بسم الله الرحمن الرحيم
إعلم وفقك الله لهداه أن كل من أعرض عن الكتاب كامل والسنة وماعليه سلف الأمة وقع في التناقض والحيرة إما مع نفسه أو مع مذهبه...وهذا هو حال كثير من الفرق المنحرفة عن السنة كليا أو جزئيا ومن ذلك مذهب الأشاعرة وفي كثير من المسائل العقدية..فقد يثبت أحدهم ما ينفيه الآخر...والعكس..وهذا منذ نشأته إلى عصر عضد الدين الإيجي تقريبا ومن عصر الأيجي إلى الآن فهو يكاد على نفس الوتيرة...و المسائل التي تناقضوا فيها كثيرةو منها : الصفات الإلهية كالوجه والقدم واليدين والنزول والمجيء والعلو والاستواء والرضا والغضب...وفي كلام الله وفي الاستطاعة والجبر والكسب...

وموضع بحثنا هو تبيين التناقض الجلي في صفة العلو والاستواء لله عز وجل ..وبعض الصفات الأخرى ...
وقبل ذلك نبين منهج السلف في الصفات :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية مذهب سلف الأمة وأئمتها أن يصفو الله بما وصف الله به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا يجوز نفي صفات الله التي وصف بها نفسه ولا تمثيلها بصفات المخلوقين بل هو سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير ليس كمثله شىء لا فى ذاته ولا فى صفاته ولا فى أفعاله [ مجموع الفتاوى5/ 195]

درة ذهبية من أصول ابن تيمية
:
ومن الأصول التي قررها السلف وركز عليها شيخ الإسلام أن القول في الصفات كالقول في الذات، يحتذى حذوه، فكما أن لله ذاتا لا تشبه ذوات المخلوقين، فكذلك له صفات لا تشبه صفات المخلوقين، وإذا كان إثبات الذات لله إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية، وهذا أصل عظيم، مقنع جداً لمن تدبره، وهو مرتبط بما سبق من أن صفات المخلوق تخصه، كما أن له ذاتا تخصه، وكذلك ربنا تبارك وتعالى له صفات تخصه وتليق به كما أن له ذاتا تخصه، ولا يخلط بينهما إلا مشبه ممثل، أو معطل ملحد في أسمائه وصفات جزائريةه يريد أن يجعل ذلك سلما لتعطيله وتحريفه [انظر في بيان هذا الأصل: التدمرية (ص:43-46) – ت – السعودي -، والفتوى الحموية – مجموع الفتاوى (5/114)، وشرح مفصل حديث النزول – مجموع الفتاوى (5/330، 351)، ومجموع الفتاوى (6/355، 12/575)، ونقض التأسيس – مطبوع – (2/76).]


وقال بن عبد البر المالكي في التمهيد(7/ 145):
أهل السنة مجموعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ويزعمون أن من أقر بها مشبه وهم عند من أثبتها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب كامل الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله.
*******
وقد اعتمدت في هذا النقل على كتاب كامل "موقف بن تيمية من الأشاعرة" رسالة دكتوراة في ثلاث مجادات للشيخ الدكتور عبد الرّحمن بن صالح بن صالح المحمود.

أولا :

أبو الحسن الطبري: توفي بحدود سنة 380هـ.
كان أحد تلاميذ الاشعري الأربعة الذين اختصوا به، واسمه علي بن محمد بن مهدي، أبو الحسن الطبري -وأحيانا يقال: على بن مهدي -، وقد ذكر السبكي أنه تحقق أن أباه اسمه محمد، ومهدي جده.

[ALIGN=CENTER]أما أهم آثاره فهي:[/ALIGN]
1-كتاب كامل " الأصول".
2-تفسير أسامي الرب عزوجل.
وهذان الكتاب كاملان ذكرهما العبادي، ولا يعرف عنهما شيء.
3- تأويل الأحاديث المشكلة الموضحة وبيانها بالحجة والبرهان.
وقد ذكر هذا الكتاب كامل جميع من ترجم له، وقد وصلت إلينا نسخة منه لا تزال مخطوطة.

[ALIGN=CENTER]بعض ما قيل فيه :[/ALIGN]
وذكر الاسنوي عن أبي عبد الله الأسدي أنه قال في كتاب كامل "مناقب الشافعي":" كان شيخنا وأستاذنا أبو الحسن بن مهدي حافظا للفقه والكلام والتفاسير والمعاني وأيام العرب، فصيحا مبارزا في النظر ما شوهد في أيامه مثله، مصنفا للكتب في أنواع العلم، صحب أبا الحسن الأشعري في البصرة مدة"، ولم يؤرخ ولادته ولا وفاته، إلا أن الصفدي ذكر أنه توفي في حدود سنة الثالثة80هـ.

