بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلامة على اشرف المرسلين اما بعد

لماذا يخوِّفون الناس من قراءة كتب ابن تيمية ؟

لم يجد عالمٌ من العلماء المسلمين ما وجده شيخ الإسلام ابن تيمية من الهجوم والتشويه
والتكفير والتنفير عنه من الطوائف الضالة الخارجة عن منهج الإسلام النقي الذي يعلي
من شأن الكتاب كامل والسنَّة ويخفض سلطة ما سواهما من البشر . ابن تيمية الذي حارب على
كل الجبهات فكتب كتباً لم يستطع خصومها الرد عليها حتى يومنا هذا سوى بالسباب
والشتائم والتكفير والتبديع وتحذير الناس من قراءتها والدعوة إلى حرقها .


ردَّ ابن تيمية على الفلاسفة والمناطقة والمتكلمة في كتاب كامله الشهير "
درء تعارض العقل والنقل "
وهو من اسمه يُفنِّد مقولات المادية حول تعارض الدين والعقل أو الدين والعلم , ويُثبت بالدليل والبرهان
أن هذا التعارض هو تعارض غير حقيقي. وبالإضافة إلى رده على الماديين هو أيضاً يرد على العلمانيين والملاحدة .
فهذا الكتاب كامل بشهادة الكثير من المفكرين ومنهم غربيين يؤكد على الاختلاف البيِّن والجلي بين المسيحية المُحرَّفة
والإسلام المحفوظ . كما أنَّه يؤكد أن الطغيان الكنسي الذي حصل في القرون الوسطى الغربية لا يمكن
أن يحصل مثله في الإسلام الذي جاء بالدعوة إلى طلب العلم والتفكر والتدبر
وتتبع آيات الله في الكون وفي الأنفس وتخليص الناس من عبادة العباد.


وردَّ على الشيعة في كتاب كامل ماتع شهير اسمه " منهاج السنة النبوية " فنَّد فيه أدلة آيات وسادة وملالي الشيعة
بأسلوب عقلاني صرف لأنه يعلم يقيناً أن القوم قد يحتجون عليه إنْ استدل بالكتاب كامل والسنة بأنهم
لا يؤمنون بصحة هذا الكتاب كامل وهذه السُنَّة لذا فهو يحاكمهم إلى العقل
. ولهذا كانت ردوده وحججه وبراهينه
في هذا الكتاب كامل علمية وعقلانية ومنطقية صرفة
. ولعل بقاء حججه هذه قوية وفاعلة حتى اليوم سبباً
في العداوة الشديدة التي يلقاها الشيخ من لدن السادة والملالي والآيات الذين حين لم يجدوا حتى اليوم
ما يردون به حججه وبراهينه اكتفوا بتحذير أتباعهم من البسطاء والعامة من قراءة كتب ابن تيمية
بزعم أنَّها قد تزيغ بهم عن طريق الصواب وعن حب آل البيت صلوات الله وسلامه عليهم !

ومن قرأ هذا الكتاب كامل وما فيه من إلزامات عقلية ومنطقية لا يملك سوى أن يُدهش لمتانة منهج الشيخ ورصانته وعلميته.


وردَّ ابن تيمية على الصوفية الخرافية التي مثلها مثل التشيع تعطي لبعض البشر مكانة مقدسة
ير مستحقة فكتب كتاب كامله الشهير " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان " وفنَّد فيه تخاريف كبار
المتصوفة وأفكارهم حول الاتحاد ووحدة الوجود والطواف بالقبور والتمسح والتبرك بها
ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم والحضرات والموالد وما يحصل فيها من تجاوزات يُراد
تمريرها من لدن السدنة والأوصياء على الأضرحة والقبور بصفتها من الدين . ولذا تجد الصوفية الخرافية
تفقد شعبيتها كلما زاد الطلب على العلم الشرعي الذي أصبح شيخ الإسلام ابن تيمية علماً عليه.
ولم يكتف شيخ الإسلام ابن تيمية بهذه الردود العقدية بل استشعر الحاجة إلى تخليص الدين
والفقه على وجه خاص من التقليد الأجوف القائم على التبعية العمياء مع احتفاظ الشيخ وتأكيده
على احترامه لأئمة الدين من أصحاب المذاهب الأربعة فكتب رسالته القصيرة "

رفع الملام عن الأئمة الأعلام " والتي تدور حول أسباب وجود الخلافات الفقهية في المذاهب الأربعة ,
وتدعو إلى نبذ العصبية والتقليد لشيوخ المذهب

