بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين

الانشقاقات الوهابية: محاولة للتأريخ
(موضوع منقول)


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أهل الحمد ومستحقه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وخير خلقه، وعلى آله وصحبه، وسائر حزبه.
في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة) التيأصدرتها: الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهي منظمة وهابية، نجد فصلاعنوانه: (أهم خصائص وسمات منهج أهل السنة والجماعة)، ونجدها تقول في هذاالفصل: (ومن أهم سماتهم: التوافق في الأفهام، والتشابه في المواقف، رغمتباعد الأقطار والأعصار، وهذا من ثمرات وحدة المصدر والتلقي).
وسنرى هل ينطبق هذا التعريف لأهل السنة على الوهابية المعاصرة.
ظهرت الانشقاقات الوهابية المعاصرة إلى العلن، باحتلال العراق للكويت، سنة: 1410ه/ 1990م، حينما بادرت السعودية إلى الاستنجاد بالقوات الأمريكيةوالغربية لحماية نظامها من النظام العراقي.
وقد استصدرت السلطات السعودية فتاوي من كبار مشايخ الوهابية السعوديين، ومنأتباع الوهابية في الخارج، لتسويغ الاستعانة بالقوات الغربية لمحاربة بلدمسلم؛ فأفتى هؤلاء المشايخ بوجوب الاستعانة بالكافر على المسلم. مع أنهؤلاء الشيوخ أنفسهم كانوا في السابق يفتون بعكس هذه الفتوى تماما، وهاهميتغيرون بين عشية وضحاها، بسبب إملاءات من الأنظمة!!
فقد كانت السعودية في أول ثمانينيات القرن الهجري الماضي (ستينيات القرنالميلادي الماضي)، تواجه الحركة الناصرية القوية إذ ذاك، والتي كانت تستخدمفي دعايتها فكرة القومية مادة اللغة العربية، فكتب الشيخ ابن باز ردا عليها سماه: (نقد القومية مادة اللغة العربية على ضوء الإسلام والواقع)، وقد أسس كتاب كامله هذا علىحديث النهي عن الاستعانة بالمشركين، وأكد في كتاب كامله هذا أن القومية هياستعانة بالكفار، وحرم فيه تحريما قاطعا الاستعانة بالكفار، ومن ما قاله فيكتاب كامله هذا:
(
ولا ريب أن من أهم الواجبات الإيمانية: أخذ الحذر من عدونا، وأن نعدله مانستطيع من القوة، وذلك من تمام الإيمان، ومن الأخذ بالأسباب التي يتعينالأخذ بها، ولا يجوز إهمالها، كما في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ" وقوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَااسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ"
وليس للمسلمين أن يوالوا الكافرين أو يستعينوا بهم على أعدائهم؛ فإنهم منالأعداء ولا تؤمن غائلتهم،وقد حرم الله موالاتهم، ونهى عن اتخاذهم بطانة،وحكم على من تولاهم بأنه منهم، وأخبر أن الجميع من الظالمين، كما سبق ذلكفي الآيات المحكمات، وثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجرسول الله - صلى الله عليه وسلم – قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجلقد كان يذكر منه جرأة ونجدة؛ ففرح أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "جئت لأتبعكوأصيب معك".قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"تؤمن بالله ورسوله؟" قال:"لا" قال: "فارجع فلن أستعين بمشرك"، قالت: ثم مضى حتى إذا كنابالشجرة أدركه الرجل، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي - صلى اللهعليه وسلم - كما قال أول مرة، فقال:"لا" قال: "فارجع فلن استعين بمشرك" قالت: ثم رجع فأدركه في البيداء، فقال له كما قال أول مرة: "تؤمن باللهورسوله؟" قال:"نعم"، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فانطلق"؛فهذا الحديث الجليل، يرشدك إلى ترك الاستعانة بالمشركين، ويدل على أنه لاينبغي للمسلمين أن يدخلوا في جيشهم غيرهم، لا من العرب ولا من غير العرب،لأن الكافر عدو لا يؤمن, وليعلم أعداء الله أن المسلمين ليسوا في حاجةإليهم، إذا اعتصموا بالله، وصدقوا في معاملته؛ لأن النصر بيده لا بيد غيره،وقد وعد به المؤمنين وإن قل عددهم وعدتهم، كما سبق في الآيات وكما جرىلأهل الإسلام في صدر الإسلام،
