التعريف بالمرجئة
فضيلة الشيخ أبي عاصم الغامدي -حفظه الله تعالى

الحمد لله وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد فهذا مقال في التعريف بالمرجئة أسأل الله ان ينفع به
تعريف المرجئة :

قال البغدادي في كتاب كامله الفرق بين الفرق :

سموا مرجئة لانهم أخروا العمل عن الإيمان والإرجاء بمعنى التأخير يقال : أرجيته وأرجأته اذا أخرته . اهـ

وقال الشهرستاني في كتاب كامله الملل والنحل :

الإرجاء على معنيين :

أحدهما بمعنى : التأخير كما في قوله تعالى ..."قالوا أرجه وأخاه" {سورة الأعراف –الآية: 111}: أي أمهله وأخرهُ .

والثاني :إعطاءُ الرجاء .
أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح، لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد

.وأما بالمعنى الثاني فظاهر ، فإنهم كانوا يقولون ...لاتضر مع الإيمان معصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة ...

وقيل‏:‏الإرجاء‏:‏ تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة فلايقضي عليه بحكم ما في الدنيا‏:‏ من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار‏:‏ فعلىهذا‏:‏ المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان‏.‏

وقيل‏:‏الإرجاء‏:‏ تأخير علي رضي الله عنه عن الدرجة الأولى إلى الرابعة فعلى هذا‏:‏ المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان‏.‏

نشأة بدعةالإرجاء :

قال ابنتيمية رحمه الله : حدث في آخر عصر الخلفاء الراشدين بدعة الخوارج والشيعة، ثم في آخر عصر الصحابة، بدعة المرجئة والقدرية، ثم في آخر عصر التابعين بدعة الجهميةمعطلة الصفات .

وفصل في موضع آخر فقال :

فإن الأمصار الكبار التي سكنها أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وخرج منها العلم والإيمان خمسة‏:‏ الحرمان، والعراقان، والشام، منها خرج القرآن والحديث والفقه والعبادة، وما يتبع ذلك من أمور الإسلام، وخرج من هذه الأمصار بدع أصولية غيرالمدينة النبوية‏.‏
فالكوفة خرج منها التشيع والإرجاء، وانتشر بعد ذلك في غيرها‏.‏
والبصرة خرج منها القدر، والاعتزال، والنسك الفاسد،وانتشر بعد ذلك في غيرها‏.‏ والشام كان بها النصب والقدر‏.‏
وأما التجهم فإنما ظهر من ناحية خراسان، وهو شر البدع‏.‏
وكان ظهور البدع بحسب البعد عن الدار النبوية، فلما حدثت الفرقة بعد مقتل عثمان ظهرتبدعة الحرورية، وتقدم بعقوبتها الشيعة من الأصناف الثلاثة الغالية، حيث حرقهم علي بالنار، والمفضلة حيث تقدم بجلدهم ثمانين، والسبائية حيث توعدهم وطلب أن يعاقب ابنسبأ بالقتل أو بغيره فهرب منه‏.‏ ثم في أواخر عصر الصحابة حدثت القدرية في آخر عصر ابن عمر وابن عباس؛ وجابر؛ وأمثالهم من الصحابة‏.‏ وحدثت المرجئة قريباً من ذلك‏.‏
وأما الجهمية فإنما حدثوا فيأواخر عصر التابعين، بعد موت عمر بن عبد العزيز، وقد روي أنه أنذر بهم، وكان ظهورهم بخراسان في خلافة هشام بن عبد الملك، وقد قتل المسلمون شيخهم الجعد بن درهم قبلذلك، ضحى به خالد بن عبد الله القسري، وقال‏:‏ ‏[‏يا أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم، أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً تعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علواً كبيراً‏]‏، ثم نزل فذبحه‏.‏
وقد روي أن ذلك بلغ الحسن البصري وأمثاله من التابعين فشكروا ذلك‏.‏
وأما المدينة النبوية فكانت سليمة من ظهور هذه البدع،وإن كان بها من هو مضمر لذلك، فكان عندهم مهاناً مذموماً؛ إذ كان بها قوم من القدرية وغيرهم، ولكن كانوا مذمومين مقهورين بخلاف التشيع والإرجاء بالكوفة،والاعتزال وبدع النساك بالبصرة، والنصب بالشام؛ فإنه كان ظاهراً‏.‏ وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ‏(‏إن الدجال لا يدخلها‏)‏ وفي الحكايةالمعروفة أن عمرو بن عبيد، وهو رأس المعتزلة مر بمن كان يناجي سفيان الثوري، ولم يعلم أنه سفيان، فقال عمرو لذلكالرجل‏:‏ من هذا ‏؟‏ فقال‏:‏ هذا سفيان الثوري أوقال‏:‏ من أهل الكوفة، قال‏:‏ لو علمت بذلك لدعوته إلى رأيي ولكن ظننته من هؤلاءالمدنيين الذين يجيئونك من فوق‏.‏
ولم يزل العلم والإيمان بها ظاهراً إلى زمن أصحاب مالك،وهم أهل القرن الرابع؛ حيث أخذ ذلك القرن عن مالك وأهل طبقته كالثوري؛ والأوزاعي؛والليث بن سعد؛ وحماد بن زيد؛ وحماد بن سلمة؛ وسفيان بن عيينة؛ وأمثالهم‏.‏ وهؤلاء أخذوا عن طوائف من التابعين، وأولئك أخذوا عمن أدركوا من الصحابة‏.‏اهـ

