توحيد العقيدة , هو السبيل لتوحيد الكلمة ,وتحقيق النصر



الحمد لله ربِّ العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين .

الناظر إلى واقع المسلمين المرير , مِن اختلاف عقائدهم , و مناهجهم , و تناقضهم علمياً , و عملياً ,
و هذا مِن المصائب الكبرى , عندما نرى هذا فيمَن يتصدَّر للتعليم و الدعوة, فكيف
بهم و هم يدعون الناس إلى معرفة ربهم ,
و هم لا يعرفـونه , و يصحِّحون عقائدهم ,و هم أحوج الناس إلى تصحيح نمذجي مفصل عقائدهم .




فيجب على الإنسان أن يعرف عقيدته,و يَعْلمها علماً صحيحاً , و يعتقدها و يفهمها على منهج السلف الصالح
كما فهـمها الصحابـة – رضي الله عنهم – و التابعون , و مَن سار على دربهم إلى يوم الدين ,
و هذا أهم المُهمات , و أوجب الواجبات في الدين .




قال الإمام أبو حنيفة – رحمه الله -:" الفقه في الدين أفضل مِن الفقه في العلم "


( الفقه الأكبر ص 5 )


أراد بالدين التوحيد , و أراد بالعلم الالشريعة الاسلامية , على هذا المنهج سار علماء الإسلام و أئمته ,
في سائر أحوالهم , و درج عليه المحققون مِن أهل العلم , و ذلك لأهمية التوحيد.




و إذا تأملت سورة الفاتحة لوجدتَّها تشتمل على أنواع التوحيد الثلاثة ,
فهي اشتملت على التعريف بالمعبود تبارك و تعالى , و التعريف بأسمائه و صفاته ,
و التعريف بربوبيته و بألوهيته و إثبات البعث و الجزاء و اليوم الآخر .


و النبي – صلى الله عليه و سلم – مكث ثلاث عشرة سنة في مكة يعلِّم الناس التوحيد ,
و يصحِّح عقائدهم , لأنّ الحياة الإسلامية لا يمكن أن تستقيم إلا بعد تصحيح نمذجي مفصل العقيدة.




و الناظر إلى واقع العرب في الجاهلية, لوجد أنَّ معظم الشرور و النكبات و الجور و الظلم الذي أصابهم
إنما هو بسبب ابتعادهم عن دين الله ,
و انتكاس العقيدة في نفوسهم , وهذا الخلل و الانتكاس في العقيدة ,
مازلنا نعاني منه في هذا العصر , فحالنا شبيه بحالهم .




قال شيخنا الألباني – رحمه الله - :" إنَّ هذا الواقع الأليم ليس شراً ,
مما كان عليه واقع العرب في الجاهلية ,حينما بُعِث إليهم نبينا محمد – صلى الله عليه و سلم –
لوجود الرسالة بيننا و كمالها , ووجود الطائفة الظاهرة على الحق , و التي تهدي به
و تدعو الناس للإسلام الصحيح , عقيدة ,وعبادة, و سلوكا ,و منهجا ,
و لا شك بأنَّ واقع أؤلئك العرب في عصر الجاهلية ,
مماثل لما عليه كثير مِن طوائف المسلمين اليوم , بناءً على ذلك نقول : العلاج هو ذاك العلاج ,
و الدواء هو ذاك الدواء , فبمثل ما عالج النبي – صلى الله عليه و سلم – تلك الجاهلية الأولى ,
فعلى الدعاة , الإسلاميين جميعهم أنْ يعالجوا سوء الفهم لمعنى " لا اله إلا الله " ,
و يعالجوا واقعهم الأليم , بذلك العلاج و الدواء نفسه "



( التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام ص 7 – 8 )


فنحن بحاجة ماسة إلى توحيد العقيدة قبل توحيد الكلمة , و إلا كيف تتوحد كلمتنا و عقيدتنا متفرقة؟ ,
و كيف يتحقق هذا الدين في واقعنا , و لم يتحقق التوحيد في نفوسنا؟ , و كيف نحلُّ مشاكلنا ,
و نحن على حالنا هذا ؟
, فإذا أردنا الحق فلابدَّ مِن الرجوع إلى أصل الاعتقاد ,
و هذا منهج الأنبياء و الرسل في دعوتهم لأقوامهم .




قال تعالى :" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ "


(36 سورة النحل)

و قال تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ"


(25 سورة الأنبياء )

فهذا نوح – عليه السلام – قال لقومه :"
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ"
(59سورة الأعراف)


و هذا هود - عليه السلام – قال لقومه :"
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ "


(65سورة الأعراف)

و هذا صالح – عليه السلام قال لقومه :"
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ "



(73سورة الأعراف)

و هذا شعيب – عليه السلام – قال لقومه :"
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ "



(85سورة الأعراف)

و هذا نبينا محمد – صلى الله عليه و سلم – قال لقومه:"
يا قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ,قولوا لا إله إلا الله تملكوا العرب و العجم "




بهذا نعلم مكانة "لا إله إلا الله " في الدين , و أهميتها في الحياة ,
و أنها أول واجب على العباد , لأنها الأساس الذي تُبنى عليه جميع العبادات ,
و الأعمال ,و الأقوال , فكيف يقبل الله – عزَّ و جلَّ – مِن مشرك عمل أو قول أو عبادة ؟ .