وضرورة تقديم ما صح به الكتاب كامل والسنَّة على أقوال الأئمة ,
وأن ذلك هو مقتضى قولنا أن محمداً رسول الله , فلا متبوع بحق إلا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
, ولا يجوز تقديم قول عالم أو إمام كائناً من كان على ما صح ثبوتاً ودلالة
من أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
لقد أطلق شيخ الإسلام ابن تيمية العقل من قيوده , والاجتهاد من إساره
, وحرَّك عجلة الإصلاح والتغيير كي يجعل من الدين " النقي " رافعة للإنسان ترفعه من هرطقات المناطقة
التي لا تقوم على أصل عقلاني ولا تزيد أتباعها إلا حيرة إلى حيرتهم وشكاً إلى شكوكهم
, وترفعه من مواطن العبودية لأناس مثله لا يختلفون عنه في شيء سوى في رغباتهم الشهوانية في السيطرة عليه ,
وترفعه من دركات التبعية والطاعة العمياء التي تجعله يدفع لأناس مثله ماله وعرضه
تحت زعم الدين وحب آل البيت رضوان الله عليهم ...


وهو أيضاً وأيضاً لم يكتف بهذا الإنتاج الفكري والكتاب كاملي الضخم فظلَّ قابعاً بين جدران مسجده أو بيته ؛
بل نزل إلى الميدان ودعا الناس إلى الجهاد في سبيل الله حتى أنَّه " قاوم "
الغزاة التتار بسيفه فقاتل بشجاعة وبسالة في سبيل الله مع من قاتل حتى رد الله عز وجل التتار عن ديار المسلمين خائبين صاغرين ...

وللشيخ تأثير تربويٌ هائل على طلابه ومحبيه وعلى عامة الناس. ولك أن تنظر إلى مفاعيل منهجه التربوي
من خلال المرور على أسماء تلاميذ الشيخ فستجد من بينهم ابن القيم
وابن كثير وابن عبدالهادي وابن مفلح والذهبي وابن دقيق العيد وغيرهم
, وهم من هم في القوة والفكر والتأليف والشهرة.أما العامة فيكفيك مئات الألوف
التي خرجت تُشيِّع الشيخ في جنازته المهيبة من سجنه حتى قبره .


ورغم كل ما فعله الشيخ رحمه الله فإنَّه لم يسلم من ظلم ولاة الأمر كما هو مشهور
حتى أنَّه سُجِن حتى مات في سجنه قرير العين مطمئن الفؤاد مرتاح البال ,
حتى نُقِلت عنه تلك الجملة المشهورة

" ما يفعل أعداءي بي , جنتي
وبستاني في صدري , سجني خلوة , وقتلي شهادة , وإخراجي من أرضي سياحة "...


ولذا اعتُبِر شيخ الإسلام ابن تيمية حتى من لدن الغربيين أحد عباقرة الفكر الإنساني
وأحد أكثر دعاة الإسلام تأثيراً فيه إضافة إلى تأثير منهجه الفقهي الكبير الذي عُدَّ
بمثابة إعادة لفتح باب الاجتهاد مرة أخرى وبطريقة لا تسمح لأحد بإغلاقه فيما بعد !


كما عُدَّ من لدن بعض الغربيين مجدداً رصيناً ومؤثراً على المستويين التكامليين الديني
والعقلي حتى كانت أفكاره نواة للدعوة الوهابية وهي دعوة مثلها مثل دعوة ابن تيمية نقية
وبيضاء , حتى قال أحد المفكرين الغربيين : " لقد وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض الإسلامية ,
فجَّر بعضها الشيخ محمد بن عبدالوهاب وينتظر بعضها التفجير ".
والمدهش في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب أنَّها جاءت لتعيد إحياء العقيدة الإسلامية
وتنقيها مما علق بها من أدران الشرك والبدعة والخرافة والتبعية العمياء ,
ذات الأدران التي لطالما حاربها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على كل الصعد .


هل يغدو غريباً بعد ذلك أن يتم تشويه وتكفير وتبديع ولعن شيخ الإسلام ابن تيمية البطل ذو الحجة البالغة
والمنطق المتماسك والمنهج القوي جداً من لدن البعض, بل وفعل الشيء نفسه
مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب لمجرد أنَّهم دعوا إلى العودة إلى المعين الصافي الذي لا تكدره الدلاء؟


إنها الدعوة الربانية إيَّاها " إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد "
, وهو ما يرفضه المنتفعون والسادة والملالي والأولياء ,
ولعل أتباعهم يقولون لي كما قال عدي بن حاتم حين سمع قول الله " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله "
قال عدي : يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم : أليس يحرمون
ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم فتحلونه ؟ قال عدي : بلى . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فتلك عبادتهم "
.


هل عرفتم الآن لماذا يكرهون ابن تيمية , ويُخوِّفون الناس من قراءة كتبه ؟

كي يظلوا مسيطرين على أتباعهم , أو عبيدهم إذا شئنا الدقة .

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.



عبدالله الشولاني
كاتب سعودي





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©