من أحدث الإرجاء ؟

قال الخلال : أخبرني محمد بن أبي هارون أن إسحاق حدثهم قال قال أبو عبدالله قال شعبة قلت لحمادبن أبي سليمان هذا الأعمش وزبيد ومنصور حدثونا عن شقيق عن عبدالله عن النبي سبابالمسلم فسوق فأيهم نتهم أنتهم الأعمش أنتهم منصور أنتهم أبا وائل قال إسحاق قلت لأبي عبدالله وأيش أتهم من أبي وائل قال أتهم رأيه الخبيث يعني حماد بن أبي سليمانوقال لي قال ابن عون كان حماد بن أبي سليمان من أصحابنا حتى أحدث ما أحدث قال أحدث الإرجاء . أخرجه ابن هاني في المسائل (كتاب كامل السنة للخلال )

قال شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه الله :

وأنكر حماد بن أبي سليمان ومن اتبعه تفاضل الإيمان ودخول الأعمال فيه والاستثناء فيه، وهؤلاء من مرجئة الفقهاء، وأما إبراهيم النَّخعِيّ ـ إمام أهل الكوفة شيخ حماد بن أبي سليمانـ وأمثاله،ومن قبله من أصحاب ابن مسعود؛ كعلقمة، والأسود فكانوا من أشد الناس مخالفة للمرجئة، وكانوا يستثنون في الإيمان، لكن حماد ابن أبي سليمان خالف سلفه،واتبعه من اتبعه ودخل في هذا طوائف من أهل الكوفة، ومن بعدهم‏.‏
ثم إن السلف والأئمة اشتد إنكارهم على هؤلاء وتبديعهم، وتغليظ القول فيهم، ولم أعلم أحدًا منهم نطق بتكفيرهم،بل هم متفقون على أنهم لا يكفرون في ذلك، وقد نص أحمد وغيره من الأئمة‏:‏ على عدم تكفير هؤلاء المرجئة‏.‏ ومن نقل عن أحمد أو غيره من الأئمة تكفيرًا لهؤلاء، أو جعل هؤلاء من أهل البدع المتنازع في تكفيرهم، فقد غلط غلطًا عظيمًا‏.‏ والمحفوظ عن أحمد وأمثاله من الأئمة إنما هو تكفير الجهمية المشبهة، وأمثال هؤلاء، ولم يكفر أحمد الخوارج ولا القدرية إذا أقروا بالعلم، وأنكروا خلق الأفعال، وعموم المشيئة، لكن حكى عنه في تكفيرهم روايتان‏.‏ وأما المرجئة، فلا يختلف قوله في عدم تكفيرهم . اهـ

