كثيرا ما نصحو على نغمات صوته النّدي الممتزج بأنفاس الفجر، ونسمات الصباح وهمسات الطيور ومناجاتها، وألحان المخلوقات، وتسبيح الكائنات " سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "الصف1، وتقديس العلي المتعال، وتنزيه الخالق البارئ " فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ "الروم 17، ذلك الرجل الذي يعرفه أهل السماء كما يعرفه أهل الأرض المؤمنين.. الرجل الذي ركب الأهوال واقتحم الصّعاب، وتحدّى المخاطر، وجازف بحياته في اختراق العتمة وعبور الظلمة « بَشِّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ».. فها هو يسابق الفجر ليَصِل إلى المسجد وليرفع صوت الحق، وليعلن نداء البرّ والخير، مخترقا أفانين الظلام، وبحور الدُجى، فلا يأبه لصوت الرّعد في الشتاء، ولا إلى الوحل عند المطر، ولا إلى السير المضني فيه، ولا تروعه الكلاب السائبة، ولا يخيفه نباحها، ولا يعير لها أيّ اهتمام، متحديّا وحشة الطريق بين البيت والمسجد.. بين بيته وبيت الله " إن بيوتي في الأرض المساجد "، جدّ السير، وحثّ الخطى، ولسان حاله يردّد:" وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى "طه 84، ليرقى بذلك قمّة العزّ، بعبوديته وطاعته للقوي العزيز.. معلنا عن بزوغ فجر جديد ومبشّرا بصبح وليد.. تنفّس أوّل نسمات الحياة.. بين حنايا ليل منصرم، وفي أحشاء ظلام دامس مودع.. وقف مستقبلا سرايا الضياء، ومواكب النّور، وإشعاع الفجر الآتي من مشرق الحياة.. يزفّ بُشرى ولادة نهار مشرق في عمر الزّمن.. حاملا مشاعل النّور ليسعد بها البشر ويفرح بها السائرون في دروب الخير والمحبّة.. الماضون في سبيل البشر والسّعادة.. ورافعوا راية الرّشد والهداية، وألوية السّكينة والاطمئنان، وبيارق الأمن والأمان، مهتدين بهدي هادي البشرية ومرشدها، وقائده إلى شاطئ النّجاة، ومواطن الأمان.. الآخذ بيدها إلى واحة الهناء وروضة الإحسان، إنّه سيّد الأوّلين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، الذي أرسله الله رحمة للعالمين إنّه الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، القائل في المؤذّن: "المؤذن يغفر له مدّ صوته وأجره مثل أجر من صلى معه "، ليرسل ذلك الصوت الدافئ المليء بالحنان والرّحمة، عبر أجواء الألفة والصّفاء منسابا إلى أعماق الوجود، يغشى الخليقة بارتياح وابتهاج، محمّلا بالتحف الربانية، والهدايا الرحمانية، والموائد الرضوانية، والأطباق الإيمانية، ناسجا حلّة من النور ليلبسها الكون في بهجة وسرور، وليضفي عليها هالة من السعادة والحبور، فعلى الصّالحين من الشيوخ والشباب السعي إلى هذا الميدان: ميدان الآذان" وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ "المطففين26 .





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©