بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أركان الإيمان

وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره .
________________________________________


الشرح مفصل :

(وهو) أي : اعتقاد الفرقة الناجية (الإيمان) الإيمان معناه لغة : التصديق . قال الله تعالى في الآية (17) من سورة يوسف : وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا أي : مصدق . وتعريفه شرعا : أنه قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح .



وقوله : (بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والإيمان بالقدر خيره وشره) هذه هي أركان الإيمان الستة التي لا يصح إيمان أحد إلا إذا آمن بها جميعا على الوجه الصحيح الذي دل عليه الكتاب كامل والسنة وهذه الأركان هي :

الإيمان بصفات الله
من شرح مفصل العقيدة الواسطية للعلامة صالح الفوزان - حفظه الله

الإيمان بصفاته التي وصف نفسه بها في كتاب كامله أو وصفه بها رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه

ومن الإيمان بالله الإيمان بما وصف به نفسه في كتاب كامله ووصفه به رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل .
________________________________________

الشرح مفصل :

بعد ما ذكر المصنف رحمه الله الأصول التي يجب الإيمان بها مجملة شرع يذكرها على سبيل التفصيل وبدأ بالأصل الأول وهو الإيمان بالله تعالى فذكر أنه يدخل فيه الإيمان بصفاته التي وصف نفسه بها في كتاب كامله أو وصفه بها رسوله في سنته ، وذلك بأن نثبتها له كما جاءت في الكتاب كامل والسنة بألفاظها ومعانيها من غير تحريف لألفاظها ولا تعطيل لمعانيها ولا تشبيه لها بصفات المخلوقين . وأن نعتمد في إثباتها على الكتاب كامل والسنة فقط لا نتجاوز القرآن والحديث لأنها توقيفية .

والتحريف : هو التغيير وإمالة الشيء عن وجهه . يقال : انحرف عن كذا إذا مال . وهو نوعان :

النوع الأول : تحريف اللفظ وهو العدول به عن جهته إلى غيرها إما بزيادة كلمة أو حرف أو نقصانه ، أو تغيير حركة كقول أهل الضلال في قوله تعالى : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى أي : استولى ، فزادوا في الآية حرفا . وكقولهم في قوله تعالى : وَجَاءَ رَبُّكَ أي : أمر ربك ، فزادوا كلمة . وكقولهم في قوله تعالى : وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا بنصب لفظ الجلالة فغيروا الحركة الإعرابية من الرفع إلى النصب .

النوع الثاني : تحريف المعنى ، وهو العدول به عن وجهه وحقيقته وإعطاء اللفظ معنى لفظ آخر كقول المبتدعة : إن معنى الرحمة : إرادة الإنعام . وإن معنى الغضب إرادة الانتقام .

والتعطيل لغة : الإخلاء ، يقال : عطله ، أي : أخلاه والمراد به هنا نفي الصفات عن الله سبحانه وتعالى . والفرق بين التحريف والتعطيل أن التحريف هو نفي المعنى الصحيح الذي دلت عليه النصوص واستبداله بمعنى آخر غير صحيح . والتعطيل : هو نفي المعنى الصحيح من غير استبدال له بمعنى آخر ، كفعل المفوضة . فكل محرف معطل وليس كل معطل محرفا .

والتكييف : هو تعيين كيفية الصفة . يقال : كيف الشيء إذا جعل له كيفية معلومة ، فتكييف صفات الله هو تعيين كيفيتها والهيئة التي تكون عليها وهذا لا يمكن للبشر لأنها مما استأثر الله تعالى بعلمه فلا سبيل إلى الوصول إليه ، لأن الصفة تابعة للذات ، فكما أن ذات الله لا يمكن للبشر معرفة كيفيتها ، فكذلك صفته سبحانه لا تعلم كيفيتها . ولهذا " لما سئل الإمام مالك رحمه الله فقيل له : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كيف استوى فقال : الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة " . وهذا يقال في سائر الصفات . والتمثيل : هو التشبيه بأن يقال : إن صفات الله مثل صفات المخلوقين ، كأن يقال يد الله كأيدينا وسمعه كسمعنا ، تعالى الله عن ذلك ، قال تعالى في الآية (11) من سورة الشورى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فلا يقال في صفاته إنها مثل صفاتنا أو شبه صفاتنا أو كصفاتنا ، كما لا يقال إن ذات الله مثل أو شبه ذواتنا ، فالمؤمن الموحد يثبت الصفات كلها على الوجه اللائق بعظمة الله وكبريائه . والمعطل ينفيها أو ينفي بعضها . والمشبه الممثل يثبتها على وجه لا يليق بالله وإنما يليق بالمخلوق .

موقف أهل السنة والجماعة من الإيمان بصفات الله

يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

بل يؤمنون بأن الله سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه . ولا يحرفون الكلم عن مواضعه .
________________________________________


الشرح مفصل :

لما ذكر المصنف رحمه الله أن الواجب هو الإيمان بصفات الله الثابتة في الكتاب كامل والسنة من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ، بين موقف أهل السنة والجماعة من ذلك . وهو أنهم يؤمنون بتلك الصفات على هذا المنهج المستقيم ، فيثبتونها على حقيقتها نافين عنها التمثيل فلا يعطلون ولا يمثلون على وفق ما جاء في قوله تعالى في الآية (11) من سورة الشورى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فقوله تعالى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على الممثلة .

