(9) في بيان أقسام الذنوب[1]



- أقسام الذنوب باعتبار صفات الانسان:

أعلم ‏:‏ أن للإنسان أخلاقاً وأوصافاً كثيرة، لكن تنحصر مثارات الذنوب فى أربع صفات‏:‏
أحدها ‏:‏ صفات ربوبية، ومنها يحدث الكبر والفخر، وحب المدح والثناء، والعز وطلب الاستعلاء ونحو ذلك ، وهذه ذنوب مهلكات، وبعض الناس يغفل عنها، فلا يعدها ذنوباً‏.‏

الثانية‏:‏ صفات شيطانية، ومنها يتشعب الحسد، والبغي والحيل والخداع والمكر ، والغش والنفاق والأمر بالفساد ونحو ذلك‏.‏

الثالثة ‏:‏ الصفات البهيمية، ومنها يتشعب الشر والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، فيتشعب من ذلك الزنى واللواطة والسرقة، وأخذ الحطام لأجل الشهوات‏.‏

الرابعة‏:‏ الصفات السبعية، ومنها يتشعب الغضب والحقد، والتهجم على الناس بالقتل والضرب، وأخذ الأموال، وهذه الصفات لها تدرج فى الفطرة‏.‏

فالصفة البهيمية هي التي تغلب أولاً، ثم تتلوها الصفة السبعية ثانياً، فإذا اجتمعت هاتان، استعملتا العقل فى الصفات الشيطانية، من المكر والخداع والحيل، ثم تغلب الصفات الربوبية‏.‏ فهذه أمهات الذنوب ومنابعها، ثم تتفجر الذنوب من هذه المنابع إلى الجوارح، فبعضها فى القلب، كالفكر، والبدعة، والنفاق، وإضمار السوء، وبعضها فى العين، وبعضها فى السمع، وبعضها فى اللسان ، وبعضها فى البطن والفرج، وبعضها فى اليدين والرجلين، وبعضها على جميع البدن، ولا حاجة إلى تفاصيل ذلك فإنه واضح‏.‏

- أقسام الذنوب باعتبار حق الله و حق الآدمي:

ثم الذنوب تنقسم إلى ما يتعلق بحقوق الآدميين، وإلى ما بين العبد وبين ربه‏.‏
فما يتعلق بحقوق العباد، فالأمر فيه أغلظ، والذي بين العبد وبين ربه، فالعفو فيه أرجى وأقرب، إلا أن يكون شركاً والعياذ بالله، فذلك الذي لا يغفر‏.‏

- أقسام الذنوب الى صغائر و كبائر:

اعلم‏:‏ أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر، وقد كثر الاختلاف فيها ، واختلفت الأحاديث فى عدد الكبائر‏.‏والأحاديث الصحاح فى ذكرها خمسة‏.‏

الأول ‏:‏ حديث أبى هريرة رضى الله عنه ، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال ‏:‏ اجتنبوا السبع الموبقات‏.‏ قالوا يا رسول الله ‏:‏ وما هن ‏؟‏ قال ‏:‏ الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات‏"‏‏[2].‏

الثاني‏:‏ حديث ابن مسعود رضى الله عنه، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم ، سئل أي الذنب أكبر‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال ‏:‏ ثم أي ‏؟‏ قال‏:‏ أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قال ‏:‏ ثم أي ‏؟‏ قال ‏:‏ أن تزاني حليلة جارك ‏"‏‏[3].‏

الثالث‏:‏ حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ، أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ الكبائر ‏:‏ الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين‏"‏‏.‏

الرابع‏:‏ ‏"‏ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ‏:‏ قول الزور - أو قال - شهادة الزور ‏"‏‏.‏

الخامس‏:‏ حديث أبى بكرة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم ذكرت عنده الكبائر قال‏:‏ ‏"‏ الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وكان متكئاً فجلس، فقال‏:‏ ألا وقول الزور، وشهادة الزور ‏"‏ فما زال يكررها حتى قلنا ‏:‏ ليته سكت‏[4].‏

وقت اختلفت العلماء فيها على أقوال كثيرة، والأحاديث فى الكبائر لا تدل على حصرها فيها، ولعل الشارع قصد الإبهام ليكون الناس على وجل من الذنوب، لكن يعرف من الأحاديث أجناس الكبائر، ويعرف أيضاً الكبائر‏.‏فأما أصغر الصغائر، فلا سبيل إلى معرفته، وقد تكلم العلماء فى عدد الكبائر، فروى عن ابن مسعود رضى الله عنه ‏:‏وهي أربع ‏:‏،وروى عن ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال ‏:‏ هي سبع‏.‏،وكان ابن عباس رضى الله عنهما إذا بلغه قول عمر‏:‏ إنها سبع، قال ‏:‏ هي إلى سبعين أقرب منها إلى سبع‏.‏ ،وقال أبو صالح عن ابن عباس ‏:‏ هي ما أوجب الحد فى الدنيا‏.‏ ،وعن ابن مسعود أن الكبائر من فاتحة النساء إلى قولة ‏:‏ ‏{‏ إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه‏}‏ ‏[‏النساء ‏:‏ 31‏]‏‏.‏وقال سعيد بن جبير وغيره‏:‏ هي كل ذنب أوعد الله عليه النار‏.‏

وقال أبو طالب المكي‏:‏ الكبائر سبع عشرة جمعتها من جملة الأخبار‏.

أربعة فى القلب ‏:‏ الشرك، والإصرار على المعصية، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله تعالى‏.‏
وأربعة في اللسان ‏:‏ شهادة الزور، وقذف المحصنات، واليمين الغموس، والسحر‏.‏
وثلاثة فى البطن‏:‏ شرب الخمر، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الربا‏.
واثنتان فى الفرج‏:‏ الزنا واللواطة‏.‏
وواحدة فى الرجلين ‏:‏ الفرار من الزحف‏.‏
واحدة فى جميع البدن: وهى عقوق الوالدين‏.‏

وهذا يمكن أن يزاد عليه ، وينقص منه، فإن ضرب اليتيم وتعذيبه أكبر من أكل ماله، والله أعلم‏.‏


--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

[1]ابن قدامة المقدسي، مختصر منهاج القاصدين، تحقيق خالد بن محمد بن عثمان، مكتبة الصفا، القاهرة، مصر، 1423 هـ - 2002 م .
[2]البخاري : الوصايا (2767) , ومسلم : الإيمان (89) , والنسائي : الوصايا (3671) , وأبو داود : الوصايا (2874).
[3]أخرجه أحمد (1/434 ، رقم 4131) ، والبخاري (4/1626 ، رقم 4207) ، ومسلم (1/90 ، رقم 86) ، وأبو داود (2/294 ، رقم 2310) ، والترمذي (5/336 ، رقم 3182) ، والنسائي (7/89 ، رقم 4013).
[4]صحيح، صحيح البخاري: كتاب كامل الشهادات – باب ما قيل في شهادة الزور، حديث (2654)، صحيح مسلم: كتاب كامل الإيمان – باب بيان الكبائر وأكبرها، حديث (87).

اقتباسات بتصرف طفيف
ابن القيم
07/08/2014





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©