http://taseel.com/display/pub/defaul...?id=1804&mot=1

موقف علماء الأشاعرة من معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما
سلطان بن عبدالرحمن العميري


يتعرض الصحابي معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما في هذه الأيام إلى هجمة شرسة من قِبَل عدد من المفكرين والمنتسبين إلى المذهب الأشعري وغيره .
بدعوى أن لديهم أدلة وبراهين تدل على أن معاوية بن أبي سفيان لم يكن سويا في ديانته , وأنه كان فاسقا وبعضهم يحاول التشكيك في صحة إسلامه .

وقد قمت في بحث سابق بتوضيح موقف الصحابة رضي الله عنهم من معاوية , ونُشر بعنوان ( موقف الصحابة من معاوية ابن أبي سفيان) ,
كشفت فيه عن الأدلة والإشارات العقلية الدالة على أنه لم يكن الصحابة يرون معاوية كافرا ولا منافقا ولا فاسقا ولا فاسد الديانة .

وإنما كانوا يرونه رجلا ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم وله ممادحه المخصوصة , وله مع ذلك أخطاؤه التي أنكروها عليه , ولم يكونوا يعدونه مساويا لأفاضل الصحابة وكبارهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ولا مساويا لأهل بدر ولا لأهل أحد , وإنما هو متأخر عنهم بدرجات , ومع ذلك حفظوا له حقوقه باعتباره مسلما وباعتباره صحب النبي صلى الله عليه وسلم , فهو ممن ظفر بهذا الشرف العظيم .


والغريب حقا أن القادحين في معاوية والغالين في ذمه قفزوا على كل تلك التعاملات المعتدلة من الصحابة وكأنه ليس لها وجود ولا واقع في المادة التاريخ .


وهي في الحقيقة تمثل عقبة كؤدا أمام كل من أراد القدح في معاوية وتثير أسئلة عقلية ملحة في وجه كل الذامين له والمبالغين في تحقيره رضي الله عنه ,
وتكشف عن اللوازم المترتبة على الغلو في ذم معاوية ,
وهي
عدُّ كبار الصحابة وصغارهم
- إما مغفلين لا يعرفون الحقائق
-وإما جبناء وإما خونة لأنهم سكتوا عن كشف حقيقة معاوية التي يراها هو .



وقد حاول بعض الغالين في ذم معاوية أن يصور للناس بأن الذين اعتدلوا في التعامل معه وحفظوا له صحبته وفضائله إنما هم طائفة قليلة من أهل الحديث وممن خضع للاستبداد ,

وأخذ يصورهم بأنهم لا يعمِلون عقولهم ولا يغوصون في أعماق المادة التاريخ , بل إنهم لبسوا على الناس وأخفوا الحقائق وزيفوا الدلائل الدالة على أن معاوية كان منحرفا في سلوكه وديانته .


وهذا ما يمارسه الاتجاه الشيعي , فإنه يسعى جاهدا على أن يصور للناس بأن خلافه ليس مع الأمة ولا مع علمائها الأجلاء , وإنما مع طائفة قليلة منها , هم الحنابلة والوهابية فقط , وأما عموم الأمة وعلماؤها فهم موافقون لهم أو متفهمون لموقفهم على الأقل .


والحقيقة أن الأمر ليس كذلك ,
فنحن إذا رجعنا للمادة التاريخ وإلى الاتجاهات الكبرى التي كانت ولا زالت تمثل الثقل الأضخم في الفكر الإسلامي نجد كبار علمائهم ومحققيهم لم يخرجوا في مواقفهم من معاوية رضي الله عنه عما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم , فحفظوا له صحبته ومنزلته وحددوا رتبته من الصحابة وصرحوا بما وقع فيه من أخطاء , ولكنهم قدروها كما قدرها الصحابة رضي الله عنهم , فلم يبالغوا في تضخيمها ولا يرتبوا عليها ما ليس موجبا لها , ولم يفجروا في الخصومة , مع أن كثيرا منهم كانت له مواقف مناقضة للسلطة السياسية ومعارض لها ,ومستقل عنها في فكره وحياته , بل كثير منهم عاش بعد سقوط الدولة الأموية .


