البدعة ضوابطها وأثرها السيء في الأمة
تأليف:
الشيخ / علي بن محمد ناصر ألفقيهي
الناشر:

الجامعة الإسلامية
ص -7- مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظ} 3.
أما بعد:
فقد أمر الله عباده بالاجتماع، ونهاهم عن التفرق والاختلاف، فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 4.
وللمحافظة على هذه الوحدة والاعتصام بحبل الله وعدم التفرق، فقد أمر الله عز وجل عباده باتباع ما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} 5.
كما نهى عن اتباع ما وُجد عليه الآباء، ومثلهم الشيوخ وأهل البدع والأهواء في الأمور المخالفة لما جاء في كتاب كامل الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ
-----------------------ـ
1 سورة آل عمران، الآية: 102.
2 سورة النساء، الآية: 1.
3 سورة الأحزاب، الآيتان: 70 ـ71.
4 سورة آل عمران، الآية: 103.
5 سورة الأعراف، الآيات: 1 ـ 3.
ص -8- لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} 1، وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} 2.
وكما جاء في كتاب كامل الله العزيز الأمر باتباع ما أنزله الله في كتاب كامله، والنهي عن اتباع ما وجد عليه الآباء ودعاة الهوى والشيطان كما في الآية السابقة: {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة الصريحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحثُ الأمة على التمسك بالكتاب كامل والسنة، وأن فيهما النجاة والعصمة، كما قال عليه الصلاة والسلام: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب كامل الله وسنتي" 3، فقد ضمن صلى الله عليه وسلم للمتمسك بكتاب كامل الله وسنته الهداية والنجاة، وعدم الضلال المؤدي للهلاك في الدنيا والشقاء في الآخرة، وفي مقابل ذلك نهى عن الابتداع في دين الله، وحذر من البدعة، وبيّن لأمته أن كل بدعة في دين الله ضلالة، فقال صلى الله عليه وسلمكما في حديث العرباض بن سارية الذي رواه أبو داود4 والترمذي 5 وقال: حديث حسن صحيح قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسّمع والطاعة، وإن تأمّر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة".
-----------------------ـ
1 سورة البقرة، الاية: 170.
2 سورة لقمان، الآية: 21.
3 الموطأ، القدر ص 560 ح3.
4 أبو داود في السنة / باب في لزوم السنة ح 4443.
5 الترمذي في العلم/ باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة 7/438 ح2815.
ابن ماجه/ المقدمة / باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين رقم 42.
أحمد / في المسند 4/126 ، 127.
ص -9- فهذا الحديث يبين لنا جانبًا عظيما من جوانب الحفاظ على كيان الأمة، والحرص على سلامتها من التفرق المؤدي للفتنة، وذلك بحثها على لزوم الجماعة والتمسك بالسنة، والابتعاد عن كل المحدثات في الاعتقاد، والأفعال، والأقوال، والمناهج، التي تجر الأمة إلى الشقاق والنزاع المؤدي إلى الاختلاف والفرقة؛ لأن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم لم يفارق هذه الدنيا حتى بلغ أمته ما أوحاهُ الله إليه من شرائع دينه، فبين للأمة كل ما فيه صلاح دينها ودنياها، تركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك ولأن الله عز وجل أكمل لنبيه الدين، وأتم عليه النعمة، ورضي للبشرية كلها الإسلام دينا، فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 1، وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 2.
فالدين كمل بنص هذه الآية الكريمة، والرسول صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين. كما قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لمسروق كما في صحيح مسلم ، قالت: (ومن زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من مما أنزله الله عليه فقد أعظم على الله الفرية) 3، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} 4.
فكون الدين كمل، والرسول صلى الله عليه وسلم بلغ، كما سبق الحديث بذلك، وكما جاءفي حجة الوداع، حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم للناس وهو يبلغهم شرائع الإسلام وأحكامه، ويبين لهم الحلال والحرام، وحرمة الدماء والأعراض، وكل ما أمر الله به ونهى عنه، ويقول لهم: "ألا هل بلغت، فيقولون: نعم. فيرفع يده إلى السماء وينكتها عليهم ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد"، فإذا جاءنا بعد ذلك شخص من الناس، فأحدث لنا شيئا في دين الله لم يكن
-----------------------ـ
1 سورة المائدة، الآية: 3.
