بسم الله والصلاة والسلام على اشرف المرسلين وبعد
قال ابن الجوزي رحمه الله: (ومن صفات علماء الآخرة أن يكونوا منقبضين على السلاطين، محترزين عن مخالطتهم. قال حذيفة رضي الله عنه: إياكم ومواقف الفتن، قيل: وما هي؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه.


وقال سعيد بن المسيب: إذا رأيتم العالم يغشى الأمراء فاحذروا منه فإنه لص.


وقال بعض السلف: إنك لن تصيب من دنيا
هم شيئاً إلا أصابوا من دينك أفضل منه)





ولله در الجرجاني عندما شخص هذه العلة العليلة:


ولو أن أهل العلـم صانوه صانهـم ولو أنهم عظموه في النفوس لعظمـا
ولكــن أهـانــوه ودنـســوا محيــاه بالأطماع حـتى تجهمـا



فالدخول على الحكام، والتزلف إليهم، وتولي المناصب الدستورية هو الذي أهان العلم والعلماء وقسى قلوبهم حتى صارت أقسى من الصخرة الصماء.
ورحم الله سليمان بن مهران الأعمش القائل:
شر الأمراء أبعدهم من العلماء، وشر العلماء أقربهم من الأمراء
رسالة الي قاضي .............من قاضي هارون الرشيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله
ذكر أن الإمام أحمد أتت عليه ثلاثة أيام ما طعم فيها شيئاً، فبعث إلى صديق له يلتمس منه دقيقاً، فجهّزوه للإمام أحمد بسرعة وعملوا له عشاءً كي يأكل سريعاً، فقال: كيف ذلك؟ فقالوا: تنور صالح مسجر، فقال: ارفعوا. ولم يأكل؛ وذلك لأن ابنه صالح كان يقبل هدايا وأعطيات الخليفة، ثم قام فأمر بشد باب بينه وبين صالح لكونه كان يأخذ جائزة المتوكل.

كان سلفنا الصالح يفر من العمل عند السلاطين فرار السليم من المرض وكانوا ينصحون بعدم العمل عندهم وهذا كله في زمن الخلافة والحكم الاسلامي واقامة الالشريعة الاسلامية والعدل وقد ثبت في روايات كثيرة هذا الامر منها ماقاله شيخ السلف الامام سعيد بن المسيب رحمه الله اذا قال (اذا رايتم العالم يرتاد مجلس السلطان فاعلموا انه لص) فكيف يرحمكم الله لو بعث ابن المسيب زمننا هذا ورأي شرع الله معطل والظلم والقهر وضياع الارض والعرض وتسلط الكفار علينا واحتلال اراضينا ؟؟؟
ان الحديث عن علماء السوء قد يجلب حربا من طرف المقلدة وممن عطل عقله وارخي زمامه لغيره ولكن لا يسعنا الا قول الحق وان ارغمت انوف فعلماء السوء وان كانت اقوالهم تدعونا للجنة فافعالهم ترسلنا للنار

ورحم الله ابن القيم اذا يقول
(( علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قال أقوالهم للناس هلموا، قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم، فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلاء، وفي الحقيقة قطاع الطرق )) . الفوائد

بين قاضي السعودية وقاضي هارون الرشيد
يروي أن ابن علية المجمع على تقدمه وجلالته كان من أجل أصحاب ابن المبارك، وكان ينفعه، لما تولى لهارون الرشيد القضاء هجره ابن المبارك، وقطع نفقته، فأتي إليه ابن علية معتذراً، فلم يعبأ به، ولم يرفع إليه رأسه بعدما كان يبالغ في تعظيمه لأجل شؤم القضاء وشؤم عاقبته، ثم كتب إليه ابن المبارك :

يا جاعل العلم له بازيا **يصطاد به أموال السلاطين
احتلت للدنيا ولذاتها** بحلية تذهب بالدين
فصرت مجنوناً بعدما** كنت دواء للمجانين
أين رواياتك في سردها** لترك أبواب السلاطين
أين رواياتك فيما مضى **عن ابن عوف وابن سيرين
إن قلت أكرهت فذا باطل** زل حمار العلم في الطين

