بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهـد أنَّ محمداً عبده ورسوله
.

.أولا : ما هو الجلباب :

قيل هو ما تغطي به المرأة أو هو ما تغطى به ثيابها من فوق ، كالملحفة ، أو هو الخمار ، كذا في المحكم و نقله ابن السكيت عن العامرية ، و قيل هو الإزار ، قاله ابن الأعرابي ، و قد جاء ذكره في حديث أم عطية ، و قيل : جلبابها : مُلاءتها تشتمل بها ...[3]

و قال الشيخ الألباني :''... فكل جلباب حجاب ، و ليس كل حجاب جلبابا كما هو الظاهر ... قال ابن تيمية رحمه الله: ''فآية الجلابيب عند البروز من المساكن ، و آية الحجاب عند المخاطبة في المساكن ''4
قلت :و من قول شيخ الإسلام نفهم أن المرأة المسلمة اليوم عكست الوضع لأنها جعلت الحجاب الذي تلبسه في بيتها هو ما تخرج به ، و لكنه العمى و الله المستعان .
و يقول الله سبحانه و تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [ النور: 31].

قال الشيخ بن العثيمين : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ) : '' فإن الخمار ما تخمر به المرأة رأسها و تغطيه به ، كالغدقة ..."[5]

قال ابن كثير في تفسيره : '' أي : لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب ، إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال اين مسعود : كالرداء و الثياب ، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها ، و ما يبدو من أسافل الثياب ، فلا حرج عليها فيه ، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه . ''

و قال سبحان و تعالى في موضع آخر :''يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ

عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا''[الأحزاب59]

ذكر ابن كثير عن بن عباس رضي الله عنه قال : '' أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب و يبدين عينا واحدة ''[6] .

و لا شك أن بن عباس رضي الله عنه هو ترجمان القرآن و قد كان الرسول صلى الله عليه و سلم يدعو له ويقول : "اللهم علمه الكتاب كامل " وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان[7] وغيرهما, فقال أهل العلم الفهم في القرآن : ودعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم كذلك، فقال : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"[8]
ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه كان في بيت ميمونة، فوضع للنبي صلى الله عليه و سلم طهورا فقال النبي صلى الله عليه و سلم من وضعه ؟ قيل ابن عباس، فضرب على منكبي وقال : اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل".
فلا مجال للشك أبدا فالأثر واضح عن ا بن عباس رضي الله عنه .

قلت : و الأصل في تغطية الوجه و الكفين عدم الوجوب و هذا ما أثبته الشيخ الألباني رحمه الله في الرد المفحم ، و لكنه مستحب للتي تخاف أن يفتن الرجال بجمالها .

الدليل الثاني : أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد : قلن يا رسول الله ، إحدانا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه و سلم : '' لتلبسها أختها من جلبابها ''[9]

الدليل الثالث : عن عائشة رضي الله عنها قالت :'' كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الفجر ، فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن على بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس و قالت لو رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنوا إسرائيل نسائها''[10].

قلت : فعلى كل من تدعي إتباع نساء الصحابة أن تفعل ما فعلن و إلا فقد نقضت قوله تعالى : "ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا"

دليل آخر عن عائشة رضي الله عنها قالت : '' كان الركبان يمرون بنا و نحن محرمات مع الرسول صلى الله عليه و سلم ، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزنا كشفناه ''[11]

و قال شيخ الإسلام بن تيمية :''و هذا مما يدل على أن النقاب و القفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن ،و ذلك يقتضي ستر وجوههن و أيديهن ''[12] .

و قد يقول قائل أن النساء زمن النبي صلى الله عليه وسلم خرجت دون جلباب ، و الجواب أن هذا حصل قبل نزول آية الحجاب و نقوي كلامنا بقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى ، حيث قال : '' قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب و كان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه و الكفين ، و حينئذ يجوز النظر إليها ، لأنه يجوز إظهاره ، ثم لما أنزل الله آية الحجاب بقوله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ) حجب الرجال عن النساء '' ثم قال : '' و الجلباب هو الملاءة و هو الذي يسميه بن مسعود و غيره الرداء و تسميه العامة الإزار، و الإزار الكبير الذي يغطي رأسها و سائر بدنها ''[13].