ولم يشذ عن ذلك إلا الاتجاه الشيعي – الرافضة والزيدية وغيرهم – فهم الذين بالغوا في ذم معاوية وكذبوا عليه واختلقوا ضده التهم , وقليل من العلماء الذين دخل عليهم شيء من التشيع , وقد تأثر بهم عدد من المعاصرين من المفكرين وغيرهم .


وفي الحقيقة فإن شرف الدفاع عن صحابة رسول الله صلى الله عليه لم يتفرد به أهل السنة والحديث ,

وإنما شاركهم فيه علماء الأشاعرة والماتريدية , فإن لهم جهودا كبيرة في بيان فضل صحابة رسول الله وفي الرد على من قدح فيه وذمهم , ولا بد أن تظهر هذه الجهود وتكشف للأمة .


بل إن علماء الأشاعرة والماتريدية لهم تراث ضخم في الرد على الشيعة وفي نقض مذهبهم في الإمامة وفي القدح في القرآن وفي الصحابة , وهي تستحق الدراسة والتحليل والبيان .


وفي هذه الورقة أريد رصد مواقف كبار علماء الأشاعرة والماتريدية من معاوية وكشف حقيقة رأيهم فيه , لنتحقق هل اختلفوا عما كان عليه الصحابة أم لا ؟!


ويمكن أن نجلي موقفهم من معاوية من خلال البحث أمور عديدة , ولكن سنقتصر على موقفهم مما شجر بين الصحابة :

فقد اتخذ علماء الأشاعرة والماتريدية موقفا واضحا من هذه القضية ,
فإنهم تواردوا على القول بأنه يجب الإمساك عما شجر بين الصحابة , واعتبارهم مجتهدين متأولين , ويعدون هذا من التوقير الذي أُمِر به المسلم مع الصحابة , وكل هؤلاء العلماء ظهروا بعد سقوط دولة بني أمية , بحيث إنه كان يمكنهم القدح في معاوية لو كان هذا رأيا لهم .


ولم يفتهم التنبيه على أن الحق كان مع علي رضي الله عنه , وأن معاوية رضي الله عنه كان مخطئا في اعتراضه , ولكنهم رأوا أن ذلك لا يقدح في عدالته وديانه ؛ لأنه كان متأولا مجتهدا .


وهذا الموقف يدل على سلامة موقفهم من معاوية , فلو كانوا يرون معاوية كافرا أو منافقا أو فاسقا أو فاسد الدين لما أمروا بالكف عن الخوض في تلك الحادثة , وليبنوا ذلك .


1- فممن نص على ذلك :
إمام المذهب ومؤسسه الأول , أبو الحسن الأشعري(342هـ)

, فإنه حكى الإجماع على الكف عما شجر بين الصحابة فقال كتاب كامله ( رسالة إلى أهل التغر303-307) :" وأجمعوا على الكف عن ذكر الصحابة عليهم السلام إلا بخير ما يذكرون به، وعلى أنهم أحق أن ينشر محاسنهم، ويلتمس لأفعالهم أفضل المخارج، وأن نظن بهم أحسن الظن، وأحسن المذاهب...وأجمعوا على أن ما كان بينهم من الأمور الدنيا لا يسقط حقوقهم" ,
وكرر هذا المعنى في كتاب كامل الإبانة (260 ) , ونص فيه على أن ما جرى بين علي ومعاوية كان باجتهاد وتأويل .


2- وممن نص على ذلك أيضا :
المؤسس الثاني للمذهب الأشعري , وهو القاضي أبو بكر الباقلاني (403هـ),
حيث يقول في كتاب كامله (الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به 63) :" ويجب أن يعلم أن ما جرى بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم من المشاجرة نكف عنه، ونترحم على الجميع، ونثني على الجميع".