وقال أيضا :

وهؤلاء المعروفون ـ مثل حماد بن أبي سليمان وأبي حنيفة وغيرهما من فقهاء الكوفة ـ كانوا يجعلون قول اللسان،واعتقاد القلب من الإيمان، وهو قول أبي محمد بن كلاب وأمثاله، لم يختلف قولهم فيذلك، ولا نقل عنهم أنهم قالوا‏:‏ الإيمان مجرد تصديق القلب‏.‏ لكن هذا القول حكوه عن الجهم بن صفوان، ذكروا أنه قال‏:‏ الإيمان مجرد معرفة القلب، وإن لم يقر بلسانه،واشتد نكيرهم لذلك حتى أطلق وكيع بن الجراح، وأحمد ابن حنبل وغيرهما كفر من قالذلك، فإنه من أقوال الجهمية، وقالوا‏:‏ إن فرعون وإبليس وأبا طالب واليهودوأمثالهم، عرفوا بقلوبهم وجحدوا بألسنتهم، فقد كانوا مؤمنين‏.‏ وذكروا قولالله‏:‏‏{‏وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا‏}‏‏[‏النمل‏:‏14‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُكَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏146‏]‏، وقوله‏:‏‏{‏فَإِنَّهُمْ لاَيُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ‏}‏‏[‏الأنعام‏:‏33‏]‏، وقالوا‏:‏ إبليس لم يكذب خبرًا، ولم يجحد، فإن الله أمره بلارسول، ولكن عصى واستكبر، وكان كافرًا من غير تكذيب في الباطن . اهـ

من هم المرجئة ؟

قال الخلال : أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني قال : سمعت أحمد وقيل له المرجئة من هم ؟ قال : من زعم أن الإيمان قول .

وساق الخلال بسنده عن : صالح إنه سأل أباه : عن من لايرى الإيمان قول وعمل قال هؤلاء المرجئة .

وقال أيضا : أخبرني محمد بن أبي هارون ومحمد بن جعفر أنأبا الحارث حدثهم أنه قال لأبي عبدالله فمن قال الإيمان قول قال من قال الإيمان قول فهو مرجئ قال وسئل أبو عبدالله وأنا أسمع عن الإرجاء ما هو قال من قال الإيمان قول فهو مرجيء والسنة فيه ان تقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وسمعت أبا عبدالله يقول قيل لابن المبارك ترى الإرجاء قال أنا أقول الإيمان قول وعمل وكيف أكون مرجئا .

عظم فتنة المرجئة

ساق الخلال بسنده عن : عن سعيد بن صالح قال سمعت إبراهيم النخعي يقول لفتنة المرجئة على هذاالأمة أخوف عندي من فتنة الأزارقة .

وساق الخلال بسنده عن : أبي بكر المروذي قال سمعت أبا عبدالله يقول قال ابن نمير سمعت سفيان يقول دين محدث دين الإرجاء .

قال الآجري حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال : حدثنا زهير بن محمد المروزي قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن الزهري قال : ما ابتدعت في الإسلام بدعة أضرعلى الملة من هذه يعني : أهل الإرجاء .

وقال أيضا حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال : حدثناهشام بن عمار الدمشقي قال : حدثنا شهاب بن فراس ، عن أبي حمزة الثمالي الأعور قال : قلت لإبراهيم : ما ترى في رأي المرجئة ؟ فقال : أوه ، لفقوا قولاً ، فأنا أخافهم على الأمة ، الشر من أمرهم كثير ، فإياك وإياهم .
وقال : حدثنا أبو نصر محمد بن كردي قال : حدثنا أبو عبدالله - يعني أحمد بن حنبل -قال : حدثنا محمد بن بشر قال : حدثني سعيد بن صالح ، عن حكيم بن جبير قال إبراهيم : المرجئة أخوف عندي على الإسلام عدتهم من الأزارقة .