و الأدلة في هذا كثيرة و من لديه دليل شرعي يثبت عكس هذا فليتحفنا به ، و لا نريد دليل عقلي ينافي الشرع و لا نريد حجة مبنية على رخصة عاطفية بل دليل قاطع من الكتاب كامل و السنة و آثار السلف .

شبهة و الرد عليها :
قد يقول قائل إنَّ مفهومَ الحجابِ راجعٌ إلى العُرفِ، والمقصودُ منه تحقيقُ السِّترِ، وعلى هذا، فإنَّ الجلبابَ أوِ الثّوبَ الذي يستوعب جميعَ البدنِ ليس نموذج مقترحَ الحجابِ الواجبِ في هذا الزّمانِ، وإنّما فَرَضه عُرْفُ الصّحابةِ، ولسنا مُلْزَمين باتّباعِ أعرافِهم، فلو لَبِسَتِ المرأةُ تَنُّورَةً وقميصًا أو فستانًا أو غيرَ ذلك ممَّا يُعَدُّ ساترًا فإنّها تكون مرتديةً للحجابِ الذي أوجبه اللهُ.

الرد : ( نقلا من فتوى الشيخ فركوس بعنوان مفهوم الستر من حجاب المرأة المسلمة)
فقد اعتمد أصحاب هذا القول في تأسيسِ مفهومِ الحجابِ على السِّترِ المطلقِ وربَطه بعُرْفِ الصّحابةِ رضي الله عنهم، وهذه النّظرةُ التّأسيسيّةُ لا تنتهض للاستدلالِ من جهتين:
الأولى:أنَّ المفهومَ الشّرعيَّ للسّترِ المتوخَّى من وراءِ فرض رائعِ الحجابِ إنّما هو السِّترُ المقيَّدُ بجملةٍ منَ الشّروطِ اللاّزمةِ له، مستوحاةً من نصوصِ الكتاب كاملِ والسُّنَّةِ حتّى تُضْفِيَ على لباسِ المرأةِ المسلمةِ الصّفةَ الشّرعيّةَ المطلوبةَ، فمِنَ الشّروطِ الشّرعيّةِ التي ينبغي مراعاتُها في لباسِ المرأةِ ما يأتي:
- أن يستوعبَ اللّباسُ جميعَ ما هو عورةٌ من بدنِها فتسترُه عنِ الأجانبِ، ولذلك سُمِّيَ حجابًا لأنّه يحجب شخْصَه أو عيْنَه عنِ الأجانبِ.[14]
وأمَّا محارمُها فلا تكشف المرأةُ لهم سوى مواضعِ الزّينةِ. والاستيعابُ يشمَل:
الخمارَ الذي تُغَطّي به رأسَها وعُنُقَهَا وأُذُنيها وصدْرَها سَدْلاً وإرخاءً وَلَيًّا لقولِه تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31].
الجلبابَ أوِ الرّداءَ أوِ المِلْحفةَ وهو المُلاءة التي تشتمل بها المرأةُ فتلبَسُها فوقَ خِمارِها ودِرعِها أو قميصِها لتغطِّيَ بها جميعَ ما هو عورةٌ من بدنِها من رأسِها إلى قدميها، ويدلُّ عليه قولُه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأََزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59].
- أن يكونَ اللّباسُ واسعًا فضفاضًا لئلاًّ يَصِفَ شيئًا من بدنِها، ذلك لأنَّ اللّباسَ الضَّيِّقَ المحجِّمَ لا يحقِّق السَّترَ المطلوبَ شرعًا، فهو يُحدِّد تفاصيلَ الجسمِ ويُبرزه للنّاظرين، وقد ورد النّهيُ الشّرعيُّ عنِ اللّباسِ الضّيِّقِ في حديثِ أسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنه، قال: «كَسَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَى لَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ''مَا لَكَ لاَ تَلْبَسُ القُبْطِيَّةَ؟'' فَقُلْتُ: ''يَا رَسُولَ اللهِ! كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي''، فَقَالَ:''مُرْهَا أَنْ تَجْعَلَ تَحْتَهَا غِلاَلَةً[15] ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا '' [16].