و لهذا أرسل النبي – صلى الله عليه و سلم – معاذاً إلى اليمن لدعوة أهل الكتاب كامل إلى التوحيد أولاً ,
فقال :" ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أنَّ لا إله إلا الله و أني رسول الله , فإنْ هم أطاعوك لذلك ... " الحديث



( متفق عليه )


فإلي الذين يسعون إلى توحيد الكلمة ,
و تقوية روابط الأخُوّة ضد أعداء الله , نقول هذا مطلب حسن ,
لكن هل يمكن أن تتوحد كلمة المسلمين على غير التوحيد ؟
و هل تقوم للمسلمين قائمة على غير التوحيد ؟
و هل يمكن تقوية روابط الأخوة على غير التوحيد ؟




و كل الروابط التي أُقيمت على غير التوحيد سرعان ما تنهار أمام أول زوبعة مِن زوابع
هذه الدنيا الفانية المملوءة بالفتن , و المحن و الابتلاءات , و الواقع يشهد بذلك .
و كل هذا لوجود الخلل في العقيدة , الذي أدى إلى التفرق و التمزق , و التشرذم و التكتل بين المسلمين .


قال شيخنا الألباني – رحمه الله - :" و لهذا أنا أقول اليوم : لا فائدة مطلقاً مِن تكتيل المسلمين ,
و مِن تجميعهم , ثم تركهم في ضلالهم , دون فهم هذه الكلمة الطيبة ,
" لا إله إلا الله " و هذا لا يفيدهم في الدنيا قبل الآخرة . "



( التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام ص 17 )


إنَّ العقيدة الصحيحة التي يعتقدها المسلمون في نفوسهم , و أذهانهم , هي الضمان الوحيد
ضد الفُرقة و الانقسام , و هي صمَّام الأمان مِن أمراض الشرك و النفاق ,
و هي الوسيلة الأولى لتوحيد الكلمة و تحقيق الأخوة الإيمانية .


و لا يمكن أنْ نعود إلى عزِّ أسلافنا و مجدهم إلا بالتوحيد , و لا يمكن أن يتحقق النصر
و الأمن و الأمان إلا بالتوحيد ,
و لكن كم مِن المسلمين يحقق معنى " لا إله إلا الله " قولاً و اعتقاداً و عملاً ؟
و كم من المسلمين يحقق معنى " محمد رسول الله " متابعة له ,
لكن المصيبة هناك مَنْ تصدَّر للتعليم و الدعوة مَنْ أهمل هذا الجانب .




إنَّ شبابنا اليوم أحوج ما يكونون إلى تصحيح نمذجي مفصل عقائدهم , و توضيح معناها الحقيقي ,
بلا غموض و لا نقص , و لا تناقض , و لا خلل , و لا يكفي المصطلحات العامة ,
فلابد مِن التفصيل , و التوضيح , حتى يخرج شبابنا مِن الحيْرة التي تتخبطهم ,
و التيارات المتضاربة و الأفكار الهدامة .


قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله
فمَن علم بما جاء به الرسل , و آمن به إيماناً مفصلاً و عمل به ,
فهو أكمل إيماناً وولايةً لله , مِمَّن لم يعلم ذلك مفصلاً و لم يعمل به , و كلاهما وليُّ لله "


( الفرقان بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان ص 20 )

قال الشيخ ابن باز – رحمه الله - :" فالواجب على أهل العلم في كل مكان أن يوضِّحوا للناس دينهم ,
و أن يبيِّنوا لهم حقيقة التوحيد , و حقيقة الشرك , كما يجب على أهل العلم أن يوضِّحوا
للناس وسائل الشرك و أنواع البدع الواقعة بينهم , حتى يحذروها "


( فتاوى مهمة تتعلق بالعقيدة ص 7 – 8 )

و قال – رحمه الله - :" فالواجب على جميع المسلمين , حكومات و شعوباً , الحذر
مِن هذا الشرك , و مِن هذه البدع , و سؤال أهل العلم المعروفين بالعقيدة الصحيحة ,
و السيّْر على منهج سلف الأمة , عما أشكل عليهم مِن أمور دينهم , حتى يعبدوا الله على بصيرة "


( المصدر نفسه ص 16 )

قال شيخنا الألباني – رحمه الله – حول سؤال النبي – صلى الله عليه و سلم –
للجارية , أين الله :" واليوم أقول لا يوجد شيء مِن هذا البيان و الوضوح بين المسلمين ,
لو سألتَ – لا أقول راعية الغنم - , بل – راعي الأمة – أو جماعة , فإنَّه قد يَحار في الجواب ,
كما يَحار الكثيرون اليوم , إلا مَن رحم ربي , و قليل ما هم.


إذاً , فالدعوة إلى التوحيد و تثبيتها في قلوب الناس
تقتضي منّا ألا نمرّ بالآيات دون تفصيل , كما في العهد الأول "


( التوحيد أولاً يا دعاة الإسلام ص 29 )


فبهذا المنهج الربَّاني الذي قام به الأنبيـاء و الرسـل في دعوتهم , نستطيع أن نصحّح عقيدتنا ,
و عبادتنا , و سلوكنا , ومنهجـنا ,و أنْ نوحِّدَ كلمتنا , و يتحقق نصرنا على أعدائنا بإذن ربِّنا .




و آخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين

كتبه


سمير المبحوح


شبكة الآجري





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©