وقال : وحدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا عبد الله بن نمير قال : سمعت سفيان - وذكر المرجئة - فقال : رأي محدث ،أدركنا الناس على غيره .

وقال : وحدثنا أبو عبد الله قال : حدثنا معاوية بن عمرو قال : حدثنا أبو إسحاق -يعني الفزاري - قال : قال الأوزاعي : قد كان يحيى و قتادة يقولان : ليس من الأهواء شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء .

وقال : وحدثنا أبو عبد اللهقال : حدثنا عبد الله بن نمير ، عن جعفر الأحمر قال : قال منصور بن المعتمر في شيء : لا أقول كما قالت المرجئة الضالة المبتدعة .

وقال : وحدثنا أبو عبد الله قال : وحدثنا حجاج قال : سمعت شريكاً - وذكر المرجئة - قال : هم أخبث قوم ، وحسبك بالرافضة خبثاً ، ولكن المرجئة يكذبون على الله عز وجل .

أصناف المرجئة :

قال البغدادي في كتاب كامله الفرق بين الفرق [1]: وأما المرجئة فثلاثة اصناف:

صنفمنهم قالوا بالإرجاء في الايمان وبالقدر على مذاهب القدرية فهم معدودون في القدريةوالمرجئة كأبي شمر المرجىء ومحمد بن شبيب البصرى والخالدى.

وصنف منهم قالوا بالإرجاء في الايمان ومالوا الى قول جهم في الأعمال والأكساب فهم من جملة الجهمية والمرجئة.

وصنف منهم خالصة في الإرجاء من غير قدر وهم خمس فرق يونسية و غسانية و ثوبانية وتومنية و مريسية.

وأما النجارية فانها اليوم بالري أكثر من عشر فرق ومرجعها في الأصل الى ثلاث فرق برغونية و زعفرانية و مستدركة.

وأما البكرية والضرارية فكل واحدة منها فرقة واحدة ليس لها تبع كثير والجهمية أيضا فرقة

والكرامية بخراسان ثلاث فرق حقاقية وطرائقية وإسحاقية لكن هذه الفرق الثلاث منها لا يكفر بعضها بعضا فعددناها كلها فرقة واحدة. اهـ بلفظه

قال ابن تيمية رحمه الله :

والمرجئة ثلاثة أصناف‏:‏

القول الأول:الذين يقولون‏:‏الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب وهم أكثر فرق المرجئة،كما قد ذكر أبو الحسن الأشعري أقوالهم في كتاب كامله، وذكر فرقاً كثيرة يطول ذكرهم، لكن ذكرنا جمل أقوالهم ومنهم من لا يدخلها في الإيمان كجهم ومن اتبعه كالصالحي، وهذا الذي نصره هو و أكثر أصحابه‏.‏

والقول الثاني‏:‏من يقول‏:‏ هو مجرد قول اللسان، وهذا لا يعرف لأحد قبل الكَرَّامية‏.‏

والقول الثالث‏:‏تصديق القلب وقول اللسان، وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم .

المرجئة الغلاة

قال ابن حزم في كتاب كامله الفصل في الملل والنحل:

غلاة المرجئية طائفتان :

إحداهما : الطائفة القائلة بأن الإيمان قول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن عند الله عز وجل ..من أهل الجنة وهذا قول محمد ابن كرام السجستاني وأصحابه وهو بخراسان وبيت المقدس .

