2- الإدراك:
فالإنسان إذا عـطل إدراكـه عطـل إنسـانيته، أي إذا عـطل إدراكـه جعل نفسـه فـي صف الحيوان، وهذا قول لا يحتمل المناقشة لشدة وضوحه ولشدة تشعّب الموضوع، فلْنَبْقَ في القـوة الإدراكـية التـي خصـهـا الله للإنـسان والتـي يتميز بها عن سائر المخلوقات ولاسيمـا الحيوان، و لها مشكلة، أنها عالة على العالم الخارجي والعالم الداخلي، وهي مـن دون عالـم خـارجـي وعالم داخلي لا قيمة لها، حيث تتعطل وظيفتها.
نوافذ الإدراك:
3- العالم الخارجي:
الله تعالى جعـل لنـا نوافـذ تطل عليه، فالبصر نافذة، والشم، والسمع، والذوق، والإحسـاس بالحرارة والبرودة، وكذلك الضغط وجميع الأعصاب والحواس هي نوافـذ القوة الإدراكية على العالم الخارجي، ولو تخيلنا أن إنساناً أوتي من الذكاء ما لم يؤت أحـد من العـالمين وكان كفيف البصر، فهل يستطيع أن يعـرف الـلون الأحمر، وما الفرق بينه وبين اللون الأخضر ؟ نرى أن كـلمة أحمـر, وأخضـر, وأزرق, وبنفسـجي، وأبيـض وغيـره من هذه الكلمات لا معنى لـها إطلاقاً عندَ هذا الكفيف، فهذه القوة الإدراكيـة تستعين بهذه النوافذ، لذلك ربنا عز وجل قال:
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُون﴾
(سورة البقرة الآية: 171)
إن القوة الإدراكية تحتاج إلى سمع وبصر وإلى نطق، فأي كائن أصم، وأبكم، وأعمى فهو لا يعقل، وهنا نجد أن هذه الآية تشير إلى ذلك، قال تعالى:
﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ﴾
(سورة الأنفال الآية: 22)
فهذا الذي خُلق أصـم اسـألـه ؟ هل صـوت البلبل أعذب أم صوت الغراب ؟ فيقول لك: لا أعلم، وما نوعه ؟ فهو لا يدري، لأنه لم يسمع صوت البلبل ولا الغراب، فمهما كان متميزاً بالذكاء، والنـوافذ المطلة على العالم الخارجي مغلقة فـالإدراك منعـدم.
محدودية الحواس بقدر الله:
هذه الحواس خلقها الله سبحانه وتعالى بقدَر، قال الله تعالى:
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾
(سورة القمر الآية: 49)
فإنـك عنـدمـا تريد شُـرب المـاء تـراه صـافياً نقيـاً، فلو وضعت منه قطرة تحت المجهر لرأيت آلافاً، بل مئات الألوف من الجراثيم والبكتريات والـعصيات، فماذا تستنتج ؟ إن هذه القوة الإبصارية محدودة، فإنك تستطيع أن ترى الأشياء على بُعد مئة متر أو مئتين، ثم بعد ذلك لا ترى شيئاً، كذلك طبيب العيون يضع لك لوحاً على بعد خمسة أمتار أو أكثر، فترى فتحـات الـدوائـر الكبيرة، حتى تصل إلى الـحلقات الصغيرة فتقول له: لا أعـرف، ويضـع لـك عـلامـة " 8/10 - 5/10 - 3/ 10"، حيث إنك لا ترى أصغر من ذلك، إذاً القوة الإبصارية لـها حدود قال تعالى:
﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾
( سورة القمر الآية: 49)
وحدودها من تقدير عزيز، عليم، خبير، بصير، حكيم، ولو زادت قوة الإبصار أكثر من ذلك لما رأينا في الأرض جمالاً، وبعـض الأمـاكـن في أنعـم جـلد بشـري تـرى جبـالاً ووديـاناً ونتوءات، وعندما تم تـكبير أنعـم جـلـد بشـري تحت مجهر يكبر 300000 مرة كان المنظر لا يُحتمل، فلو أن هذه العين كـانـت قـوة إبصـارهـا أكبـر ممـا هـي عليه لما كان في الأرض جمال، فقوة الإبصار المحدودة تعتبر نعمة من نِعَم الله عز وجل.




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©