عن جعفر بن عبدالله قال ( كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال : يا أبا عبدالله , الرحمن على العرش استوى كيف استوى ؟
فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته , فنظر إلى الأرض وجعل ينكت في يده حتى علاه الرحضاء – يعني العرق – ثم رأسه ورمى العود وقال : ( الكيف منه غير معقول , والاستواء منه غير مجهول , والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وأظنك صاحب بدعة وأمر به فأخرج ) اه
أخرجه أبونعيم في الحلية 6/326 , واللالكائي في شرح مفصل السنة الثالثة/497 , والصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث ص17-18 , من طريق جعفر بن عبد الله عن مالك
وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد 7/151 من طريق عبد الله بن نافع قال كنا عند مالك بن أنس فذكره
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات ص408 من طريق عبد الله بن وهب قال كنا عند مالك بن أنس فذكره
وأخرجه البيهقي في الاعتقاد 116 : من طريق يحيى بن يحيى قال كنا عند مالك بن أنس فذكره
وأخرجه الدارمي الرد على الجهمية 66: من طريق جعفر بن عبد الله عن رجل قد سماه لي قال جاء رجل إلى مالك بن أنس فذكره
وأخرجه ابن حيان الأنصاري ( ت369 ) في طبقات المحدثين بأصبهان 2/214
من طريق محمد بن النعمان بن عبد السلام يقول أتى رجل مالك بن أنس فذكره

وأثر مالك هذا صححه جمع من الإئمة قال الحافظ بن حجر في الفتح 13/406 :
إسناده جيد , وصححه الذهبي في العلو ص103 .
وكل من سبق ذكرهم من المخرجين إنما رروه بلفظ ( والكيف غير معقول )
- وقد جاء هذا الأثر عند البيهقي في الأسماء والصفات بلفظ ( ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع )
قال الذهبي في العلو 138 :
( وساق البيهقي بإسناد صحيح عن أبي الربيع الرشديني عن ابن وهب قال كنت عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله الرحمن على العرش استوى كيف استوى فأطرق مالك وأخذته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال الرحمن على العرش استوى كماوصف نفسه ولا يقال كيف وكيف عنه مرفوع وأنت صاحب بدعة أخرجوه ) اهـ
- وجاء هذا الأثر عند ابن عبد البر في التمهيد بلفظ ( استواؤه مجهول والفعل منه غير معقول ) اه
قال ابن عبد البر في التمهيد 7/151 :
( أخبرنا محمد بن عبدالملك قال حدثنا عبدالله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا بكار بن عبدالله القرشي قال حدثنا مهدي بن جعفر عن مالك بن أنس أنه سأله عن قول الله عز وجل ‏الرحمن على العرش استوى كيف استوى قال فأطرق مالك ثم قال استواؤه مجهول والفعل منه غير معقول والمسألة عن هذا بدعة ) اهـ
وجاء هذا الأثر عند ابن عبد البر في التمهيد بلفظ (سألت عن غير مجهول وتكلمت في غير معقول ) اهـ
قال ابن عبد البر في التمهيد 7/151 :
( قال بقي وحدثنا أيوب بن صلاح المخزومي بالرملة قال كنا عند مالك إذ جاءه عراقي فقال له يا أبا عبدالله مسألة أريد أن أسألك عنها فطأطأ مالك رأسه فقال له يا أبا عبدالله الرحمن على العرش استوى كيف استوى قال سألت عن غير مجهول وتكلمت في غير معقول إنك امرؤ سوء أخرجوه فأخذوا بضبعيه فأخرجوه
قال يحيى بن إبرهيم بن مزين :
إنما كره ملك أن يتحدث بتلك الأحاديث لأن فيها حدا وصفة (جزائرية) وتشبيها والنجاة في هذا الانتهاء إلى ما قال الله عز وجل ووصف به نفسه بوجه ويدين وبسط واستواء وكلام ... فليقل قائل بما قال الله ولينته إليه ولا يعدوه ولا يفسره ولا يقل كيف فإن في ذلك الهلاك لأن الله كلف عبيده الإيمان بالتنزيل ولم يكلفهم الخوض في التأويل الذي لا يعلمه غيره ) اهـ

فائدة :
حكى بعضهم هذا الأثر عن الإمام مالك بلفظ :
( والكيف مجهول )
ولم يرد هذا الأثر عن الإمام مالك بهذا اللفظ فيما وقفت عليه من الكتب المسندة
نعم ورد بلفظ ( وكيفيته مجهولة ) عند ابن عبد البر في التمهيد 7/138 :
حيث قال :
أخبرنا أبو محمد عبدالله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد ابن جعفر بن حمدان بن مالك قال حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا سريج بن النعمان قال حدثنا عبدالله بن نافع قال: قال مالك بن أنس : " الله عز وجل في السماء ، وعلمه في كل مكان ، لا يخلو منه مكان . وقيل لمالك : (الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟ فقال مالك : استواؤه معقول ، وكيفيته مجهولة ، وسؤالك عن هذا بدعة ، وأراك رجل سوء ) اهـ