ويدل على تلك أيضا قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاتَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوامَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِيصُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْتَعْقلُون" فانظر أيها المؤمن إلى كتاب كامل ربك وسنة نبيك – عليه الصلاةوالسلام - كيف يحاربان موالاة الكفار، والاستعانة بهم واتخاذهم بطانة،والله - سبحانه - أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم، فلو كان فياتخاذهم الكفار أولياء من العرب أو غيرهم والاستعانة بهم مصلحة راجحة لأذنالله فيه وأباحه لعباده، ولكن لما علم الله ما في ذلك من المفسدة الكبرىوالعواقب الوخيمة نهى عنه وذم من يفعله، وأخبر في آيات أخرى أن طاعةالكفار، وخروجهم في جيش المسلمين يضرهم، ولا يزيدهم ذلك إلا خبالا، كما قالتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَكَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ بَلِاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ"، وقال تعالى: "لَوْخَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْيَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌبِالظَّالِمِينَ"، كفى بهذه الآيات تحذيرا من طاعة الكفار والاستعانة بهموتنفيرا منهم وإيضاحا لما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة، عافى اللهالمسلمين من ذلك. وقال تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُبَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ"، وقال تعالى: "وَالَّذِينَ كَفَرُوابَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِيالْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ).
وقال في موضع آخر من الكتاب كامل نفسه: (وللقوميين هنا شبهة، وهي أنهم يقولون: إن التكتل حول القومية مادة اللغة العربية بدون تفرقة بين المسلم والكافر يجعل العربوحدة قوية، وبناء شامخا، يهابهم عدوهم ويحترم حقوقهم. وإذا انفصل المسلمونعن غيرهم من العرب ضعفوا وطمع فيهم العدو. وشبهة أخرى وهي أنهم يقولون: إنالعرب إذا اعتصموا بالإسلام وتجمعوا حول رايته حقد عليهم أعداء الإسلام ولميعطوهم حقوقهم، وتربصوا بهم الدوائر، خوفا من أن يثيروها حروبا إسلامية،ليستعيدوا بها مجدهم السالف، وهذايضرنا ويؤخر حقوقنا ومصالحنا المتعلقةبأعدائنا ويثير غضبهم علينا. والجواب أن يقال: اجتماع المسلمين حولالإسلام، واعتصامهم بحبل الله، وتحكيمهم لشريعته، وانفصالهم من أعدائهموالتصريح لهم بالعداوة والبغضاء، هو سبب نصر الله لهم وحمايتهم من كيدأعدائهم، وهو وسيلة إنزال الله الرعب في قلوب الأعداء من الكافرين، حتىيهابوهم ويعطوهم حقوقهم كاملة غير منقوصة، كما حصل لأسلافهم المؤمنين؛ فقدكان بين أظهرهم من اليهود والنصارى الجمع الغفير، فلم يوالوهم ولم يستعينوابهم، بل والوا الله وحده، واستعانوا به وحده، فحماهم وأيدهم ونصرهم علىعدوهم، والقرآن والسنة شاهدان بذلك، والمادة التاريخ الإسلامي ناطق بذلك، قد علمهالمسلم والكافر. وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر إلىالمشركين، وفي المدينة اليهود، فلم يستعن بهم، والمسلمون في ذلك الوقتليسوا بالكثرة، وحاجتهم إلى الأنصار والأعوان شديدة، ومع ذلك فلم يستعن نبيالله والمسلمون باليهود، لا يوم بدر ولا يوم أحد، مع شدة الحاجة إلىالمعين في ذلك الوقت، ولا سيما يوم أحد، وفي ذلك أوضح دلالة على أنه لاينبغي للمسلمين أن يستعينوا بأعدائهم، ولا يجوز أن يوالوهم أو يدخلوهم فيجيشهم؛ لكونهم لا تؤمن غائلتهم، ولما في مخالطتهم من الفساد الكبير وتغييرأخلاق المسلمين وإلقاء الشبهة وأسباب الشحناء والعداوة بينهم، ومن لم تسعهطريقة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطريقة المؤمنين السابقين فلا وسعالله عليه)!
