تفسير الطبري رحمه الله :

الْحَقُّ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ، وَإِلَيْهِ التَّوْفِيقُ وَالْخِذْلَانُ، وَبِيَدِهِ الْهُدَى وَالضَّلَالُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْكُمْ لِلرَّشَادِ، فَيُؤْمِنُ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَنِ الْهُدَى فَيَكْفُرُ، لَيْسَ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلَسْتُ بِطَارِدٍ لِهَوَاكُمْ مَنْ كَانَ لِلْحَقِّ مُتَّبِعًا، وَبِاللَّهِ وَبِمَا أَنْزَلَ عَلَيَّ مُؤْمِنًا، فَإِنْ شِئْتُمْ

فَآمِنُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَاكْفُرُوا، فَإِنَّكُمْ إِنْ كَفَرْتُمْ فَقَدْ أَعَدَّ لَكُمْ رَبُّكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ نَارًا أَحَاطَ بِكُمْ سُرَادِقُهَا، وَإِنْ آمَنْتُمْ بِهِ وَعَمِلْتُمْ بِطَاعَتِهِ، فَإِنَّ لَكُمْ مَا وَصَفَ اللَّهُ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ.

وَلَيْسَ هَذَا بِإِطْلَاقٍ مِنَ اللَّهِ الْكُفْرَ لِمَنْ شَاءَ، وَالْإِيمَانَ لِمَنْ أَرَادَ، وَإِنَّمَا هُوَ تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} [الكهف: 29] وَالْآيَاتُ بَعْدَهَا. كَمَا عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
[الكهف: 29] . قَالَ : وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ، فَلَيْسَ بِمُعْجِزِي.

وقال الطبري في موضع آخر : وقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِأَنَّ الْعَرَبَ تُخْرِجُ الْكَلَامَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهَا فِيهِ النَّهْي أَوِ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثناؤُهُ: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكَفِّرْ} [الكهف: 29] وَكَمَا قَالَ: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 55] فَخَرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ الْأَمْرِ، وَالْمَقْصُودُ بِهِ التَّهْدِيدُ وَالْوَعِيدُ، وَالزَّجْرُ وَالنَّهْي



تفسير البغوي رحمه الله :
{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} هَذَا عَلَى طَرِيقِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ كَقَوْلِهِ: "اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ" (فُصِّلَتْ-40)

وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَسْتُ بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ لِهَوَاكُمْ فَإِنْ شِئْتُمْ فَآمِنُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَاكْفُرُوا فَإِنْ كَفَرْتُمْ فَقَدْ أَعَدَّ لَكُمْ رَبُّكُمْ نَارًا أَحَاطَ بِكُمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ آمَنْتُمْ فَلَكُمْ مَا وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ .


تفسير ابن كثير رحمه الله :
هَذَا مِنْ بَابِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَلِهَذَا قَالَ: إِنَّا أَعْتَدْنا أَيْ أَرْصَدْنَا لِلظَّالِمِينَ وَهُمُ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ نَارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها أَيْ سُورُهَا


تفسير القرطبي رحمه الله :

وَلَيْسَ هَذَا بِتَرْخِيصٍ وَتَخْيِيرٍ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ. أَيْ إِنْ كَفَرْتُمْ فَقَدْ أَعَدَّ لَكُمُ النار، وإن آمنتم فلكم الجنة. قوله تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنا) أَيْ أَعْدَدْنَا. (لِلظَّالِمِينَ) أَيْ لِلْكَافِرِينَ الْجَاحِدِينَ.


تفسير السعدي رحمه الله _ تيسير الكريم الرحمن _:

{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} أي: لم يبق إلا سلوك أحد الطريقين، بحسب توفيق العبد، وعدم توفيقه، وقد أعطاه الله مشيئة بها يقدر على الإيمان والكفر، والخير والشر، فمن آمن فقد وفق للصواب، ومن كفر فقد قامت عليه الحجة، وليس بمكره على

الإيمان، كما قال تعالى {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} وليس في قوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} الإذن في كلا الأمرين، وإنما ذلك تهديد ووعيد لمن اختار الكفر بعد البيان التام، كما ليس فيها ترك قتال الكافرين.



تفسير أضواء البيان للشنقيطي رحمه الله :

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ، ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِحَسَبَ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لَيْسَ هُوَ التَّخْيِيرُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا التَّهْدِيدُ وَالتَّخْوِيفُ. وَالتَّهْدِيدُ بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ

الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّخْيِيرُ أُسْلُوبٌ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْآيَةِ التَّهْدِيدُ وَالتَّخْوِيفُ أَنَّهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ

مُرْتَفَقًا، وَهَذَا أَصْرَحُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّهْدِيدُ وَالتَّخْوِيفُ، إِذْ لَوْ كَانَ التَّخْيِيرُ عَلَى بَابِهِ لَمَا تَوَعَّدَ فَاعِلَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الْمُخَيَّرَ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَهَذَا وَاضِحٌ كَمَا تَرَى.


تفسير ابن عثيمين رحمه الله :
(فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) والأمر في قوله: "فَلْيَكْفُرْ" للتهديد وليس للإباحةبل هو للتهديد كما يهدد الإنسان غيره فيقول: "إن كنت صادقاً فافعل كذا"، ويدل عليه قوله تعالى {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا}



الحمد لله الذي جعل معنا من كلام العلماء الراسخين مانتعلم به ديننا ويعيننا على الفهم الصحيح لكتاب كامل ربنا ..وقانا الله و إياكم الفتن ماظهر منها ومابطن .. آمين




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©