- يثبت أبو الحسن الطبري صفة الاستواء والعلو لله تعالى
، يقول: " اعلم عصمنا الله وإياك من الزيغ برحمته أن الله سبحانه في السماء فوق كل شيء، مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه، وبمعنى الاستواء الاعتلاء، كما يقول: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح يعني علوته، واستوت الشمس على رأسي واستوى الطير على قمة رأسي بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي، والقديم جل جلاله عال على عرشه لا قاعد ولا قايم ولا مماس له ولا مباين، والعرش ما تعقله العرب وهو السرير، يريد بذلك أيضا على أنه في السماء عال على عرشه قوله سبحانه: )أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ( (الملك:16) ، وقوله تعالى: ) يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ( (آل عمران:55)، وقوله: ) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ( (النحل:50) ، وقوله: )إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ( (فاطر:10) ، وقوله: ) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ( (السجدة:5) (تأويل الأحاديث المشكلة (ل24= أ- ب). )،
ثم رد على البلخي وغيره من المعتزلة في تأويلهم الاستواء بالاستيلاء-والغزالي أيضا كما سيأتي- واحتجاجهم بقولهم: استوى بشر على العراق - وغيره - فقال: " فيقال لهم: ما أنكرتم أن يكون عرش الله جسما مجسما، خلقه وأمر ملائكته بحمله، وتعبدهم بتعظيمه كما خلق في الأرض بيتا وامتحن بني آدم بالطواف - حوله وبقصده من الآفاق، ويدل على ذلك قوله تعالىوَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ( (الزمر:75) ، وقال في موضع آخر: ) وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ( (الحاقة:17)، ففي كل هذا دلالة أن العرش ليس بالملك وأنه سرير" ( )، ثم قال: " ومما يدل على أن الاستواء ها هنا ليس بالاستيلاء أنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون ساير خلقه، وليس للعرش مزية على ما [وصفت] ( نفسه (ل 24 - ب).)، فبان بذلك فساد قوله، ثم يقال له أيضا: إن الاستواء ليس هو بالاستيلاء في قول العرب: استوى فلان على كذا أي استولى عليه، إذا تمكن منه بعد أن لم يكن متمكنا، فلما كان الباري سبحانه لا يوصف بالتمكن بعد أن لم يكن متمكنا لم يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء، وحدثنا الشيخ أبو عبد الله الأزدي الملقب بنفطويه قال: حدثنا أبو سليمان، قال كنا عن ابن الأعرابي فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله ما معنى قوله سبحانه: ) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ( (طـه:5)، قال: إنه مستو على عرشه كما أخبر، فقال له الرجل: إنما معنى استوى استولى فقال له ابن الأعرابي: ما يدريك ما هذا، العرب لا تقول استوى على العرش حتى يكون فيه مضاد له، فأيهما غلب قيل: قد استولى عليه، والله سبحانه لا مضاد له، وهو مستو على عرشه كما أخبر، والاستيلاء يكون بعد المغالبة" ثم يقول: " فإن قيل فما تقول في قوله سبحانه: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ( (الملك:16)، قيل له معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش، كما قال: ) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ ( (التوبة:2)، أي على الأرض…" . وكلامه في ذلك طويل حيث رد على الذين يقولون: إن الله في كل مكان...[ موقف بن تيمية من الأشاعرة 2/ 521-522]

وقال :

وإنما أمرنا الله تعالى برفع أيدينا قاصدين إليه برفعهما نحو العرش الذي هو مستو عليه كما قال: ) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ( (طـه:5) [ نفسه 523]


= = = = =
ثانيا :
الباقلاني: ت 403 هـ.
-حياته: هو الإمام القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بان جعفر قاسم البصري، ثم البغدادي، ابن الباقلاني ، لم يعرف مادة التاريخ ولادته، كان من أهل البصرة، وسكن بغداد، وقد كانت وفاته سنة الرابعة03 هـ.

[ALIGN=CENTER]
أقوال العلماء فيه:[/ALIGN]

1ـ قال عنه الخطيب البغدادي: " المتكلم على مذهب الأشعري…وكان ثقة، فأما الكلام فكان أعرف الناس به، وأحسنهم خاطراً، وأجودهم لساناً، وأوضحهم بياناً، وأصحهم عبارة، وله التصانيف الكثيرة المنتشرة في الرد على المخالفين من الرافضة، والمعتزلة، والجهمية، والخوارج وغيرهم" مادة التاريخ بغداد (5/379).

--وقال عنه القاضي عياض: " الملقب بشيخ السنة، ولسان الأمة، المتكلم على مذهب المثبتة وأهل الحديث وطريقة أبي الحسن الأشعري" ترتيب المدارك (7/44).

ـ -وقال عنه الذهبي: " الإمام العلامة، أوحد المتكلمين، مقدم الأصولين" وقال: " وكان ثقة إماماً بارعاً صنف في الرد على الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهمية والكرامية وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق، فإنه من نظراته" السير (17/190).

