الحمد لله الرب الغفور ، العفو الرؤوف الشكور ، الذي وفق من شاء من عباده لتحصيل المكاسب والأجور ، وجعل شغلهم بتحقيق الإيمان والعمل الصالح ، يرجون تجارة لن تبور ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الذي بيده تصاريف الأمور ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أفضل آمر وأجل مأمور ، اللهم صل وسلم وبارك على محمد ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور .




أما بعد : أيها الناس ، اتقوا الله تعالى ، وذلك بالقيام بحقوق الإيمان والأعـمال الصالحة ، فرض رائعها ونفلها ، قال تعالى :((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمبِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) [النحل: 97]. . فوعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار ، وبالأجر العظيم والثواب الجزيل في دار القرار ، أما الإيمان فهو الإقرار والاعتراف بأصوله المبني على العلم واليقـين والإذعان المقتضي للعمل الصالح وهو القيام بحقوق الله ، أو حقوق الوالدين والأقارب ، والأصحاب وذوي الحقوق والجيران ، فكل واجب أو مستحب فهو داخل في العمل الصالح ، ويدخل في ذلك ترك الفسوق وجميع القبائـح ، فمن قام بذلك فليبشر بالحياة الطيبة ، فهو المفلح الناجح ، لا تحسبن الحياة الطيبة مجرد التمتع بالشهوات ، ولا الإكثار من عرض الدنيا وتشييد المنازل المزخرفات ، إنما الحياة الطيبة راحة القلوب وطمأنينتها ، والقناعة التامة برزق الله ، وسرورهـا بذكـر الله وبهجتها ، وانصباغها بمكارم الأخـلاق ، وانشراح الصـدور وسعتها ، لا حياة طيبة لغير الطائعين ، ولا لذة حقيقة لغير الذاكرين ، ولا راحة ولا طمأنينة قلب لغير المكتفين برزق الله القانعين ، ولا نعيما صحيحا لغير أهل الخلق الجميل والمحسنين ، لقد قال أمثال هؤلاء الأخيار : لو علم الملوك ، وأبناء الملوك ما نحن فيه من لذة الأنس بالله لجالدونا بالسيوف عليه ، ولو ذاق أرباب الدنيا ما ذقناه من حلاوة الطاعة ، لغبطونا وزاحمونا عليه ، ما ظنك بمن يمسي ويصبح ليس له هم سوى طاعة مولاه ، ولا يخشى ولا يرجو ولا يتعلق بأحد سواه ، إن أعطي شكر ، وإن منع صبر ، وإذا أذنب استغفر وتاب مما جناه ، هذا والله النعيم الذي من فاته فهو المغبون ، وهذه الحياة الطيبة التي لمثلها يعمل العاملون ، أي نعيم لمن قلبه يغلي بالخطايا والشهوات ، وأي سرور لمن يتلهب فؤاده بحب الدنيا وهو ملآن من الحسرات ، وأي راحة لمن فاته عيش القانعين ، وأي حياة لمن تعلق قلبه بالمخلوقين ، وأي عاقبة وفلاح لمن انقطع عن رب العالمين ، ومع ذلك لا يرجو العقبى ، وثواب العاملين بالله ، لقد فاز الموفقون بعز الدنيا والآخرة ، ورجع أهل الدناءة بالصفقة الخاسرة .

الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات
تأليف علامة القصيم
المحقق الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله



لتحميل الكتاب كامل [ هنا ]






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©