والثانية: الطائفة القائلة أن الإيمان عقد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه بلا تقية وعبد الأوثان أو لزم اليهودية أو النصرانية في دار الإسلام وعبد الصليب وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل ... من أهل الجنة وهذا قول أبي محرز جهم بن صفوان السمرقندي مولى بني راسبكاتب الحارث بن سريج التميمي أيام قيامه على نصر بن سيار بخراسان وقول أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي اليسر الأشعري البصري وأصحابهما فأما الجهمية فبخراسان وأما الأشعرية فكانوا ببغداد والبصرة ثم قامت له سوق بصقلية والقيروان والأندلس ثم رق أمرهم والحمد لله رب العالمين . اهـ

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وغالية المرجئة أنكرت عقاب أحد من أهل القبلة‏.‏

وقال أيضا :

غالية المرجئةـ‏يقولون -:‏ إن الوعيد الذي جاءت به الكتب الإلهية إنما هو تخويف للناس لتنزجر عما نهيت عنه من غير أن يكون له حقيقة، بمنزلة ما يخوف العقلاء الصبيان والبُلْهَ بما لا حقيقة له لتأديبهم، وبمنزلة مخادعة المحارب لعدوه إذا أوهمه أمرًا يخافه لينزجر عنه، أو ليتمكن هو من عدوه، وغير ذلك‏.‏ الفتاوى

ومن عقائدهم أيضا –من أقوال شيخ الإسلام في كتبه - :

- الإيمان لايتفاضل ولايتبعض عندهم . قال ابن تيمية : وأصل قول أهل السنة الذي فارقوا به الخوارج والجهمية والمعتزلة والمرجئة‏:‏ أن الإيمان يتفاضل ويتبعض، كما قال النبي صلى اللهعليه وسلم‏:‏ ‏(‏يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان‏)‏ وحينئذ فتتفاضل ولاية الله وتتبعض بحسب ذلك‏.‏

وقال رحمه الله في موضع آخر : وقالت المرجئة،والجهمية‏:‏ ليس الإيمان إلا شيئًا واحدًا لا يتبعض، إما مجرد تصديق القلب كقول الجهمية أو تصديق القلب واللسان كقول المرجئة قالوا‏:‏ لأنا إذا أدخلنا فيه الأعمال صارت جزءًا منه، فإذا ذهبت ذهب بعضه، فيلزم إخراج ذي الكبيرة من الإيمان، وهو قول المعتزلة والخوارج ...

-إيمان الفساق –عندهم -مثل إيمان الأنبياء .

- والأعمال الصالحة ليست من الدين والإيمان .

- ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية‏.‏

-‏[‏المرجئة الواقفة‏]‏ الذين يقولون‏:‏ لا ندري هل يدخل من أهل التوحيد النار أحد، أم لا‏؟‏‏!‏

- غلاة المرجئة أنهم قالوا‏:‏ لن يدخل النار من أهل التوحيد أحد .

قال ابن تيمية : وأما ما يذكر عن غلاة المرجئة أنهم قالوا‏:‏ لن يدخل النار من أهل التوحيد أحد،فلا نعرف قائلاً مشهورًا من المنسوبين إلى العلم يذكر عنه هذاالقول‏.

- وقالت المرجئة والمعتزلة‏:‏ لا يجوز الاستثناء فيه –أي : الإيمان - بل هو شك .

-إيمانهم –الناس- باق كماكان لم ينقص بناء على أن الإيمان هو مجرد التصديق والاعتقاد الجازم وهو لم يتغير وإنما نقصت شرائع الإسلام وهذا قول المرجئة والجهمية ومن سلك سبيلهم وهو أيضا قول مخالف للكتاب كامل والسنة وإجماع السابقين والتابعين لهم بإحسان‏.‏ قال الله تعالى‏:‏‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ‏}‏ ‏[‏الحجرات‏:‏15‏]‏ .

قول أهل السنة في مسائل الإيمان

مما قاله شيخ الإسلام رحمه الله :

-أجمع السلف أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ومعنى ذلك أنه قول القلب وعمل القلب ثم قول اللسان وعمل الجوارح‏.