فائدة ثانية :
جاء معنى هذا الأثر عن أم سلمة وابن عباس رضي الله عنهما وعن ربيعة الرأي رحمه الله
- أما أثر أم سلمة :
فروى اللالكائي في شرح مفصل السنة الثالثة/497 وابن بطة في الإبانة 3/164
( عن أم سلمة رضي الله عنها في قوله الرحمن على العرش استوى
قالت الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والاقرار به إيمان والحجود به كفر ) اهـ
- وأما أثر ابن عباس :
ففي فتح القدير للشوكاني 2/ 307 قال :
( أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { استوى على العرش } الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإقرار به إيمان والجحود كفر ) اهـ
- وأما أثر ربيعة :
فروى اللالكائي في شرح مفصل السنة الثالثة/497 وابن بطة في الإبانة 3/164:
( عن ابن عيينة قال سئل ربيعة عن قوله (الرحمن على العرش استوى )كيف استوى ؟
قال : الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق )
وراه العجلي في الثقات 1/358:
بلفظ : ( قيل لربيعة بن أبي عبد الرحمن ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟
قال : الاستواء منه غير معقول وعلينا وعليك التسليم ) اهـ

* مامعنى الكيف في قول مالك ( والكيف منه غير معقول ) أو ( والكيف عنه مرفوع ) ... إلخ ؟ :
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من معرفة معنى الكيف في اللغة والاصطلاح :
الكيفية في اللغة :
في مختار الصحاح 1/244:
( ك ي ف :
كَيفَ اسم مبهم غير متمكن وإنما حرك آخره لالتقاء الساكنين وبني على الفتح دون الكسر لمكان الياء
- وهو للاستفهام عن الأحوال
- وقد يقع بمعنى التعجب كقوله تعالى { كيف تكفرون بالله }
- وإذا ضُمَّ إليه ما صح أن يجازى به تقول كيفما تفعل أفعل ) اهـ
وفي تاج العروس لمرتضى الزبيدي 1/6114 :
( كيف :
الكَيْفُ : القطْعُ وقد كافَه يَكِيفُه ومنه : كَيَّفَ الأَدِيمَ تَكْيِيفاً : إذا قَطَعه ...
والغالبُ فيه أَنْ يَكُونَ اسْتِفهاماً عن الأَحْوالِ إِما حَقِيقِيّاً ككَيْفَ زَيْدٌ ؟ أَو غَيْرَهُ مثل : " كَيْفَ تَكْفُرُونَ باللهِ " فإنَّهُ أُخْرِج مُخْرَجَ التَّعَجُّبِ والتّوْبِيخِ ...
ويَقَعُ خَبَراً قَبْلَ ما لا يَسْتَغْنِي عَنْه كَكَيْفَ أَنْتَ ؟ وكَيْفَ كُنْتَ ؟ . ويَكُونُ حالاً لا سُؤالَ معه كقَوْلِكَ : لأُكْرِمَنَّكَ كَيْفَ كُنْتَ أَي : عَلى أَيِّ حالٍ كُنْتَ وحالاً قَبْلَ ما يَسْتَغْنِي عَنْهُ ككَيْفَ جاءَ زَيْدٌ ؟ . ويَقَعُ مَفْعولاً مُطْلَقاً مثل : " كَيْفَ فَعَل رَبُّكَ " ) اهـ
* إذن كيف لها أربعة معاني في اللغة :
1- الاستفهام عن الأحوال , أو الحال بدون استفهام ( وهذا المعنى هو المراد فيما نحن فيه )
2- القطع . ( وهذا له تعلق بما نحن فيه )
3- التعجب
4- الجزاء
أما الكيفية فهي المصدر من كيف
ففي لسان العرب 9/312 :
( وقال ( أي الزجاج ) فـي مصدر كيف: الكَيْفِـيَّة . ) اهـ
وقال الزبيدي في تاج العروس 1/6114 :
( وأما قول شيخنا ـ ابن الشركي ـ : وينبغي أن يزيد قولهم : الكيفية أيضاً . فإِنها لا تكاد توجد في الكلام العربي. قلتُ : نَعَمْ قد ذكره الزجاج فقال : والكيفية : مصدر كيف , فتأمَّل ) اهـ
فإذا كانت الكيفية هي المصدر من كيف فمعناها إذن :
( الحالة التي عليها الشيء )
والتكييف هو جعل الشيء ذا كيفية إلا أن كيَّف مولده
ففي لسان العرب 9/312 :
( قال اللـحيانـي: هي ( يعني كيف ) مؤنثة وإِن ذكِّرت جاز، فأَما قولهم : كَيَّف الشيءَ فكلام مولَّد )

* أما الكيفية في الاصطلاح :
فقد استعمل الأئمة الكيفية في صفات الله تعالى بمَعْنيين :
الأول : بمعنى الجسمية و التشخص :
وحينئذ فالمنفي هو الكيف ذاته :
وهو المراد بقول الإمام مالك ( والكيف غير معقول ) وفي رواية ( والكيف عنه مرفوع ) يعني أن الجسمية والتشخص غير معقوله في صفات رب العالمين وهي مرفوعة عنه سبحانه
- ومن استعمالات الأئمة الكيف بمعنى الجسمية والتشخص :
* - مارواه الصابوني ص 193والبيهقي في الأسماء ص 452 والهروي في ذم الكلام ص 231 :
عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال :
قال لي الأمير عبد الله بن طاهر ياأبا يعقوب هذا الحديث الذي تروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل ربنا كل ليلة . كيف ينزل ؟ قال قلت : أعز الله الأمير لا يقال لأمر الرب كيف إنما ينزل بلا كيف ) اهـ منقول





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©