فلما وقف ابن علية على هذه الأبيات أثرت فيه، واشتد ندمه أن تولى القضاء، ثم ذهب إلى الرشيد، وبالغ في طلب الاستعفاء منه حتى أعفاه، وأنقذه الله من بلائه وعافاه، فحينئذ عاد ابن المبارك إلى تعظيمه، وأجرى عليه النفقة ...
وخير ما نختم به قول الامام سفيان الثوري رحمه الله
ويقول سفيان الثوري في كتاب كامل إلى عباد بن عباد : ( إياك والأمراء أن تدنو منهم أو تخالطهم في شئ من الأشياء، وإياك أن تُخدع ويُقال لك لتشفع وتدرء عن مظلوم أو ترد مظلمة فإن ذلك خديعة إبليس، وإنما اتخذها فجار القراء سُلَّماً ) . جامع بيان العلم (1/179) وسير أعلام النبلاء (13/586) .
ويقول أيضاً : ( من دق لهم داوة أو برى لهم قلماً فهو شريكهم في كل دم كان في المشرق والمغرب )./
رحمك الله ياسفيان الثوري من دق لهم دواة او بري لهم قلم فهو شريكهم في كل قطرة دم فكيف بمن افتي لهم بجلب الكفار ومناصرتهم وفتح الاراض لهم وتقديم المال لهم وهم يقتلون المسلمين
كيف لمن افتي لهم بمنع نصرة المسلمين في غزة
كيف وكيف ...وعند الله تجتمع

قال الإمام ابن عبدالبر -رحمه الله-: (( فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه، لأنّ في منازعته والخروج عليه: استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي الدهماء، وتبييت الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض، وهذا أعظم من الصبر على جور الجائر )) الاستذكار (14/41)

وقال العلامة المعلمي -رحمه الله-: (( ومن كان يكرهه (أي: الخروج على الولاة) يرى أنّه شق لعصا المسلمين، وتفريق لكلمتهم، وتشتيت لجماعتهم، وتمزيق لوحدتهم، وشغل لهم بقتل بعضهم بعضاً، فتهن قوّتهم وتقوى شوكة عدوّهم، وتتعطّل ثغورهم، فيستولي عليها الكفار، ويقتلون من فيها من المسلمين، ويذلّونهم، وقد يستحكم التنازع بين المسلمين فتكون نتيجة الفشل المخزي لهم جميعاً، وقد جرّب المسلمون الخروج فلم يروا منه إلا الشرّ... )) الموافقات (5/150-151)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:

ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته
(المنهاج 3\391)


و قال -رحمه الله- :
فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف , أو في وقت هو فيه مستضعف ؛ فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب كامل والمشركين . وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين , وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب كامل حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
( الصارم 2/413 )

قال الشيخ بن العثيمين -رحمه الله-:
والشرط الخامس : يؤخذ من الأصول العامة من الدين الإسلامي وهو قدرة هؤلاء المعارضين على إسقاط السلطة لأنه إذا لم يكن لديهم قدرة انقلب الأمر عليهم لا لهم فصار الضرر أكبر بكثير من الضرر المترتب على السكوت على هذه الولاية حتى تقوى الجبهة الأخرى المطالبة لدين الإسلام .
((فقه السياسة الشرعية))

قال الشيخ ابن باز - رحمه الله - حول مسألة الخروج على الحاكم الكافر ( فتاواه 8/203 ) :
« . . . إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان : فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته ؛ إذا كان عندهم قدرة ، أما إذا لم يكن عندهم قدرة : فلا يخرجوا . أو كان الخروج يُسبّب شراً أكثر : فليس لهم الخروج ؛ رعايةً للمصالح العامة . والقاعدةُ الشرعية المُجمع عليها أنه : ( لا يجوز إزالة الشرّ بما هو أشرّ منه ) ؛ بل يجب درء الشرّ بما يزيله أو يُخفّفه . أما درء الشرّ بشرٍّ أكثر : فلا يجوز بإجماع المسلمين . فإذا كانت هذه الطائفة - التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً - عندها :
قدرة تزيله بها ،
وتضع إماماً صالحاً طيباً ،
من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشرّ أعظم من شرّ هذا السلطان : فلا بأس .

