تدفع كل غلط يمكن أن يقع من القاضي ....وأيضا هناك درجات للمحاكم من استئناف ونقض وهذه الأمور كلها يجب أن نأخذها بعين الاعتبار في دراسة هذه القضية و في الحكم عليها بالجواز أو المنع.
فكل هذه الأمور تجعلنا نتريث أمام منع المرأة من هذا المنصب الذي هي تشغله في وقتنا الحاضر في معظم الدول الإسلامية وهي ناجحة فيه ولا يوجد أي إشكال يعترضها وبالتالي فلا مانع فقها من تولي المرأة للقضاء والله أعلم .
*مشكلة التشريع:
أيضا من المشاكل التي يتوهمها البعض عن قيام الدولة الإسلامية مشكلة التشريع واستصدار القوانين . وربما هذا هو المشكل الأساسي الذي جعل ثلة من المفكرين الإسلاميين يرفضون فكرة الديمقراطية في خمسينيات وستنيات القرن الماضي... حيث أن النظام الديمقراطي يعطي حق التشريع للسلطة التشريعية التي تتكون من مجلس أو مجلسين كما هو عندنا في الجزائر (مجلس الشعب ومجلس الأمة) وهذه السلطة هي التي لها الحق وحدها في استصدار القوانين داخل الدولة وبالطبع في النظام الديمقراطي هذه السلطة تمثل الشعب أي أن الشعب هو الذي انتخبها وفوضها هذه المهمة ...وبالتالي فالتشريع في الحقيقة في النظام الديمقراطي هو للشعب ،فالشعب يشرع ما يشاء ويتماشى مع مصلحته ... وهذا هو الذي جعل بعض المفكرين يظنون أن هذا الحق هو اعتداء على حق من حقوق الله جلّ شأنه والحاكمية التي لا تكون إلا لله ولا يمكن لأي أحد أن يعتدي على هذا الحق وإلاّ فإنه يدخل في دائرة الكفر .
يقول تعالى ((إن الحكم لله......))
يقول تعالى ((...ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ))
ويقول ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون))
ونحن نقول هنا أن القانون في أي نظام ديمقراطي في العالم على ثلاثة أنواع هناك القانون الدستوري وهو القانون الأعلى في الدولة وهو القانون الذي بموجبه تنشأ الدولة فهو بمثابة عقد بين الحاكم والمحكوم توضع فيه كلّ البنود والقوانين الأساسية التي يتفق عليها هذا الشعب مع حاكمه فهو الذي يبين الخطوط والمبادئ الأساسية التي تسير عليها هذه الدولة .
وهناك القانون الذي يصدره البرلمان وهو أقل درجة من القانون الدستوري ويجب على هذا القانون أن لا يخالف القانون الدستوري ولو خالف هذا القانون الدستور يعتبر ملغي وغير صالح للتطبيق في هذه الدولة ....وهناك محكمة مختصة في هذا الشأن في النظام الديمقراطي هي المحكمة الدستورية التي تنظر في مدى دستورية هذه القوانين التي يصدرها البرلمان.
وهناك المراسيم الرئاسية واللوائح التنفيذية وهي عبارة عن قوانين موضحة ومفسرة للقانون البرلمان والدستوري ولا يمكن أن تخالف قانون الدولة بأي حال من الأحوال .
وبالتالي لو أقمنا دستور متماشي ومنسجم مع الالشريعة الاسلامية الإسلامية فإننا سنحل هذه المشكلة ....والبرلمان مهما شرع فهو يشرع وفقا للدستور وفيما سمحت له الالشريعة الاسلامية الإسلامية ... لأن الالشريعة الاسلامية الإسلامية ليس كما يتصورها البعض أنها كل الفقه الإسلامي أو كل القانون الإسلامي ... فنحن هنا نتكلم عن الالشريعة الاسلامية الإسلامية التي جاء بها القرءان الكريم والسنة النبوية المشرعة الصحيحة ... وهي في الحقيقة مجموعة قليلة من المبادئ والأحكام التي أمرنا نحن كمسلمين بتطبيقها ... أما الفقه الإسلامي فهو نتاج اجتهاد الفقهاء عبر العصور وفقا لزمانهم ومكانهم ونحن هنا سنأخذ منه ما يصلح لزماننا ومكاننا وسنجتهد لنضع قانون متماشية مع أحكام الالشريعة الاسلامية ومناسب لزماننا ومكاننا .
فكما يقول علماء أصول الفقه أن هناك منطقة العفو التي سكت فيها القرءان الكريم والسنة النبوية ... ونحن لا بدّ أن نجتهد في هذه المنطقة لنضع قانون متماشي مع مبادئ وأحكام الالشريعة الاسلامية ومناسب لوقتنا الحاضر ... أما الأحكام الثابتة الصريحة في القرءان والسنة فلا مجال للاجتهاد فيها ولا يجب مخالفتها بأي حال من الأحوال وإلاّ فقد اعتدينا على حق من حقوق الله جل وعلا ارتضيناه بموجب إيماننا واعتقادنا بالإسلام دينا.
