الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله ومجتباه محمد وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فالْعُلُوُّ وَ الْفَوْقِيَّةُ صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب كامل والسنة، فمن أسمائه (العلي) و(الأعلى) و(المتعال).

والعُلُوُ ثلاثة أقسام:

1- عُلُوُ شأن.

2- عُلُوُ قهر.

3- عُلُوُ فَوْقِيَّة (عُلُوُّ ذات).


وأهل السنة والجماعة يعتقدون أنَّ الله فوق جميع مخلوقاته، مستوٍ على عرشه، في سمائه، عالياً على خلقه، بائناً منهم، يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى حركاتهم وسكناتهم لا تخفى عليه خافية. قال تعالى: { وَهوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [الأنعام: 18]. وقال: { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ } [النحل: 50].

قال الأشعري: قال أهل السنة وأصحاب الحديث ليس بجسم، ولا يشبه الأشياء، وأنه على عرشه كما قال " الرحمن على العرش استوى " ولا نتقدم بين يدي الله في القول، بل نقول استوى بلا كيف.

وذكر أبو نصر السجزي الحافظ في كتاب كامل الإبانة له قال: وأئمتنا كالثوري ومالك وابن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وابن المبارك وفضيل بن عياض وأحمد وإسحاق متفقون على أن الله فوق العرش بذاته وأن علمه بكل مكان وكذلك ذكر شيخ الإسلام الأنصاري وأبو العباس الطرقي والشيخ عبد القادر ومن لا يحصي عدده إلا الله من أئمة الإسلام وشيوخه.

وقال أبو عمر بن عبد البر في شرح مفصل الموطأ لما تكلَّم على حديث النزول قال: وهذا حديث لم يختلف أهل الحديث في صحته وفيه دليل أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة وهو من حجتهم على المعتزلة.

وقال أبو عمر أيضاً: أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم قالوا في تأويل قوله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله.

وفي السنَّة أحاديث عدَّة جاءت لتؤكِّد هذه العقيدة، ومنها:

حديث معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال: أتيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، إنَّ جاريةً كانت لي، تَرعى غَنَمًا لي، فجِئْتُها، وقد فقدتُ شاةً من الغنم، فسألتُها عنها ؟ فقالت: أكلها الذئب. فأسِفْتُ عليها، وكنتُ من بني آدم، فَلَطَمْتُ وجْهها، وعليَّ رَقَبَةٌ، أفأعْتِقُها ؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أين الله» فقالت: في السماء، فقال: «من أنا ؟» فقالت: أنت رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اعْتِقها». مسلم.

وعن عمران بن حصين - رضي الله عنهما -: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي: «يا حُصَينُ: كم تَعبُدِ اليومَ إِلها ؟ قال: سبعة: سِتَّة في الأرض، وواحدا في السماء، قال: فأيَّهُم تُعِدُّ لِرَهْبَتِك ورَغْبَتك؟ قال: الذي في السماء، قال: يا حصينُ، أَما إِنك لو أسلمتَ عَلَّمْتُك كلمتينِ تَنْفَعَانك، قال: فلما أسلم حُصين، جاء فقال: يا رسولَ الله علِّمْني الكلمتين اللتيْنِ وعَدتني، قال: قل: اللَّهمَّ أَلْهِمني رُشدي، وأعِذْني من شرِّ نفسي».أخرجه الترمذي.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: «الرَّاحِمُونَ يرحمهم الرحمن، ارحَمُوا مَن في الأرض، يرحمْكم من في السماءِ.. ».أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وعن أبي هريرة أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: «والذي نفسي بيده، مَا مِنْ رَجُل يدعو امرأَتَهُ إِلى فِرَاشِهِ فتأبى عليه إِلا كان الذي في السَّماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها». متفق عليه.

وعن أبي سعيد مرفوعا: ألا تأمنوني و أنا أمين من في السماء ؟ يأتيني خبر السماء صباحاً و مساءً. أخرجه ابن ماجه وأحمد.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لما قَضَى اللهُ الخَلْقَ - وعند مسلم: لمَا خَلَقَ اللهُ الخَلقَ - كتب في كتاب كامله، فهو عنده فوقَ العرش: إِنَّ رَحْمَتي تَغْلِبُ غَضبي». متفق عليه.

قال الإمام موفَّق الدين ابن قدامة المقدسي رحمه الله بعد أن ذكر عددا من صفات الله تعالى الواردة في الأحاديث الصحيحة: فهذا وما أشبهه مما صح سنده وعُدِّلت رواته، نؤمن به ولا نرده، ولا نجحده، ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره، ولا نشبهه بصفات المخلوقين، ولا بسِمات المُحْدَثين، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].

وصلى الله وسلم على محمد وآله وسلَّم.





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©