أما إذا كان الخروج يترتب عليه :
فساد كبير ،
واختلال الأمن ،
وظلم الناس ،
واغتيال من لا يستحقّ الاغتيال ،
إلى غير هذا من الفساد العظيم : فهذا لا يجوز


قال الشيخ ناصر الفهد -فكّ الله أسره- :
تاسعاً : أمّا المواجهة مع الدولة فقد كنت أنصح الشباب بالابتعاد عنها لعدم تكافؤ القوى ولأن الدولة ستستغل هذه الأحداث في تصفية الشباب واحداً بعد الآخر وستقوم بملء السجون منهم ومن غيرهم وقد حصل ما توقعته فعلاً .....
(( الرسالة التي تسربت من السجن و نفى فيها عن التوبة المزعومة))

ذكر تلبيس إبليس على الفقهاء ) قال المصنف كان الفقهاء في قديم الزمان هم أهل القرآن والحديث فما زال الأمر يتناقص حتى قال المتأخرون يكفينا أن نعرف آيات الأحكام من القرآن وأن نعتمد على الكتب المشهورة في الحديث كسنن أبي داود ونحوها ثم استهانوا بهذا الأمر أيضا وصار أحدهم يحتج بآية لا يعرف معناها وبحديث لا يدري أصحيح هو أم لا وربما اعتمد على قياس يعارضه حديث صحيح ولا يعلم لقلة التفاته إلى معرفة النقل وإنما الفقه استخراج من الكتاب كامل والسنة فكيف يستخرج من شيء لا يعرفه ومن القبيح تعليق حكم على حديث لا يدري أصحيح هو أم لا ولقد كانت معرفة هذا تصعب ويحتاج الإنسان إلى السفر الطويل والتعب الكثير حتى تعرف ذلك فصنفت الكتب وتقررت السنن وعرف الصحيح من السقيم ولكن غلب على المتأخرين الكسل بالمرة عن أن يطالعوا علم الحديث حتى إني رأيت بعض الأكابر من الفقهاء يقول في تصنيفه عن ألفاظ في الصحاح لا يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه و سلم قال هذا ورأيته يحتج في مسألة فيقول دليلنا ما روى بعضهم أن رسول الله قال كذا ويجعل الجواب عن حديث صحيح قد احتج به خصمه أن يقول هذا الحديث لا يعرف وهذا كله جناية على الاسلام # ومن تلبيس إبليس على الفقهاء أن جل اعتمادهم على تحصيل علم الجدل يطلبون بزعمهم تصحيح نمذجي مفصل الدليل على الحكم والاستنباط لدقائق الشرع وعلل المذاهب ولو صحت هذه الدعوى منهم لتشاغلوا بجميع المسائل وإنما يتشاغلون بالمسائل الكبار ليتسع فيها الكلام فيتقدم المناظر بذلك عند الناس في خصام النظر فهم أحدهم بترتيب المجادلة والتفتيش على المناقضات طلبا للمفاخرات والمباهاة وربما لم يعرف الحكم في مسألة صغيرة تعم بها البلوى
( ذكر تلبيسه عليهم بادخالهم في الجدل كلام الفلاسفة واعتمادهم على تلك ) الأوضاع # ومن ذلك إيثارهم للقياس على الحديث المستدل به في المسألة ليتسع لهم المجال في النظر وإن استدل أحد منهم بالحديث هجن ومن الأدب تقديم الإستدلال بالحديث ومن ذلك أنهم جعلوا النظر جل اشتغالهم ولم يمزجوه بما يرقق القلوب من قراءة القرآن وسماع الحديث وسيرة الرسول صلى الله عليه و سلم وأصحابه ومعلوم أن القلوب لا تخشع بتكرار إزالة النجاسة والماء المتغير وهي محتاجة إلى التذكار والمواعظ لتنهض لطلب الآخرة ومسائل الخلاف وإن كانت من علم الشرع إلا أنها لا تنهض بكل المطلوب # ومن لم يطلع على أسرار سير السلف وحال الذي تمذهب له لم يمكنهم سلوك طريقهم وينبغي أن يعلم أن الطبع لص فإذا ترك مع أهل هذا الزمان سرق من طبائعهم فصار مثلهم فإذا نظر في سير القدماء زاحمهم وتأدب بأخلاقهم وقد كان بعض السلف يقول حديث يرق له قلبي أحب إلي من مائة قضية من قضايا شريح وإنما قال هذا لأن رقة القلب مقصودة ولها أسباب ومن ذلك أنهم اقتصروا على المناظرة وأعرضوا عن حفظ المذهب وباقي علوم الشرع فترى الفقيه المفتي يسأل عن آية أو حديث فلا يدري وهذا غبن فأين الأنفة من التقصير ومن ذلك أن المجادلة إنما وضعت ليستبين الصواب وقد كان مقصود السلف المناصحة بإظهار الحق وقد كانوا ينتقلون من دليل إلى دليل