((ومن أحسن حكما من الله لقوم يوقنون.......))
((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ))
(( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما))
وبالتالي فنحن نقول أن مشكلتنا مع الدستور وليس مع السلطة التشريعية في الدولة الإسلامية التي ندعوا إليها ....فلو أقمنا دستورا إسلامي فلا مشكلة مع البرلمان لأنه سيشرع فيما سمح الله له في التشريع (في منطقة العفو) .ولا يمكن له أن يخالف الدستور الذي هو إسلامي متماشي مع الالشريعة الاسلامية الإسلامية.
وهذا في أي دولة ديمقراطية في العالم فمثلا دولة فرنسا التي تقر العلمانية كعقيدة للدولة المادة الفرنسية ... فلا يمكن للبرلمان الفرنسي أن يشرع قانون مناقض للعلمانية وإلا فإنه ملغي وغير صالح للتطبيق وكذلك الدولة الإسلامية التي ندعو لها.
وهناك من يظنّ أنه إذا أقمنا دستورا إسلاميا فكأننا سنضع وصيا على الشعب وسنجعل الفقهاء أو رجال الدين كما يسميهم البعض مسيطرين على الدولة وهذا في الحقيقة لا يصح في الدولة الإسلامية وإن صحّ فإنه يصحّ مثلا في النظام الإيراني الشيعي الذي يتبنى ولاية الفقيه كنظام للحكم وهذه في الحقيقة عبارة عن وصاية للفقيه على الشعب الإيراني لكن عندنا أهل السنة والجماعة فالشعب هو الذي يحكم نفسه وفقا لمبادئ الالشريعة الاسلامية الإسلامية التي أمن بها.
قد يقول قائل ومن سيدخل البرلمان ويشرع هذا القانون... هل سيدخل الفقهاء ورجال الدين أم من ينتخبهم الشعب بكل ديمقراطية وشفافية ؟
فنحن نقول أن البرلمان يجب أن تكون فيه شروط للترشح لهذا المنصب كما هي موجودة في معظم الدول الديمقراطية في العالم ولا يلزم أن يكون فقيها أو عالم دين إسلامي ... وإنما هو إنسان مثقف منتخب يساهم في عملية التشريع واستصدار القوانين وهذه القوانين يجب أن تكون غير مخالفة للدستور وسيكون للبرلمان هيئات استشارية كما يوجد في الدول الديمقراطية وستكون هناك محكمة دستورية ترى مدى مواءمة هذه القوانين مع للدستور .
ونحن نقول أن ما يتماشى ولا يخالف الدستور ليس ما يخالف الفقه الإسلامي فنحن نقصد الثوابت التي جاءت بها الالشريعة الاسلامية الإسلامية أما المتغيرات فهي خاضعة للاجتهاد المهم أن تسير وفقا للمبادئ الإسلامية .
وربما يقول قائل لماذا نضع سلطة تشريعية في الدولة الإسلامية لأن المشرع في الإسلام هو الله عز وجل فالعلماء يجتهدون ويستنبطون الأحكام الفقهية من الالشريعة الاسلامية الإسلامية وعلى ولي الأمر الالتزام بها وتطبيقها وله أهل الحل والعقد يشاورهم ؟
نقول كما قلنا من قبل في ثنايا هذا الكتاب كامل أن الإسلام لما يضع نظام للحكم يجب أن نلتزم به وإنما أوجب علينا الالتزام بالمبادئ الإسلامية والأحكام الشرعية الثابتة...وعلى كل عصر أن يختار النظام الذي يساعده في تطبيق وتحقيق هذه المبادئ ... ونحن نرى أن هذا النظام الديمقراطي سيساعدنا في الالتزام بهذه المبادئ والأحكام إذا ما عرفنا كيف نضع دستور إسلامي عصري... أما قضية التشريع فلابدّ للدولة من قانون تسير به وفي كلّ مرة نأتي بقانون جديد وفق الحالة التي نعيشها فالقانون يمشي مع تطور المجتمع فلا يمكن أن نقول أن هذا هو القانون ويجب أن نلتزم به في كل زمان ومكان ... لأن الإسلام لم يقل بذلك و إنما كما قلنا أن الإسلام قد وضع خطوط عريضة وأحكام ثابتة قليلة وترك باب الاجتهاد لكل عصر أن يجتهد وفق زمانه ومكانه ,المهم أن يلتزم بهذه الثوابت.




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©