2 سورة آل عمران، الآية: 85.
3 البخاري، التوحيد، فتح الباري 13/503 ح 7531.
ومسلم، الإيمان 10/159 ح 287.
4 سورة المائدة، الآية: 67.
ص -10- موجودًا في كتاب كامل الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا في سنة الخلفاء الراشدين، سواء كان هذا الأمر المحدث اعتقادًا، أوعملاً، أوقولاً، أو منهجا، يخالف منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، فكأنه يقول: إن الدين ناقص لم يكمل، وهذا يرده قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، أو أنه كامل ولكن بقي شيءٌ لم يبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا يرده حديث عائشة رضي الله عنها الذي سبق ذكره، وكذلك إبلاغه صلى الله عليه وسلم للأمة جميعا في حجة الوداع، وقال: فليبلغ الشاهد الغائب فربّ مبلغٍ أوعى من سامع، فهذا محصول حال المبتدع، أومقاله، فكأنه يقول: إن الالشريعة الاسلامية لم تتم، وأنه بقى شيء يجب أو يستحب استدراكه؛ لأنه لو كان معتقدًا لكمال الالشريعة الاسلامية وتمامها من كل وجه لم يبتدع، ولا استدرك عليها، وقائل هذا معتقده ضال عن الصراط المستقيم.
قال ابن الماجشون: (سمعت مالكا يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا1.
ويقول الإمام الشاطبي في كتاب كامله القيم (الاعتصام):
(إن المبتدع معاند للشرع ومشاق له؛ لأن الشارع، قد عيّن لمطَالب العبد طُرقا خاصة، على وجوه خاصة، وقصرَ الخلق عليها، بالأمر والنهي، والوعد، والوعيد، وأخبر أن الخير فيها، والشر في تعديها؛ لأن الله يعلم ونحن لا نعلم وأنه إنما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين. فالمبتدع رادٌّ لهذا كله، فإنه يزعم أن ثَمَّ طرقا أٌخَر، ليس ماحصره الشارع بمحصور، ولا ماعينه بمتعين، كأنّ الشارع يعلم، ونحن أيضا نعلم، بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع، أنه علم مالم يعلمه الشارع، قال:
-----------------------ـ
1 الاعتصام، للشاطبي 1/49.
ص -11- وهذا العمل من المبتدع، إن كان مقصودًا، فهو كفر، وإن كان غير مقصود فهو ضلال.
2 ثم إن المبتدع بعمله هذا قد نزّل نفسه منزلة المضاهي للشارع؛ لأن الشارع وضع الشرائع وألزم الخلق الجري عل سننها، وصار هو المنفرد بذلك؛ لأنه حكم بين الخلق فيما كانوا فيه يختلفون، فالشرع ليس من مدركات العقول، حتى يضع كل إنسان تشريعا من عند نفسه، ولو كان الأمر كذلك لما احتيج إلى بعثة الرسل إلى البشريه، فكأن هذا المبتدع في دين الله قد صيّر نفسه نظيرًا ومضاهيا للشارع، حيث عمل تشريعا مثله، وفتح باب الاختلاف والفرقة.
3 ثم إن هذا العمل من المبتدع أيضا ، اتباع للهوى، والشهوات والله يقول: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}، فمن لم يتبع هدى الله في هوى نفسه، فلا أحد أضلُّ منه).
إن هذا المبتدع في دين الله عز وجل ، الذي جعل نفسه مضاهيا للشارع، قد جاء ذمُّهُ في كتاب كامل الله عز وجل لأنه من زاغ أزاغ الله قلبه، إذ الجزاء من جنس العمل فالله يقول: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، وذلك باتباعهم المتشابه من القرآن، وترك محكمه، وابتغائهم تأويله، أي تحريفه، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} 1، فقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمّى الله فاحذروهم" وفي رواية قال: "فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه، فهم الذين عَنَى الله فاحذروهم"، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}، قال ابن كثير: (أي: فرقا كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات، فإن الله قد برأ
-----------------------ـ
1 سورة آل عمران، الآية: 7.
ص -12- رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه) 1.
وقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فصراط الله المستقيم، هو سبيل الله الذي دعا إليه، وهو السنة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام، وهو القرآن، أما السُبل المتفرقة فهي سُبُل أهل الاختلاف، الحائدين عن الصراط المستقيم، وهم أهل الأهواء والبدع في الدين، وليسوا هم أهل المعاصي من حيث هي معاصي، فإن صاحب المعصية لم يضعها طريقا تسلك دائما على مضاهات التشريع كما يفعل المبتدع في الدين. وقد دل على أن المقصود به المبتدع في الدين حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي أخرجه الإمام أحمد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه، قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده، ثم قال: "هذا سبيل الله مستقيما"، ثم خطَّ خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله، ثم قال: "وهذه السُّبل ليس منه سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه"، ثم قرأ هذه الآية {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، قال بكر بن العلاء: (أحسبه أراد شيطانا من الإنس وهي البدع)، وقال مجاهد: ({وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} قال: البدع والشبهات).
وكما جاء ذمّ المبتدع وبيان زيغ قلبه في كتاب كامل الله عز وجل ، فكذلك ورد ذمّه في أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيها ذم المبتدعة وبيان ضلالهم وآثامهم، ورد أعمالهم، ففي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رَدٌّ"، وفي رواية مسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ"، أي: مردود عليه 2.
-----------------------ـ
1 ابن كثير، التفسير 3/372.
2 البخاري، البيوع، فتح الباري 4/355 باب 60.
البخاري، الصلح، فتح الباري 5/301 ح 2697.
البخاري، الاعتصام، باب 20 فتح الباري 13/317.
مسلم الأقضية، 3/1343 ح 17 ، 18.
ص -13- وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" 1.
ومثله حديث حذيفة الذى سنذكره فيما بعد.
-----------------------ـ
1 مسلم، العلم، 4/2060 ح 16.
تمهيد
الحمد لله القائل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}.
والصلاة والسلام على خير خلقه وأفضل رسله، البشير النذير والسراج المنير، القائل: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب كامل الله وسنتي".
أما بعد:
فقد طلب مني قسم النشاط الثقافي بعمادة شؤون الطلاب بالجامعة الإسلامية، المشاركة بمحاضرة في موسمها الثقافي لعام 1412 ه بعنوان: (البدعة ضوابطها وأثرها السيء في الأمة).
وقد ألقيت هذه المحاضرة بقاعة المحاضرات الكبرى، مساء الأربعاء الموافق 26 شوال 1412 هـ.
وقد اقترح بعض الإخوة المشرفين على النشاط، وغيرهم، طبع هذه المحاضرة لتعم بها الفائدة، فلبيت طلبهم، وها أنا أقدمها للشباب طلاب العلم الحريصين على التمسك بالكتاب كامل والسنة، السالكين مسلك السلف الصالح، المتقيدين بمنهجهم في فهم النصوص الشرعية وتفسيرها.
وقد قسمت المحاضرة إلى قسمين تضمنت أمورًا مهمة، قديمة ومعاصرةً، يجد القارئ تفصيلاتها في هذه الورقات التي تقرأ في جلسة واحدة.
والله من وراء القصد.
المبحث الأول: تعريف البدعة
البدعة ضابطها وفيمَ تكون ؟
وبعد أن عرفنا النهى عن البدع، والتحذير منها.
فما البدعة ؟ وما ضابطها، أو حدها الذى تعرف به ؟ وفيمَ تكون ؟.
1 تعريف البدعة:
البدعة لغة: الاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، أى: مخترعهما من غير مثال سابق، ويقال: ابتدع فلان بدعة، يعني: ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق، وهذا أمر بديع، يقال، في الشيء المستحسن الذي لا مثال له في الحسن.
ومن هذا المعنى سميت البدعة بدعة، فاستخراجها للسلوك عليها هو الابتداع، وهيئتها هي البدعة، وقد يسمى العمل المعمول على ذلك الوجه بدعة.
فمن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة.
فالبدعة في الشرع: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه.
وهذا التعريف يشمل كل ما أحدث في الدين مما لا أصل له في الالشريعة الاسلامية يدل عليه.
فأما ما له أصل في الشرع يدل عليه، فليس ببدعة شرعا، وإن سمي بدعة لغة،





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©