الحوينية الجدد يفصلون في تكفير فاعل المعصية؛ فيقولون:
'من قال أنا أعلم أن الشيء الفلاني حرام، ومع ذلك سأفعله هو كافر كفرالإباء والاستكبار ككفرإبليس عليه لعائن الله!!
وهذا القول أخذوه من ظاهر كلام لابن تيمية، رحمه الله، فضربوا بعضه ببعض، وتغافلوا؛ جهلا أو عمدا؛ عن القيود التي وضعها ابن تيمية والضوابط التي ضبط بها كلامه، فحرفوا الكلم عن مواضعه!!
وكعادة أهل البدع اتبعوا المتشابه كسابقيهم حين اتبعوا ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.


* أبدأ أولا ببيان كفر إبليس
* ثم مقارنة كلام شيخ الإسلام
* ثم بيان فعل الحوينية الجدد وفداحة جرمهم وقبح بدعتهم.


أولا: بيان كفر إبليس
قال تعالى: (واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين)
إبليس اللعين هنا لم يكفر بكونه لم يلتزم بما أمره الله، وإنما كفر؛ لأنه أنكر صواب الأمر الإلهي؛ اذ رد أمر الله مستقبحا محتجا بأنه أفضل من آدم؛ فلا يمكن أن يسجد لمن هو أقل منه منزلة.
لاحظ: استقبح أمر الله




واعلم أن الامتناع عن العمل لدى أهل السنة يسمى معصية. فإذا رافق الامتناع استنكار لصواب العمل واستقباح للعمل يسمى حينئذ كفرا.
مثال: من لا يمتنع عن أكل الربا. فإن عدم امتناعه معصية وكبيرة.
أما إن قال إن الربا صار ضرورة في عصرنا ولم يعد الحكم الشرعي السابق بتحريمه مناسبا. فإنه يكفر بقوله هذا ويحتاج إلى استيفاء الشروط وانتفاء الموانع.
مثال آخر: من زنا فهو عاص ومرتكب كبيرة
أما إن قال: لماذا تحرمون الزنا وهو يلبي حاجات الناس ويطفئ شهواتهم ؛ فلا يلا يليق تحريمه. فإنه عندئذ يكفر بقوله هذا ويحتاج إلى استيفاء الشروط وانتفاء الموانع.
مثال ثالث: امرأة تمتنع عن أن تلبس اللباس الشرعي؛ فإن امتناعها معصية
أما من تقول إن هذا العصر لا يصلح فيه اللباس الشرعي؛ فإنها عندئذ تكون كافرة؛ لأنها استنكرت واستقبحت أمر الله .
فكل من يرتكب معصية لا يكفر
أما من يرتكب المعصية جحودا واستهانة؛ كأن يناقش عدم صواب أمر الله، أو كأن يستقبح أمر الله فهو كافر
* إذاً فإبليس كافر بالاتفاق لأنه استقبح أمر الله ورده


قال البيضاوي في تفسير الآية({ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبىوَاسْتَكْبَرَ }
امتنع عما أمر به؛ استكباراً من أن يتخذه وصلة في عبادة ربه، أو يعظمه ويتلقاه بالتحية، أو يخدمه ويسعى فيما فيه خيره وصلاحه.
والإباء: امتناع باختيار.
والتكبر: أن يرى الرجل نفسه أكبر من غيره. والاستكبار طلب ذلك بالتشبع.
{ وَكَانَ مِنَ الْكَـٰفِرِينَ }
أي في علم الله تعالى، أو صار منهم باستقباحه أمر الله تعالى إياه بالسجود لآدم اعتقاداً بأنه أفضل منه، والأفضل لا يحسن أن يؤمر بالتخضع للمفضول والتوسل به كما أشعر به قوله:
{ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ }
جواباً لقوله:
{ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَـٰلِينَ }

وهم في استدلالهم بكلام شيخ الإسلام غفلوا أو تغافلوا ـ أقصد غفل جاهلهم وتغافل من علم منهم ـ عن تأكيد شيخ الإسلام على صفة العناد المبنية على استقباح أمر الله . وهو أمر قلبي لا سبيل إلى بيانه إلا بالتصريح به من قبل المعاند ( أو معرفته بالوحي من الله كما عرف النبي صلى الله عليه وسلم حال من أعرس بامرأة أبيه؛ فخصه بالقتل وتخميس ماله؛ بينما ترك المرأة التي عقد عليها رغم اشتراكها في الذنب نفسه، وترك الشهود على العقد رغم وضوح إقرارهم له بفعلهم ).
وتأمل قول شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله:
(وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلا لها فهو كافر بالاتفاق، فإنه ماآمن بالقرآن من استحل محارمه، وكذلك لو استحلها من غير فعل، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يحرمها، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية، ولخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جَحْداً محضا غير مبني على مقدمة، وتارة يعلم أن الله حرمها، ويعلم أن الرسول إنما حرم ماحرمه الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المحرم، فهذا أشد كفراً ممن قبله، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقُدْرته فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع مايصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس، وحقيقته كفر، هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ماأخبر به ويصدق بكل مايصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك، ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحق وأنفر عنه، فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوءٌ من تكفير مثل هذا النوع، بل عقوبته أشد) (الصارم المسلول) صـ 521 ــ 522.






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©