- وأن لا يكونَ لباسُ المرأةِ لباسَ شهرةٍ سواء بالنّفيسِ أو الخسيسِ لقولِه صلّى الله عليه وآله وسلّم: ''مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلَهُ، ثُمَّ تُلْهَبُ فِيهِ النَّارُ''[17]
قال ابن تيميّةَ -رحمه الله-: ''وتُكْرَهُ الشُّهرةُ من الثّيابِ، وهو المترفِّعُ الخارجُ عن العادةِ والمنخفِضُ الخارجُ عن العادةِ، فإنَّ السّلفَ كانوا يكرهون الشّهرتين: المترفِّعَ والمنخفِضَ، وفي الحديث: ''مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ''. وخيارُ الأمورِ أوساطُها''[18]
- ومن هذا القبيلِ -أيضًا- ألاَّ يكونَ لباسُ المرأةِ زينةً تَلْفِتُ الأنظارَ وتَجْلِبُ الانتباهَ سواء في هيئةِ لباسِها أوِ الألوانِ الفاتحةِ أو البرَّاقةِ اللاّمعةِ، أو المادّةِ المصنوعِ منها، أو النّقوشِ والوشيِ التي عليه، تفاديًا أن تكونَ من المتبرِّجاتِ بزينةٍ. قال الألوسيُّ -رحمه الله- : '' ثمَّ اعلمْ أنَّ عندي ممَّا يُلْحَقُ بالزّينةِ المنهيِّ عن إبدائِها ما يلبَسه أكثرُ مُتْرَفَاتِ النّساءِ في زمانِنا فوق ثيابِهنَّ ويتستَّرْنَ به إذا خرجْنَ من بيوتِهنَّ، وهو غطاءٌ منسوجٌ من حريرٍ ذي عدّةِ ألوانٍ، وفيه من النّقوشِ الذّهبيّةِ أو الفضيّةِ ما يَبْهَرُ العيونَ، وأرى أنّ تمكينَ أزواجِهنَّ ونحوِهم لهنَّ من الخروجِ بذلك ومَشْيِهنّ به بين الأجانبِ من قِلَّةِ الغَيْرَةِ، وقد عمَّتْ البلوى بذلك''[19]
- أن لا يكونَ اللّباسُ شبيهًا بلباسِ الرّجلِ فقَدْ:''لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ''[20]
كما ''لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ المَرْأَةِ وَالمَرْأَةَ تَلْبَسَ لِبْسَةَ الرَّجُلِ''[21]
و''لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَةَ مِنَ النِّسَاءِ''[22]
والمقصودُ بالتّشبُّهِ المنهيِّ عنه بين الرّجالِ والنّساءِ التّشبُّهُ في اللّباسِ والزّينةِ والكلامِ والمشيِ، وهو حرامٌ للقاصدِ المختارِ قولاً واحدًا. قال ابنُ حجرٍ -رحمه الله-: ''وتَشَبُّهُ النّساءِ بالرّجالِ والرّجالِ بالنّساءِ مِنْ قاصدٍ مختارٍ حرامٌ اتّفاقًا''[23]
- أن لا يكونَ اللّباسُ شبيهًا بلباسِ أهلِ الكفرِ وأزيائِهم وعاداتِهم لقولِه صلّى الله عليه وآله وسلّم: ''مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ''[24]
فلا يخفى إذا أن مجمل هذه الشروط قد أخذت من النصوص الشرعية الصحيحة التي تبين الستر المطلوب شرعا ، و إطلاق الستر الموجود في أذهان النساء الآن يخالف للنصوص الشرعية و لهذه الشروط و لهذا تعد أفكارهم أفكار مبنية على باطل.