ونقل عن الهمداني قوله: " كان شيخ المالكيين في وقته، وعالم عصره، المرجوع إليه فيما أشكل على غيره، وقال غيره: وإليه انتهت رئاسة المالكين في وقته، وكان حسن الفقه، عظيم الجدل، وكانت له بجامع المنصور ببغداد حلقة عظيمة" ترتيب المدارك (7/45).
[ALIGN=CENTER]
ـ أما رأيه في الصفات فيمكن توضيحه كما يلي:[/ALIGN]

أ ـ يثبت الباقلاني الصفات عموماً ولا يقتصر على إثبات الصفات السبع، ويقسم الصفات إلى صفات ذات وصفات جزائرية فعل فيقول: " صفات ذاته هي التي لم يزل ولا يزال موصوفاً بها، وهي الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والبقاء والوجه والعينان واليدان، والغضب والرضى، وهما الإرادة على ما وصفناه - وهي الرحمة والسخط والولاية والعداوة والحب والإيثار والمشيئة - وإدراكه تعالى لكل جنس يدركه الخلق من الطعوم والروائح والحرارة والبرودة وغير ذلك من المدركات، وصفات جزائرية فعله هي الخلق والرزق، والعدل، والإحسان والتفضل والأنعام، والثواب والعقاب، والحشر والنشر، وكل صفة كان موجوداً قبل فعله لها، غير أن وصفه لنفسه بجميع ذلك قديم، لأنه كلامه الذي هو قوله: إني خالق رازق باسط، وهو تعالى لم يزل متكلماً بكلام غير محدث ولا مخلوق" التمهيد (ص: 262-263).
==

ـ يثبت الصفات الخبرية لله تعالى كالوجه واليدين والعينين، يقول: "وأخبر أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات، كما قال عزوجل كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ( (القصص:88)، وقال: ) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ( (الرحمن:27)، واليدين اللتين نطق بإثباتهما له القرآن في قوله عزوجل: ) بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ( (المائدة:64) ، وقوله: )مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ( (صّ:75)، وإنهما ليستا بجارحتين، ولا ذوي صورة وهيئة، والعينين اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن، وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه السلام، فقال عزوجل: ) وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي( (طـه:39)، ) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ( (القمر:14)،وإن عينه ليست بحاسه من الحواس، ولا تشبه الجوارح والأجناس" (رسالة الحرة (ص: 24).
وفي التمهيد يستدل ببعض هذه الأدلة، ثم يرد على من أول اليدين بالقدرة أو النعمة فيقول: " يقال لهم: هذا باطل، لأنه قوله: " بيدي" يقتضي إثبات يدين هما صفة له، فلو كان المراد بهما القدرة، لوجب أن يكون له قدرتان وأنتم فلا تزعمون أن للباري سبحانه قدرة واحدة، فكيف يجوز أن تثبتوا له قدرتين؟ وقد أجمع المسلمون، من مثبتي الصفات والنافين لها على أنه لا يجوز أن يكون له تعالى قدرتان، فبطل ما قلتم، وكذلك لا يجوز أن يكون الله تعالى خلق آدم بنعمتين؛ لأن نعم الله تعالى على آدم وعلى غيره لا تحصى…" (التمهيد (ص: 259).)، وكلام الباقلاني يدل على أنه في زمنه لم يكن أحد يؤول اليدين بالقدرة إلا المعتزلة، ولهذا قال لهم: "وأنتم لا تزعمون أن للباري قدرة واحدة " ، وعلى ذلك فالتأويل لهذه الصفات - أعني صفة الوجه واليدين والعين - عند الأشعرية جاء بعد الباقلاني.

= = = = =


ـ كما يثبت الباقلاني صفة العلو والاستواء لله تعالى،
ويرد على الذين يؤولون الاستواء بالاستيلاء، وعلى الذين يقولون إن الله في كل مكان، يقول: " فإن قالوا: فهل تقولون إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ لله، بل هومستو على العرش، كما خبرّ في كتاب كامله فقال: ) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ( (طـه:5)، وقال تعالى: )
إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ( (فاطر:10) ، وقال: ) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ( (الملك:16) ، ولو كان في كل مكان لكان في جوف الإنسان وفمه وفي الحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها تعالى عن ذلك، وأوجب أن يزيد بزيادة الأماكي إذا خلق منها ما لم يكن خلقه، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض وإلى وراء ظهورنا وعن أيماننا وشمائلنا، وهذا ما قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله" التمهيد (ص: 260) .

ثم يقول: " ولا يجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو استيلاؤه عليه، كما قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ودم مهراق

لأن الاستيلاء هو القدرة والقهر، والله تعالى لم يزل قادراً قاهراً، عزيزاً مقتدراً، وقوله: )) ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ(لأعراف:54) ، يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن فبطل ما قالوه" التمهيد (ص: 262)،.


وهذا الذي سلكاه هنا هو مذهب أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا

فهل على قول من يدّعي الأشعرية يكون هولاء العلماء مجسمة ومشبهة !!!!!


يتبع لإن شاء الله.




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©