وإذا خفي على أحدهم شيء نبهه الآخر لأن المقصود كان إظهار الحق فصار هؤلاء إذا قاس الفقيه على أصل بعلة يظنها فقيل له ما الدليل على أن الحكم في الأصل معلل بهذه العلة فقال هذا الذي يظهر لي فان ظهر لكم ما هو أولى من ذلك فاذكروه فان المعترض لا يلزمني ذكر ذلك # وقد صدق في أنه لا يلزمه ولكن فيما ابتدع من الجدل بل في باب النصح وإظهار الحق يلزمه ومن ذلك أن أحدهم يتبين له الصواب مع خصمه ولا يرجع ويضيق صدره كيف ظهر الحق مع خصمه وربما اجتهد في رده مع علمه أنه الحق وهذا من أقبح القبيح لأن المناظرة إنما وضعت لبيان الحق وقد قال الشافعي رحمه الله ما ناظرت أحدا فأنكر الحجة إلا سقط من عيني ولا قبلها إلا هبته وما ناظرت أحدا فباليت مع من كانت الحجة إن كانت معه صرت إليه .
ومن ذلك أن طلبهم للرياسة بالمناظرة تثير الكامن في النفس من حب الرياسة فإذا رأى أحدهم في كلامه ضعفا يوجب قهر خصمه له خرج إلى المكابرة فإن رأى خصمه استطال عليه بلفظ أخذته حمية الكبر فقابل ذلك بالسب فصارت المجادلة مخاذلة ومن ذلك ترخصهم في الغيبة بحجة الحكاية عن المناظرة فيقول أحدهم تكلمت مع فلان فما قال شيئا ويتكلم بما يوجب التشفي من غرض خصمه بتلك الحجة .
ومن ذلك أن إبليس لبس عليهم بأن الفقه وحده علم الشرع ليس ثم غيره فان ذكر لهم محدث قالوا ذاك لا يفهم شيئا وينسون أن الحديث هو الأصل فان ذكر لهم كلام يلين به القلب قالوا هذا كلام الوعاظ .
ومن ذلك إقدامهم على الفتوى وما بلغوا مرتبتها وربما أفتوا بواقعاتهم المخالفة للنصوص ولو توقفوا في المشكلات كان أولى . # فقد أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي نا محمد بن هبة الله الطبري ثنا محمد بن الحسين بن الفضل نا عبد الله بن جعفر بن درستويه ثنا يعقوب بن سفيان ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول قال يعقوب وثنا أبو نعيم ثنا سفيان عن عطاء بن السائب قال سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى أيضا يقول أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ما منهم من يحدث حديثا إلا ود أن أخاه كفاه الحديث ولا يسأل عن فتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا # قال المصنف وقد روينا عن إبراهيم النخعي أن رجلا سأله عن مسألة فقال ما وجدت من تسأله غيري وعن مالك بن أنس رضي الله عنه قال ما أفتيت حتى سألت سبعين شيخا هل ترون لي أن أفتي فقالوا نعم فقيل له فلو نهوك قال لو نهوني انتهيت وقال رجل لأحمد بن حنبل إني حلفت ولا أدري كيف حلفت قال ليتك إذ دريت كيف حلفت دريت أنا كيف أفتيك # قال المصنف وإنما كانت هذه سجية السلف لخشيتهم الله عز وجل وخوفهم منه ومن نظر في سيرتهم تأدب .
# ومن تلبيس إبليس على الفقهاء مخالطتهم الأمراء والسلاطين ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم مع القدرة على ذلك وربما رخصوا لهم فيما لا رخصة لهم فيه لينالوا من دنياهم عرضا فيقع بذلك الفساد لثلاثة أوجه الأول الأمير يقول لولا أني على صواب لأنكر على الفقيه وكيف لا أكون مصيبا وهو يأكل من مالي والثاني العامي أنه يقول لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله فإن فلانا الفقيه لا يبرح عنده والثالث الفقيه فإنه يفسد دينه بذلك # وقد لبس إبليس عليهم في الدخول على السلطان فيقول انما ندخل لنشفع في مسلم وينكشف هذا التلبيس بأنه لو دخل غيره يشفع لما أعجبه ذلك وربما قدح في ذلك الشخص لتفرده بالسلطان ومن تلبيس إبليس عليه في أخذ أموالهم فيقول لك فيها حق ومعلوم أنها إن كانت من حرام لم يحل له منها شيء وان كانت من شبهة فتركها أولى وان كانت من مباح جاز له الأخد بمقدار مكانه من الدين لا على وجه إتفاقه في إقامة الرعونة وربما اقتدى العوام بظاهر فعله واستباحوا مالا يستباح .