الثانية: ما يقوله أصحاب هذا القول أن مفهوم الحجاب مرتبط بعرف الصحابة يحتاج إلى تفصيل دقيق :

أولا : كان مقصودُه أنَّ هذا اللّباسَ ممَّا اعتاده الصّحابةُ رضي الله عنهم في ألبستِهم وأزيائِهم وعادتِهم

قال الشيخ فركوس حفظه الله عن هذا القصد : ( لا يُوجَدُ في نفيِه ولا في إثباتِه دليلٌ شرعيٌّ كما هو شأنُ العرفِ في الاصطلاحِ فلا شكَّ في بطلانِ هذا القولِ.)

وهذا القول الذي أبطله الشيخ يردُّه ما تقدَّم بيانُه مِنَ النّصوصِ الشّرعيّةِ والإجماعِ وعملِ الصّحابةِ رضي الله عنهم، فقَدْ ذكرتْ أمُّ سلمةَ رضي الله عنها أنّه: ''لَمَّا نَزَلَتْ ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: 59]، خَرَجَتْ نِسَاءُ الأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الأَكْسِيَةِ''[25]

وقالتْ عائشةُ رضي الله عنها: '' يَرْحَمُ اللهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، لَمَّا أنزل اللهُ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31]، شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بها''[26]

قلت :هكذا كانت استجابة المؤمنات زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، و لم تقل إحداهن : نعم لكن حتى أذهب إلى الخياطة كي تفصل لي خمارا حسنا بدلا من تقطيع خمار من ثيابي فيستبشعه الناظر إليه و تنفر منه المتبرجات الضعيفات ... لم يكن ثمّ مجال للعمل على إرضاء الخلق بالبروز لهم في صورة يستحسنوها ، بل إرضاء الرب بالمتيسر أولا هو الذي سارع إليه مؤمنات ذلك الزمان ...[27]

قال الشيخ فركوس تعقيبا على حديث أم سلمة و حديث عائشة رضي الله عنمها : '' وهذا وغيرُه يدلُّ على أنّهم كانوا في عوائدَ جاريةٍ فانقلبوا -استجابةً لنداءِ الشّرعِ- إلى عوائدَ شرعيّةٍ.''

و هذا ينفي كل الأقوال التي تقول بان الحجاب يتغير بتغير العادات فالملاحظ من الأحاديث أنهم كانوا على عرف معين فلما جاءت النصوص الشرعية استجابوا له دون أي تردد مما يدل على أن العوائد تنفى بالشرع .

و إذا كان مقصوده أن الصحابة فرض رائعوه من منطلق عوائد شرعية :
قال الشيخ فركوس : ''إنْ كان المقصودُ أنَّ مفهومَ الحجابِ فَرَضَه عُرْفُ الصّحابةِ رضي الله عنهم مِنْ مُنْطَلَقِ عوائدَ شرعيّةٍ أقرَّها الدّليلُ الشّرعيُّ الصّحيحُ فهذا حقٌّ، لكنْ يجب اتّباعُه في وصْفِه وشرْطِه.''

ختاما: أذكر الغافلات أن الجلباب كان و لا زال معروفا عندنا في الجزائر و الحمد لله ، و ما الملآة ببعيدة عنك أختي المسلمة ، و قد قال ابن باديس: '' و قد حمى الشرع الشريف العباد من هذه الفاحشة –أي فاحشة الزنا- بما فرض رائع من الحجاب الشرعي ، و هو ستر الحرة ماعدا و جهها و كفيها و جميع ثيابها عند الخروج بالتجلبب ، و بما حرم من تطيب المرأة ، و قعقعة حليها عند الخروج ، و خلوتها بالأجنبي ، و اختلاط الرجال بالنساء''[28] .
فأين أنتن من هذا؟ نسأل الله أن يهدي نساءنا و يردهم لدينه ردا جميل.
هذا ما تيسر لنا جمعه وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.

**************************
25/03/1433هـ

1: رواه أحمد بإسناد صحيح.

2: عبد الرزاق البدر تكريم لإسلام للمرأة (ص: 11).

