(يقتلون أهل الإسلام يدعون أهل الأوثان)



بسم الله الرحمن الرحيم



كنت أقرأ حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام عن الخوارج: ((
يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان
)) فيشكل – عندي – تحقق هذا الصفة في الخوارج المعاصرين ، إذ إنهم يقتلون أهل الأوثان وأهل الإسلام على حد سواء فكما أنهم ينسفون المباني ويزهقون الأرواح وينشرون الذعر في بلاد الكفار فكذلك يفعلون في بلاد المسلمين، ولا فرق عندهم بين "الرياض" و "واشنطن" أو "الرباط" و"مدريد" أو "القاهرة" و "نيويورك" وهلم جراً. وواقعهم يشهد بهذا، فضلاً عن أقوالهم.

وبقي هذا الحديث مشكلاً – عندي – مع هذا الواقع، وكنت ربما ترددت في وصف هؤلاء بالخوارج، ليس لأجلهم، بل لأجل الحديث، فإنه قال : (( يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان )) وهؤلاء لا يدَعون أهل الأوثان، بل يقتلون فيهم قتلاً ذريعاً لا يفرقون بين محارب ولا ذمي ولا مستأمن ولا معاهد ولا كبير ولا صغير ولا رجل ولا امرأة (على الطريقة الإمريكية في ذبح البشر! وما غزو العراق عنا ببعيد).


هذا وما زال الإشكال قائماً في معنى هذا الحديث حتى وقفت على كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في إيضاح له حول هذا الحديث، أزال عني الإشكال، وازددت فقهاً ومعرفة بالحديث ، وتبين لي أنهم هم هم ! لا فرق بين "القاعدة" و "القعدة" (فرقة قديمه من فرق الخوارج) إلا حرفاً واحداً، وربما كان هذا الحرف شعرة بينهم وبين شباب المسلمين يسترون به الصلة بينهم وبين الخوارج الأقدمين.


ومن المعلوم أن الاختلاف في اللفظ لا يعني الاختلاف في المعنى، بل إن علماء البلاغة يقولون: الزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى، وهذا حق فإن الخوارج "القعدة" الأولين كانوا يحرضون على العنف والخروج ولا يباشرونه، ولذا سموا قعدة، وهؤلاء المعاصرون، يحرضون ويساهمون، ولأجل هذا الزيادة في المعنى زادوا ألفاً في المبنى، فقالوا: "القاعدة"؛ وسوف تظل هذه الألف غطاءً ساتراً على أبصار شباب المسلمين إلا من عافاه الله.


أما كلمة شيخ الإسلام ابن تيمية فهي في كتاب كامله: ["التسعينية" (1/233) طبعة المعارف ] عند حديثه عن الجهمية من كونهم يناظرون الكفار بغير الحق والعدل لينصروا الإسلام بزعمهم، فيستطيل عليهم أهل الكفر لما فيهم من الجهل والظلم، ويحاجونهم بممانعات ومعارضات، فيحتاجون – يعني الجهمية – حينئذٍ إلى جحد طائفة من الحق الذي جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، والعدوان على إخوانهم المؤمنين بما استظهر عليهم أولئك المشركون، فصار قولهم مشتملاً على إيمان وكفر، وهدى وضلال، ورشد وغي، وجمعوا بين النقيضين، وصاروا مخالفين للكفار والمؤمنين، كالذين يقاتلون الكفار والمؤمنين. هذا ملخص شامل ما ذكره شيخ الإسلام.


ثم قال – رحمه الله – وهذا الشاهد من كلامه - : مثلهم في ذلك – يعني: الجهمية – مثل من فرط في طاعة الله وطاعة رسوله من ملوك النواحي والأطراف، حتى تسلط عليهم العدو، تحقيقاً لقوله تعالى: ** إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} يقاتلون العدو قتالاً مشتملاً على معصية الله من الغدر والـمُثلة والغلول والعدوان، حتى احتاجوا في مقاتلة ذلك العدو إلى العدوان على إخوانهم المؤمنين بنوع مما كانوا يقاتلون به المشركين، وربما رأوا قتال المسلمين أوكد، وبهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج حيث قال: (( يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان )) وهذا موجود في سير كثير من ملوك الأعاجم وغيرهم، وكثير من أهل البدع، وأهل الفجور، فحال أهل الأيدي والقتال، يشبه حال أهل الألسنة والقتال. اهـ كلامه رحمه الله.


فتأمل في قوله: يقاتلون العدو قتالاً مشتملاً على معصية لله من الغدر والمثلة والغلول والعدوان، وضع تحت كلمة "الغدر" وكلمة "العدوان" ما شئت من الخطوط، وثمت كلمة يستعملها الناس اليوم تحوي معنى الغدر والعدوان وتزيد عليها وهي كلمة (الإرهاب).


ثم تأمل في قوله: وصاروا يقاتلون إخوانهم المؤمنين بنوع مما كان يقاتلون به المشركين، وربما رأوا قتال المسلمين أوكد.


ثم تأمل في إدخال الشيخ رحمه الله لهؤلاء في الحديث (( يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان )).


ثم اعرض ذلك كله على في حال المعاصرين أعني: "القاعدة" وأخوانهم "القعدة" أي قعدة هذا الزمان، فسوف يتبين لك – إن كنت موفقاً - حينئذٍ أنه لا تنفك رقابهم من ربقة هذا الحديث.


وليت أولئك القعدة الرابضين في بلاد الصليب (( يدعون أهل الأوثان )) فحسب بل أصبحوا ( يوادعون ... ) فإنا لله وإنا إليه راجعون.

l
توضيح*لا فرق بين "القاعدة خوارج العصر اتباعبن لادن" و "القعدة فرقة قديمه من فرق الخوارج"
للفائدة منقوول






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©