قال الامام احمد بن حنبل:
يحكي عن قدومه على المعتصم العباسي - غفر الله له - :


قال لي : يعني المعتصم : أدنه أدنه , فلم يزل يدنيني حتى قربت منه ثم قال لي : اجلس , فجلست ثم دعاني إلى البدعة , وطال الكلام بيننا .


قال أحمد : ولما كانت الليلة الثالثة , طلبت من بعض الموكلين بي خيطاً فشددت به الأقياد , ورددت التكة إلى سراولي , قلت : خليق أن يحدث غداً من أمري شىء , فأتوا , فأدخلت في الغد داراً غاصاً بالناس ثم إلى أخرى , ثم إلى أخرى , فإذا هناك قوم معهم السيوف , وقوم معهم السياط , وغير ذلك فجعلوا صوتي يعلو أصواتهم , ثم أمر المعتصم فسحبت ثم خلعت , فوجودا في كمي شيئاً فيه شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأخبرتهم به فأراد القوم حرق قميصي , فمنع المعتصم , فنزعوه لذلك الشعر , ثم جيء بالعقابين والسياط .



قيل فلما رأى المعتصم ثبوته وصلابته في أمره , لان في أمره , حتى أغراه ابن أبي دؤاد , وقال : إن تركته قيل إنك تركت مذهب المأمون وسخط قوله , فهاجه ذلك على ضربه , فضربه السيَّاط سوطين ثم يتنحى ويتقدم الآخر ويضربه سوطين , كل ذلك يقول أحمد : شد قطع الله يدك , وهكذا حتى ضربوا تسعة عشر سوطاً .


فقام المعتصم , فقال : يا أحمد علام تقتل نفسك إني والله عليك لشفيق , وجعل بعض الناس يقول أتريد أن تغلب هؤلاء كلهم , ويقول البعض : من صنع من أصحابك في هذا الأمر ما تصنع , وقال بعضهم : اقتله يا أمير المؤمنين , دمه في عنقي , كل ذلك يقول أحمد : أعطوني شيئاً من كتاب كامل الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , فرجع المعتصم وجلس وقال للجلاد : تقدم وأوجع قطع الله يدك ثم قام الثانية , فجعل يقول : ويحك يا أحمد أجبني , قال : فقلت يا أمير المؤمنين , أعطوني شيئاً من كتاب كامل الله فرجع وقال للجلادين : تقدموا , فجعل الجلاد يتقدم ويضربه سوطين ويتنحى وفي خلال ذلك يقول المعتصم : شد قطع الله يدك


قال ابنه صالح : قال أبي : فذهب عقلي , فأفقت بعد ذلك , فإذا الأقياد قد أطلقت عني , واتوني بسويق , فقيل لي اشرب وتقيأ , فقلت : لا أفطر , ثم جيء بي إلى دار إسحاق بن إبراهيم , فحضرت صلاة الظهر , فتقدم ابن سماعة وصلى , فلما انفتل من الصلاة , قال : صليت والدم يسيل في ثوبك , فقلت : قد صلى عمر وجرحه يثعب دماً .


قال ابنه صالح : ثم خلي عن أبي , فصار إلى منزله , وكان مكثه في السجن وضربه إلى أن خلي عنه ثمانية وعشرين شهراً .


وروي أنه لما ضرب سوطاً قال : بسم الله , فلما ضرب الثاني قال : لا حول ولا قوة إلا بالله , فلما ضرب الثالثة قال : القرءان كلام الله غير مخلوق , فلما ضرب الرابعة قال : قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا , فضربه تسعة وعشرين سوطاً .


قال ميمون : فدخلت إليه بعد سبعة أيام فقلت : يا أبا عبد الله رأيتك يوم ضربوك قد انحل سراويلك فرفعت طرفك نحو السماء ورأيتك تحرك شفتيك فأي شىء قلت ؟ قال : قلت : اللهم اني أسألك باسمك الذي ملأت به العرش ان كنت تعلم اني على الصواب فلا تهتك لي ستراً .


وعن أحمد بن الفرج أنه سأله عن ذلك فقال قلت إلهي وسيدي وقفتني هذا الموقف فتهتكني على رؤوس الخلائق فعاد السراويل كما كان .

وعن إبراهيم بن إسحاق الأنصاري قال سمعت بعض الجلادين يقول : والله لقد ضربته ضرباً لو أبرك لي بعير فضربته ذلك الضرب لنقبت عن جوفه .


وعن حمد بن اسماعيل بن أبي سمينة قال سمعت شاباص الثابت يقول : لقد ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطاً , لو ضربته فيلاً لهدته .



وروى أنه كان كلما ضرب سوطاً أبرأ ذمة المعتصم , فسئل فقال : كرهت أن آتي يوم القيامة فيقال : هذا غريم ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم أو رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فهذا مختصر من حال الإمام أحمد في المحنة .


وأما الأستاذ أحمد بن نصر الخزاعي ذو الجنان واللسان , والثبات عند اضطراب المهند والسنان كان شيخنا جليلا قوالاً بالحق , أماراً بالمعروف نهاء , عن المنكر , وكان من أولاد الأمراء , وكانت محنته على يد الواثق , قال له ما تقول في القرءان قال كلام الله , واصر على ذلك غير متلعثم , فقال بعض الحاضرين : هو حلال الدم .


فقال ابن أبي دؤاد : يا أمير المؤمنين شيخ مختل لعل به عاهة وتغير عقل , يؤخر أمره ويستتاب ؟


فقال الواثق : ما أراه مؤذناً للكفرة , قائماً بما يعتقده منه , ثم دعا بالصمصامة , وقال : إذا قمت إليه فلا يقومه أحد معي , فإني أحتسب خطئي إلى هذا الكافر الذي يعبد رباً لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه وأمرهم أن يمدوه , ومشى اليه فضرب عنقه , وامر بحبل الى بغداد ونصب بالجانب الشرقي اياماً وفي الجانب الغربي أياماً , وتتبع رؤوس أصحابه فسجنوا .


قال الحسن بن محمد الحربي : سمعت جعفر بن محمد الصائغ يقول : رأيت رأس أحمد بن نصر بعد ضرب عنقه يقول لا إله إلا الله .


روي عن أبي العباس بن سعيد يقول : لم يصبر في المحنة إلا أربعة كلهم من أهل مرو : أحمد بن حنبل , وأحمد بن نصر الخزاعي المضروب عنقه , ومحمد بن نوح بن ميمون المضروب , ونعيم بن حماد قد مات في سجن مقيدا .


وهذه نسخة الرقعة المعلقة في اذن أحمد بن نصر بن مالك :


بسم الله الرحمن الرحيم . هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك , دعاه عبد الله الإمام هارون , وهو الواثق بالله أمير المؤمنين , إلى القول بخلق القرءان ونفي التشبيه , فأبى إلا المعاندة , فجعله الله إلى ناره وكتب محمد بن عبد الملك .

ومات محمد بن نوح في فتنة المأمون , والمعتصم ضرب أحمد بن حنبل والواثق قتل أحمد بن نصر بن مالك , وكذلك نعيم بن حماد




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©