3: ( تاج العروس :2/175).

4: مجموع الفتاوى(15/448) ، و انظر جلباب المرأة المسلمة للشيخ الألباني رحمه الله (ص: 21).

5: رسالة الحجاب ( ص 7).

6: تفسير ابن كثير ( 3/569).

7أخرجه البخاري في كتاب كامل (فضائل الصحابة)، باب : (ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) (3756)، وفي كتاب كامل (العلم) باب : قول النبي اللهم علمه الكتاب كامل (75) ومسلم في كتاب كامل فضائل الصحابة (2477) والترمذي في أبواب المناقب. باب (مناقب عبد الله بن العباس رضي الله عنهما) (3833) وأحمد (2397) – (2881).

8: إسناده صحيح أخرجه الإمام أحمد في المسند (1-266-314-328)، وابن سعد في الطبقات (2/365)، والطبراني في الكبير (10614) والأوسط (4176) والحاكم في المستدرك (3/534).

9: رواه البخاري و مسلم و غيرهما .

10: أخرجه البخاري كتاب كامل الصلاة ، باب في كم تصلي المرأة من الثياب رقم ( 372) و مسلم كتاب كامل المساجد باب استحباب التبكير بالصبح رقم ( 645).

11: رواه أحمد و بن داود و بن ماجة .
12مجموع الفتوى ( 15/276).

13انظر الفتوى المطبوعة بعد المجموع (2/110) من الفقه و 22 من المجموع.

14: التّعريفات الفقهيّة للبركتي: (76).

15الغلالة: شعار يُلْبَسُ تحت الثّوبِ وتحت الدّرع أيضًا. أنظر مختار الصّحاح للرّازيّ: (479).

16الحديث أخرجه أحمد في مسنده (5/ 205)، والبيهقيّ في السّنن الكبرى (2/ 234)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه. قال الهيثميّ في مجمع الزّوائد (5/ 240): فيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات، وحسّنه الألبانيّ في جلباب المرأة المسلمة: (131).

17: أخرجه أبو داود في اللّباس باب في لبس الشّهرة: (4029)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. والحديث حسّنه الألباني في صحيح الجامع (6526).

18: مجموع الفتاوى لابن تيميّة: (22/138)
19: روح المعاني للألوسيّ: (18/146).

20: أخرجه البخاريّ كتاب كامل اللّباس، باب المتشبّهون بالنّساء والمتشبّهات بالرّجال: (3/ 194)، من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما.

21أخرجه أبو داود كتاب كامل اللّباس باب لباس النّساء: (4098)، وأحمد: (2/ 325)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث صحّحه الألبانيّ في صحيح الجامع: (5095).
22أخرجه أبو داود في اللّباس باب لباس النّساء: (4099)، من حديث عائشة رضي الله عنها. والحديث صحّحه الألبانيّ في صحيح الجامع: (5096).

23انظر الفتح لابن حجر (9/ 336).

24
أخرجه أبو داود كتاب كامل اللّباس، باب في لباس الشهرة :(4033)، وأحمد في مسنده: (2/ 50)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. والحديث صحّحه العراقيّ في تخريج الإحياء: (1/ 359)، وحسّنه ابن حجر في فتح الباري (10/ 288)، والألبانيّ في الإرواء: (5/ 109).

25أخرجه أبو داود كتاب كامل اللّباس، باب في قول الله تعالى ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ﴾: (4101)، من حديث أمّ سلمة رضي الله عنها. والحديث صحّحه الألبانيّ في غاية المرام: (282).

26أخرجه البخاريّ في التّفسير باب ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ (2/ 561)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

27كلام مقتبس من كتاب كامل العجب العجاب من أشكال الحجاب عبد المالك رمضاني( ص: 56) و صدق و الله.

*********************
البيضاء العلمية


4جموع الفتاوى(15/448) ، و انظر جلباب المرأة المسلمة للشيخ الألباني رحمه الله (ص: 21).1 رواه أحمد بإسناد صحيح.

جمع
بلال الجزائر
قسنطينة في






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©