-ومن أصول أهل السنة‏:‏ أن الدين والإيمان قول وعمل؛ قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية‏.‏ وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر، كما يفعله الخوارج، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، كما قال ـ سبحانه وتعالى ـ في آية القصاص‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 178‏]‏،وقال‏:‏ ‏{‏وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ‏}‏‏[‏الحجرات‏:‏9، 10‏]‏‏.‏

-ولا يسلبون الفاسق المِلِّيّ ‏اسم الإيمان بالكلية ولايخلدونه في النار، كما تقوله المعتزلة، بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان في مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏92‏]‏‏.‏وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏2‏]‏، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يزنى الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نُهْبةً ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن‏)‏‏.‏ ويقولون‏:‏ هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم‏.


-والمأثور عن الصحابة، وأئمة التابعين، وجمهور السلف، وهو مذهب أهل الحديث، وهو المنسوب إلى أهل السنة‏:‏ أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأنه يجوز الاستثناء فيه وربما قال بعضهم وكثير من المتأخرين‏:‏ قول وعمل ونية، وربما قال آخر‏:‏ قول وعمل ونية واتباع السنة، وربما قال‏:‏ قول باللسان، واعتقاد بالجنان،وعمل بالأركان، أي بالجوارح‏.‏

-وأصل قول أهل السنة الذي فارقوا به الخوارج والجهمية والمعتزلة والمرجئة‏:‏ أن الإيمان يتفاضل ويتبعض فيؤمن أهل السنة والجماعة بأن فساق المسلمين معهم بعض الإيمان وأصله، وليس معهم جميع الإيمان الواجب الذي يستوجبون به الجنة، وأنهم لا يخلدون في النار، بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان،أو مثقال خردلة من إيمان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ادخر شفاعته لأهل الكبائر من أمته‏.

-يجعلون –أي أهل السنة -الإيمان قولا وعملا بالباطن والظاهر الإيمان بعضه أفضل من بعض والمؤمنون فيهم تفاضلون تفاضلا عظيما وهم عند الله درجات كما أن أولئك دركات فالمقتصدون في الإيمان أفضل من ظالمي أنفسهم والسابقون بالخيرات أفضل من المقتصدين ‏{‏لاَّيَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ‏}‏‏[‏النساء‏:‏ 95‏]‏ الآيات ‏{‏أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِيسَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 19‏]‏‏.‏

-ويستحمدون –أي: أهل السنة - بما خالفوا فيه المرجئة من إدخال الواجبات في الإيمان

‏-‏الاستثناء في الإيمان سنة‏ ‏ عند أصحابنا وأكثر أهل السنة .

توضيح مختصر لانقسام الناس في الإستثناء :

قال شيخ الإسلام :

وصار الناس في الاستثناء على ثلاثة أقوال‏:‏
قول‏:‏إنه يجب الاستثناء، ومن لم يستثن كان مبتدعًا‏.‏
وقول‏:‏إن الاستثناء محظور؛ فإنه يقتضى الشك في الإيمان‏.‏
والقول الثالث ـ أوسطها وأعدلهاـ‏:‏ أنه يجوز الاستثناء باعتبار، وتركه باعتبار؛ فإذا كان مقصوده أنى لا أعلم أنيقائم بكل ما أوجب اللّه علي، وأنه يقبل أعمالي، ليس مقصوده الشك فيما في قلبه، فهذا استثناؤه حسن وقصده ألا يزكي نفسه، وألا يقطع بأنه عمل عملاً كما أمر فقبل منه،والذنوب كثيرة، والنفاق مخوف على عامة الناس‏.‏

قال أبو عاصم : وأخيرا فإني أحمد الله تعالى على مامن به علي من إتمام هذا البحث والله ولي التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم .

ــــــــــ
(1)يتنبه حال قراءة طالب العلم كتب الفرق أو الأخذ عنها حين يقوم بدراسة فرقة ما فيحذر مما فيها من البدع والأهواء المضلة –عياذا بالله – كمقالات الأشعري والفرق بين الفرق للبغدادي والملل والنحل للشهرستاني والفصل في الملل والنحل لابن حزم ونحوها .






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©