ان أهَمّ ما في حياةِ الإمام أبي عبد الله أحمدَ بنِ حَنبل رضي الله عنه مَنهَجُه في العقيدةِ والتزامُه نَهج الكتاب كاملِ والسّنة وما عليهِ سَلفُ الأمّة:
- في توحيدِ الله وتنـزيهِه عن الجِسم والمكانِ والجِهةِ والحَركةِ والسّكُون، فقد نقلَ الإمامُ أبو الفَضْل التّمِيميّ الحَنبَليّ في كتاب كامل " اعتقاد الإمام أحمد ص 38 " عن الإمام أحمدَ أنّهُ قال :"واللهُ تَعالى لا يَلحَقُه تغَيُّر ولا تبَدُّلٌ ولا تَلحَقُه الحدودُ قَبلَ خَلقِ العَرش ولا بَعدَ خَلقِ العَرش ، وكانَ يُنكر- الإمام أحمد – على مَن يقولُ إنّ اللهَ في كُلِّ مَكانٍ بذاتِه لأنّ الأمكِنَةَ كُلَّها محدُودةٌ ".
ونقَل أبو الفَضلِ التّمِيميّ رئيسُ الحنابلة ببغدادَ وابنُ رئيسِها في كتاب كامل ‏‏(اعتقاد الإمام أحمد ص/45‏) عن أحمد قال: "وأنكَر أحمدُ على مَن يقُولُ بالجِسم وقال: إنّ الأسماءَ مأخُوذةٌ مِنَ الشّريعةِ واللّغة، وأهلُ اللّغةِ وضَعُوا هذا ‏الاسمَ على ذِي طُولٍ وعَرْضٍ وسَمْكٍ وتَركِيبٍ وصُورَةٍ وتَأليفٍ واللهُ تَعالى خارجٌ عن ذلكَ كُلِّهِ، فلَم يَجُز أن يُسَمَّى ‏جِسمًا لخرُوجِه عن معنى الجِسمِيّة، ولم يجِىءْ في الشّريعةِ ذلكَ فبَطَل" اهـ ونقله الحافظُ البيهقيّ عنه في مناقب ‏أحمد وغيرُه.‏
وبَيّنَ الإمامُ الحافظُ ابنُ الجَوزي الحنبلي في كتاب كامله "دفع شُبَه التّشبِيه ص 56 " براءةَ أهلِ السّنة عامّة والإمام أحمد خاصّة مِن عقيدةِ الـمجسِّمة وقال: " كانَ أحمدُ لا يقولُ بالجِهةِ للبارئ "
وذَكَر القاضي بَدرُ الدِّين بنُ جمَاعة في كتاب كامله " إيضاحُ الدّليل في قَطْع حُجَج أهلِ التّعطيل ص108 " أنّّ الإمام أحمدَ لا يقولُ بالجِهة للبَارئ.اهـ
ونَقَل الإمامُ الحافظُ العِراقيّ والإمامُ القَرَافيّ والشيخ ابنُ حَجر الهيتَمي(1) ومُلا عليّ القَاري(2) ومحمد زاهِد الكَوثَري(3) وغيرهم(4) عن الأئمةِ الأربعَةِِ هُداة الأمّة الشافعي(5) ومالك وأحمد وأبي حنيفةَ رضي الله عنهم القَول بتَكفير القائلِينَ بالجِهة والتّجسِيم".
بل نقَل صاحبُ الخِصال مِنَ الحنابلةِ عن أحمدَ أنّه قال بتكفيرِ مَن قال: " اللهُ جِسمٌ لا كالأجسام "(6).
وعِبارتُه المشهورةُ التي رواها عنه أبو الفَضل التّميمي الحنبلي " مهمَا تصَوّرتَ ببالِك فالله بخلافِ ذلك " دليلٌ على نَصاعَةِ عَقيدتِه وأنّه على عقيدةِ التّنـزيه.
-كذلكَ أوّلَ الإمامُ أحمد الآياتِ المتشَابِـهات في الصِّفات فقَد رَوى الحافظُ البَيهقي عن الحاكم عن أبي عمرو بنِ السّماك عن حَنبل أن أحمدَ بن حنبل تأوّلَ قولَ الله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ} أنه: جاءَ ثوابُه. ثم قال البيهقي: وهَذا إسنادٌ لا غُبارَ عَليه. ونقلَ ذلك ابنُ كثير في مادة التاريخه (10/327).
وفي روايةٍ نقلَها البيهقي في كتاب كامل"مناقِب أحمد" أنّ الإمام قال: "جاءَت قُدرَتُه" أي أثَرٌ مِن ءاثارِ قُدرتِه، ثم قال الحافظ البيهقي: "وفيه دليلٌ على أنّهُ كانَ لا يَعتقدُ في الـمجيء الذي ورَدَ بهِ الكتاب كاملُ والنّـزولِ الذي ورَدَت به السُّنةُ انتِقالا مِن مَكانٍ إلى مكانٍ كمجيء ذواتِ الأجسام ونزُولِـها وإنما هو عبارةٌ عن ظهُورِ ءاياتِ قُدرتِه"اهـ
وفي الفُتوحات الرّبّانية على الأذكار النّووية للعَالِم المفَسّر محمد بنِ عَلاّن الصِّدّيقي الشّافعي الأشعري المكّي المتوفّى سنة أولى057هـ في باب الحَثّ على الدّعاء والاستغفار في النِّصف الثاني مِن كلّ ليلة 2/196 ما نصّه: وأنّه تعالى مُنـزّه عن الجِهة والمكان والجِسم وسائر أوصافِ الحدوث، وهذا معتقَدُ أهلِ الحقّ ومنهُم الإمام أحمد وما نسَبَه إليهِ بعضُهم مِنَ القَولِ بالجهة أو نحوِها كذِبٌ صُرَاح عليه وعلى أصحابِه المتقَدِّمين كما أفادَه ابنُ الجَوزي مِن أكابِر الحنابلة .انتهى بحروفِه.
وذكَر الحافظُ ابنُ عسَاكِر رحمه الله تعالى في تبيِيْنِ كذِب المفتَري فيما نُسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري صحيفة 164: ذكَرَ ابنُ شاهِين قال: رجُلانِ صَالحانِ بُلِيا بأصحابِ سُوء، جعفر بنُ محمد، وأحمدُ بنُ حَنبل.اهـ
وفي الفتاوى الحديثيةِ لابنِ حَجر الهيتمي المتوفّى سنة 973هـ ص/144: عقيدةُ إمام السُنّةِ أحمدَ بنِ حَنبل: هي عقيدةُ أهلِ السُنّة والجماعةِ مِنَ المبالغةِ التامّة في تنـزيهِ الله تعالى عمّا يقولُ الظّالمون والجاحِدُون عُلُوّا كبيرًا مِنَ الجهةِ والجِسميّةِ وغيرِهما مِن سائر سِماتِ النّقص بل وعن كلِّ وَصْفٍ ليسَ فيه كمالٌ مُطْلق، وما اشتُهِرَ بينَ جَهلةِ المنسُوبين إلى هذا الإمام الأعظَم الـمجتهدِ مِنْ أنّه قائل بشَىءٍ مِنَ الجِهة أو نحوِها فكَذِبٌ وبُـهتَان وافتراءٌ عليهِ فلَعَنَ اللهُ مَنْ نسَبَ ذلكَ إليه أو رمَاهُ بشَىء مِن هذه المثالِب التي برّأهُ الله منها" اهـ




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©