# وقد لبس إبليس على قوم من العلماء ينقطعون على السلطان إقبالا على التعبد والدين فيزين لهم غيبة من يدخل على السلطان من العلماء فيجمع لهم آفتين غيبة الناس ومدح النفس وفي الجملة فالدخول على السلاطين خطر عظيم لأن النية قد تحسن في أول الدخول ثم تتغير باكرامهم وإنعامهم أو بالطمع فيهم ولا يتماسك عن مداهنتهم وترك الانكار عليهم .
# وقد كان سفيان الثوري رضي الله عنه يقول ما أخاف من إهانتهم لي إنما أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم وقد كان علماء السلف يبعدون عن الأمراء لما يظهر من جورهم فتطلبهم الأمراء لحاجتهم اليهم في الفتاوي والولايات فنشأ أقوام قويت رغبتهم في الدنيا فتعلموا العلوم التي تصلح للأمراء وحملوها إليهم لينالوا من دنياهم ويدلك على أنهم قصدوا بالعلوم أن الأمراء كانوا قديما يميلون إلى سماع الحجج في الأصول فأظهر الناس علم الكلام ثم مال بعض الأمراء إلى المناظرة في الفقه فمال الناس إلى الجدل ثم بعض الأمراء إلى المواعظ فمال خلق كثير من المتعلمين إليها ولما كان جمهور العوام يميلون إلى القصص كثر القصاص وقل الفقهاء .
# ومن تلبيس إبليس على الفقهاء أن أحدهم يأكل من وقف المدرسة المبنية على المتشاغلين بالعلم فيمكث فيها سنين ولا يتشاغل ويقنع بما عرف أو ينتهي في العلم فلا يبقى له في الوقف حظ لأنه إنما جعل لمن يتعلم الا أن يكون ذلك الشخص معيدا او مدرسا فان شغله دائم ومن ذلك ما يحكى عن بعض الأحداث المتفقهة من الانبساط 2014 في المنهيات فبعضهم يلبس الحرير ويتحلى بالذهب ويحال على المكس فيأخذه إلى غير ذلك من المعاصي وسبب إنبساط 2014 هؤلاء مختلف فمنهم من يكون فاسد العقيدة في أصل الدين وهو يتفقه ليستر نفسه أو ليأخذ من الوقف أو ليرأس أو ليناظر # ومنهم من عقيدته صحيحة لكن يغلبه الهوى وحب الشهوات وليس عنده صارف عن ذلك لأن نفس الجدل والمناظرة تحرك الكبر والعجب وإنما يتقوم الانسان بالرياضة ومطالعة سير السلف وأكثر القوم في بعد عن هذا وليس عندهم إلا ما يعين الطبع على شموخه فحينئذ يسرح الهوى بلا زاد ومنهم من يلبس عليه إبليس بأنه عالم وفقيه ومفت والعلم يدفع عن أربابه وهيهات فان العلم أولى أن يحاجه ويضاعف عذابه كما ذكرنا في حق القراء وقد قال الحسن البصري إنما الفقيه من يخشى الله عز وجل قال ابن عقيل رأيت فقيها خراسانيا عليه حرير وخواتم ذهب فقلت له ما هذا فقال خلع السلطان وكمد الأعداء فقلت له بل هو شماتة الأعداء بك إن كنت مسلما إن إبليس عدوك وإذا بلغ منك مبلغك ألبسك ما يسخط الشرع فقد أشمته بنفسك وهل خلع السلطان سائغة لنهي الرحمن .
يا مسكين خلع عليك السلطان فانخلعت به من الايمان وقد كان ينبغي أن يخلع بك السلطان لباس الفسق ويلبسك لباس التقوى رماكم الله بخزيه حيث هونتم أمره هكذا ليتك قلت هذه رعونات الطبع الآن تمت محنتك لأن عدوانك دليل على فساد باطنك .
# ومن تلبيسه عليهم أن يحسن لهم ازدراء الوعاظ ويمنعهم من الحضور عندهم فيقولون من هؤلاء قصاص ومراد الشيطان أن لا يحضروا في موضع يلين فيه القلب ويخشع والقصاص لا يذمون من حيث هذا الاسم لأن الله عز وجل قال ( نحن نقص عليك أحسن القصص ) وقال ( فاقصص القصص ) وإنما ذم القصاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد ثم غالبهم يخلط فيما يورده وربما اعتمد على ما أكثره محال فأما إذا كان القصص صدقا ويوجب وعظا فهو ممدوح وقد كان احمد بن حنبل يقول ما أحوج الناس إلى قاص صدوق .


منقول للافادة





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©