أهمية العقيدة ودورها الخطير في حياة الإنسان : لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بادئ ذي بدء نتحدث عن الحيوان:فالحيوان تحكمه مجموعة من الدوافع والغرائز، أي أن الله عز وجل خلق في الحيوان دافعاً نحو الطعام ألا وهو الجوع، وخلق في الحيوان دافعاً نحو التناسل ألا وهو الجنس، فالحيوان تحكمه مجموعة غرائز ومجموعة دوافع، لكن الله سبحانه وتعالى لأنه لم يكلفه ولم يقبل الأمانة ولم يتصدَّ لها، جعل هذه الدوافع وتلك الغرائز منضبطة لمصلحته، فالحيوان قلّما يمرض لأنه لا يأكل فوق حاجته أبداً، والحيوان يشرب الماء مصاً ولا يعبه عباً، فغريزته تأمره بهذه الطريقة، قال الله تعالى:

﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾

(سورة طه الآية:49- 50)

وقد سماها الأجانب غريزة وسماها الله سبحانه وتعالى هداية، فالحيوان يقوم بأعمال بالغة التعقيد بشكل غريزي عفوي فطري من دون تعلم، لأن الله زوده بدوافع وزوده بغرائز واسمها الإسلامي هداية الله, فالدافع نحو الأنثى في أكثر الحيوانات ليس دائماً إلا في مواسم معينة لكي لا يضر نفسه، طعام من نوع واحد وكمية الطعام ثابتة.

ذكر بعض الأمثلة على غريزة الحيوان:
أحدهم كان مدعواً في أحد أحياء دمشق، وكانت الدعوة على طعام اليقطين فأكل وشبع فدعَوْه وقالوا:تطييبًا لخاطرنا كُلْ هذه, وترجُّوه لكي يأكل أكثر فأكلها حتى كاد ينفجر وبعدها ركب الدابة، وهو يمشي على الطريق كان هناك مكان ماء، فوقفت دابتُه وشربت، فقال لها:تطييبًا خاطري اشربي فلم تشرب، فقال:هذه الدابة أعقلُ مني, فالحيوان غريزته لها حدود في الجنس و الطعام و الشراب فهي منضبطة لمصلحته، نرى الحيوان إذا مرض يدع الطعام والشراب من تلقاء نفسه، فهو يعالج نفسه بحشائش يهديه الله إليها.
أحدهم راقب قطة مريضة، فإذا هي تنطلق إلى حشيشة على طرف النهر فأكلتها وكان فيها الشفاء، فالحيوان فيه مجموعة دوافع، ومجموعة غرائز منضبطة فطرياً لمصلحته.
2- تكريم الله للإنسان بأن جعله صاحب إرادة وفكر:
الإنسان نوع آخر مكرم:هو عبارة عن مجموعة دوافع سماها علماء النفس:حاجات, الحاجة إلى الطعام والشراب والجنس و التكاثر والحركة والحاجة للشعور بالأهمية, لا يعرف حاجة الحركة إلا من قيّدت حركته، لكن هذه الحاجات و الدوافع عند الإنسان ليست منضبطة فطرياً، لأن الله عز وجل أكرمه، وأعطاه إرادة حرة و فكراً، لحكمة بالغة فهذه الدوافع أو الغرائز والميول جعلها الله مفتوحة وليست محدودة فالإنسان يستطيع أن يأكل متى شاء، وأن يتصل بالجنس الآخر في كل أشهر السنة لا كبعض الحيوانات، والانضباط هنا يجب أن ينبع من قناعته ومن اختياره، فالآن تبدأ خطورة الإنسان.
ابتلاء الله للإنسان بالشهوات وأعطاه الوسيلة على ضبطها:
الحيوان يمضي حياته في طمأنينة وفي دعة وفي سلامة، لأن عملية غرائزه منضبطة فطرياً أما الإنسان فشهواته، وغرائزه، وميوله ليس لها حدود, فالوحش في الغابة إذا كان جائعاً يأكل فريسة وحينما يشعر بالشبع يكف عن افتراس الحيوانات الأخرى، أما حب الإنسان للمال فليس له حدود، فإذا غرق في الجنس قد ينتحر وانغماسه في الشهوات، وحبه لجمع المال، وحبه للاستعلاء يدفعه أن يستعلي على حياة الناس أو على حساب فقرهم، ذلك لأن شهوات الإنسان غير منضبطة فطرياً، فقد أوكل الله له ضبط هذه الشهوات وأعطاه وسائل الضبط، فوسائل هذا الضبط:فكر سليم، وحرية اختيار، وقد عبر عنها بعض العلماء بالإرادة الحرة، من هنا تأتي خطورة العقيدة من أن القناعة، أو الفهم، أو العقيدة هي التي تحرك هذه الطاقات و الشهوات و السلوك، فإذا كانت المفاهيم صحيحة كان السلوك صحيحاً، وإذا كانت مغلوطة كان السلوك مغلوطاً، وهذا الذي أحب أن أوضحه، إذاً من أنت ؟ أنت مجموعة مفاهيم فإن كانت صحيحة عشت في حياة سعيدة وانتقلت إلى حياة أبدية.




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©