وقوله : وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ رد على المعطلة لأن فيه إثبات السمع والبصر ، فالآية الكريمة دستور واضح في باب الأسماء والصفات لأنها جمعت بين إثبات الصفات لله ونفي التمثيل عنها . وسيأتي تفسيرها إن شاء الله .

وقوله : (فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه) أي لا يحمل أهل السنة والجماعة إيمانهم بأن الله ليس كمثله شيء على أن ينفوا عنه ما وصف به نفسه ، كما يفعل ذلك الذين غلوا في التنزيه حتى عطلوه من صفاته بحجة الفرار من التمثيل بصفات المخلوقين . فأهل السنة يقولون : لله سبحانه صفات تخصه وتليق به ، وللمخلوقين صفات تخصهم وتليق بهم ، ولا تشابه بين صفات الخالق وصفات جزائرية المخلوق فلا يلزم هذا المحذور الذي ذكرتم أيها المعطلة .

وقوله : (ولا يحرفون الكلم عن مواضعه) تقدم بيان معنى التحريف . أي : لا يغيرون كلام الله فيبدلون ألفاظه أو يغيرون معانيه فيفسرونه بغير تفسيره كما يفعل المعطلة الذين يقولون في : استوى استولى ، وفي : وَجَاءَ رَبُّكَ وجاء أمر ربك ، ويفسرون رحمة الله بإرادة الإنعام ونحو ذلك .

لا يلحدون في أسماء الله وآياته ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه


ولا يلحدون في أسماء الله وآياته ، ولا يكيفون ، ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه .
________________________________________


الشرح مفصل :

(ولا يلحدون في أسماء الله وآياته) الإلحاد لغة : الميل والعدول عن الشيء ، ومنه اللحد في القبر سمي بذلك لميله وانحرافه عن سمت الحفر إلى جهة القبلة . والإلحاد في أسماء الله وآياته هو العدول والميل بها عن حقائقها ومعانيها الصحيحة إلى الباطل .

والإلحاد في أسماء الله وصفات جزائريةه أنواع

النوع الأول : أن تسمى الأصنام بها . كتسمية اللات من الإله ، والعزى من العزيز ، ومناة من المنان .

النوع الثاني : تسميته سبحانه وتعالى بما لا يليق به كتسمية النصارى له أبا ، وتسمية الفلاسفة له موجبا أو علة فاعلة .

النوع الثالث : وصفه سبحانه وتعالى بما ينزه عنه من النقائص كقول اليهود الذين قالوا : إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ وقولهم : يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ وأنه استراح يوم السبت . تعالى الله عما يقولون .

النوع الرابع : جحد معانيها وحقائقها ، كقول الجهمية إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معان ، فالسميع لا يدل على سمع . والبصير لا يدل على بصر والحي لا يدل على حياة . ونحو ذلك .

النوع الخامس : تشبيه صفاته بصفات خلقه ، كقول الممثل يده كيدي إلى غير ذلك . تعالى الله .

وقد توعد الله الملحدين في أسمائه وآياته بأشد الوعيد فقال سبحانه في الآية (180) من سورة الأعراف : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وقال في الآية (40) من سورة فصلت : إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا .

قوله : (ولا يكيفون ولا يمثلون) إلخ تقدم بيان معنى التكييف والتمثيل .

لأنه سبحانه لا سمي له ولا كفؤ له ولا ند له ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى . فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه .
________________________________________


الشرح مفصل :

( لأنه سبحانه لا سمي له) هذا تعليل لما سبق من قوله عن أهل السنة : (ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه) و (سبحانه) سبحان : مصدر مثل غفران ، من التسبيح وهو التنزيه (لا سمي له) أي : لا نظير له يستحق مثل اسمه ، كقوله تعالى في الآية (65) من سورة مريم : هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا استفهام معناه النفي أي : لا أحد يساميه أو يماثله (ولا كفؤ له) الكفؤ هو المكافئ المماثل . أي : لا مثل له كقوله تعالى في سورة الإخلاص : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (ولا ند له) الند : هو الشبيه والنظير . قال تعالى في الآية (22) من سورة البقرة : فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا .

(ولا يقاس بخلقه) القياس في اللغة : التمثيل ، أي : لا يشبه ولا يمثل بهم ، قال سبحانه في الآية 74 من سورة النحل : فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ فلا يقاس سبحانه بخلقه لا في ذاته ولا في أسمائه وصفات جزائريةه ولا في أفعاله ، وكيف يقاس الخالق الكامل بالمخلوق الناقص?! تعالى الله عن ذلك (فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره) . وهذا تعليل لما سبق من وجوب إثبات ما أثبته لنفسه من الصفات ومنع قياسه بخلقه ، فإنه إذا كان أعلم بنفسه وبغيره وجب أن يثبت له من الصفات ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

والخلق لا يحيطون به علما فهو الموصوف بصفات الكمال التي لا تبلغها عقول المخلوقين ، فيجب علينا أن نرضى بما رضيه لنفسه فهو أعلم بما يليق به ونحن لا نعلم ذلك .

وهو سبحانه : (أصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه) فما أخبر به فهو صدق وحق يجب علينا أن نصدقه ولا نعارضه ، وألفاظه أحسن الألفاظ وأفصحها وأوضحها وقد بين ما يليق به من الأسماء والصفات أتم بيان فيجب قبول ذلك والتسليم له .



منقول من شرح مفصل الشيخ العلامة صالح الفوزان - حفظه الله - على العقيدة الواسطية




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©