الإسلام الحقيقي غريب جدا وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس

ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله
من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا
عبده و رسوله صل الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم
بإحسان الى يوم الديـــن ، أما بعد ...
الإسلام الحقيقي غريب جدا وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس
-------------------------
قال ابن القيم رحمه الله

(( فالإسلام الحقيقي غريب جدا وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس .
وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جدا غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ، ذات أتباع
ورئاسات ، ومناصب وولايات ، ولا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول ؟
فإن نفس ما جاء به : يضاد أهواءهم ولذاتهم ، وما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم ، وعملهم والشهوات التي هي غايات مقاصدهم وإراداتهم ؟
فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريبا بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم ، وأطاعوا شحهم ، وأعجب كل منهم برأيه ؟ كما قال : النبي صلى الله عليه وسلم : (( مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمرا لا يد لك به فعليك بخاصة نفسك وإياك وعوامهم فإن وراءكم أياما صبر الصابر فيهن كالقابض على الجمر )) .
ولهذا جعل للمسلم الصادق في هذا الوقت إذا تمسك بدينه أجر خمسين من الصحابة ؛ ففي سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) ( المائدة : 105) فقال : (( بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام فإن من وراءكم أيام الصبر الصبر فيهن مثل قبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله )) قلت : يا رسول الله أجر خمسين منهم قال : (( أجر خمسين منكم )) .
وهذا الأجر العظيم إنما هو لغربته بين الناس ، والتمسك بالسنة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم .
فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه ، وفقها في سنة رسوله ، وفهما في كتاب كامله ، وأراه ما الناس فيه : من الأهواء والبدع والضلالات ، وتنكبهم عن الصراط المستقيم ، الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط ؛ فليوطن نفسه على قدح الجهال ، وأهل البدع فيه ، وطعنهم عليه ، وإزرائهم به ، وتنفير الناس عنه ، وتحذيرهم منه ، كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه صلى الله عليه وسلم .
فأما إن دعاهم إلى ذلك ، وقدح فيما هم عليه ؛ فهنالك تقوم قيامتهم ، ويبغون له الغوائل ، وينصبون له الحبائل ، ويجلبون عليه بخيل كبيرهم ورجله .
فهو :
غريب في دينه ؛ لفساد أديانهم .
غريب في تمسكه بالسنة ؛ لتمسكهم بالبدع .
غريب في اعتقاده ؛ لفساد عقائدهم .
غريب في صلاته ؛ لسوء صلاتهم .
غريب في طريقه ؛ لضلال وفساد طرقهم .
غريب في نسبته ؛ لمخالفة نسبهم .
غريب في معاشرته لهم ؛ لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم .
وبالجملة ؛ فهو غريب في أمور دنياه وآخرته ، لا يجد من العامة مساعدا ولا معيناً ، فهو :
عالم بين جهال .
صاحب سنة بين أهل بدع .
داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع .
آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف ))

أهـ . مدارج السالكين ( 3 / 185 )
منقول للافادة.







©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©