لكن أين ذهبت كل هذه النظريات والاستدلالات لما قررت الولايات المتحدة الأمريكية شن حربها ضد العراق، من الأراضي السعودية؟!
لقد ذهبت أدراج الرياح حين أدرك الشيخ وزملاؤه في هيئة كبار العلماء، أنهذه النظريات والاستدلالات، إنما كانت تلبي رغبات بعض الحكام في فترةمعينة، وكانت سلاحا في الحرب ضد الناصرية، وبعد زوال الناصرية لم تعد لهاقيمة؛ فيجب الآن بناء نظريات جديدة، واستدلالات جديدة، تلبي الرغباتالجديدة للحكام، فأصدروا فتوى مضادة تماما، جوزوا فيها – إن لم نقل: أوجبواالاستعانة بالكفار والتحالف معهم، ضد شعب مسلم، كما يقول الشيخ ابن باز:
(
وقد صدر بيان من مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة مادة اللغة العربية السعودية يبينخطأ هذا العمل، وأنه عدوان وجريمة وخيانة، وجاء في بيان المجلس الذي أناأحد أعضائه: أنه لا مانع من الاستعانة ببعض الكفار للجيوش الإسلاميةومادة اللغة العربية، ولا بأس من الاستعانة لصد عدوان المعتدي الكافر وظلمه والدفاع عنالبلاد وعن حرمة الإسلام والمسلمين، إذا غلب على الظن حصول المطلوب بذلكودعت إليه الضرورة، أما الإشاعات حول الحرمين الشريفين فإنهما بحمد اللهبمنأى عن الزعيم العراقي وغيره وهما آمنان بحمد الله، وكل ما في الأمر أنالدولة السعودية احتاجت إلى الاستعانة ببعض الجيوش من جنسيات متعددة، ومنجملتهم الولايات المتحدة، وإنما ذلك للدفاع المشترك مع القوات السعودية عنالبلاد والإسلام وأهله، ولا حرج في ذلك؛ لأنه استعانة لدفع الظلم وحفظالبلاد وحمايتها من شر الأشرار وظلم الظالمين وعدوان المعتدين، فلا حرج كماقرره أهل العلم وبينوه. وأما ما أشاعته بعض الأقليات الإسلامية التي صدقتأقوال صدام وأكاذيبه حول تدخل الكفار في شؤون المسلمين ومقدساتهم وغيرها منالإشاعات الباطلة، فإنه شيء باطل ولا أصل له والذي أشاعه هو حزب صدام وهوحزب بعثي قومي وليس حزبا إسلاميا، وحتى لو كانوا مسلمين إذا تعدوا وجبردعهم ولو بالاستعانة ببعض الكفرة، وعلى طريقة سليمة كما هي يُدفع بها الشروتُحمى بها البلاد، والرسول - صلى الله عليه وسلم – استعان بدروع من صفوانبن أمية يوم حنين لحرب أهل الطائف وصفوان حينذاك لم يسلم وبذلك يعلم أنالاستعانة بالكفار على الكفار من تعدى وظلم يجوز إذا غلب على الظن حصولالمقصود بذلك ودعت إليه الضرورة والذي لا يجوز هو أن ينصر الكفار علىالمسلمين، أما ما جرى من الاستعانة ببعض الكفار ضد صدام فهو مما يحميالمسلمين وأراضيهم من المجرمين والمعتدين والكافرين، وفرق بين الاثنين، بينإنسان ينصر الكفار على المسلمين ويعينهم على المسلمين وهذه هي الردة عنالإسلام والتولي للكفار وذلك منكر لا يجوز. أما من ينصر المسلمين ويستعينببعض الكفار على عدو المسلمين كما هو الحال في المملكة من الاستعانةبالكفار لردع المعتدي الكافر وصده عن بلاد الإسلام ومقدساتهم فهذا أمرمطلوب ولازم؛ لأنه لحماية المسلمين ودفع للظلم عنهم).







©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©