3- وممن نقل ذلك عن أبي الحسن الأشعري وتبناه :
ابن فورك (406) ,
حيث يقول في (مجرد مقالات الأشعري 195) :" فأما طلحة والزبير فإنهما خرجا عليه, وكانا متأولَين مجتهدَين , يريان ذلك صوابا بنوع من الاجتهاد , وإن كان ذلك منهما خطأ , وإنهما رجعا عن ذلك , وندما , وأظهرا التوبة , وماتا تائبين مما فعلا .
وكذلك كان يقول – يعني أبا الحسن الأشعري - في حرب معاوية : إنه كان باجتهاد منه , وإن كان ذلك خطأ وباطلا ومنكرا وبغيا , على معنى أنه خروج على إمام عادل , ولكنه كان بنوع من الاجتهاد , ممن له أن يجتهد فيه , ولم يطلق عليه اسم الفسق أو الكفر , وكان يجري ذلك مجرى اختلاف الحاكمَين إذا اجتهد أحدهما وأصاب الآخر " , فحكم على ما وقع من معاوية بالخطأ والبطلان والبغي , ولكنه لم يحكم عليه بالفسق وفساد الدين , فإمام المذهب الأشعري يفصل بين حكم الفعل الذي وقع من معاوية وبين حكم معاوية نفسه , وهذا ما يتبناه أئمة أهل الحديث , وأئمة المذهب الأشعري من بعده .


4- وممن نص على ذلك
الجويني(378هـ)
في الإرشاد ( 365) حيث يقول:" علي ابن أبي طالب كان إماما حقا في توليته , ومقاتلوه بغاة , وحسن الظن بهم يقتضي أن يظن بهم قصد الخير وإن أخطؤوه " ,
ووافقه وأقره ابن ميمون في شرح مفصله على الإرشاد (672) , فالجويني حكم على فعل معاوية بالبغي ولكنه لم يحكم عليه بالفسق وفساد الدين .

ويقول في كتاب كامله ( لمع الأدلة 115) :" ومعاوية وإن قاتل عليا , فإنه لا ينكر إمامته , ولا يدعيها , وإنما كان يطلب قتلة عثمان , ظانا أنه مصيب , وكان مخطئا , وعلي رضي الله عنه متمسك بالحق" .


5- وممن انتهى إلى ذلك الرأي :
أبو إسحاق الشيرازي(476هـ)
, في عقيدته المسماة ( الإشارة إلى مذهب أهل الحق 108-111) فإنه ذكر اختلاف مواقف العلماء فيما وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما ,وذكر الأدلة على أن ما جرى بينهم لا يؤدي إلى الكفر والفسق , ثم قال :"والواجب في ذلك الإمساك عما شجر بينهم , وذكر محاسنهم "


6- وممن نص على ذلك الموقف :
أبو حامد الغزالي(505هـ) ,
في كتاب كامله ( الاقتصاد في الاعتقاد 262) حيث يقول:" والمشهور من قتال معاوية مع علي ومسير عائشة رضي الله عنهم إلى البصرة، والظن بعائشة أنها كانت تطلب تطفئة الفتنة , ولكن خرج الأمر من الضبط، فأواخر الأمور لا تبقى على وفق طلب أوائلها، بل تنسل عن الضبط، والظن بمعاوية أنه كان على تأويل وظن فيما كان يتعاطاه , وما يحكى سوى هذا من روايات الآحاد، فالصحيح منه مختلط بالباطل، والاختلاف أكثره اختراعات الراوافض والخوارج، وأرباب الفضول الخائضين في هذه الفنون.
فينبغي أن تلازم الإنكار في كل ما لم يبت، وما ثبت فتستنبط له تأويلا. فما تعذر عليك فقل:لعل له تأويلا وعذرا لم أطلع عليه
"


7- وممن نص على ذلك :
إمام الأشعرية في زمنه , السيف الآمدي(631هـ)
, في كتاب كامله ( غاية المرام في علم الكلام 390 ) حيث يقول :" الواجب أن يحسن الظن بأصحاب الرسول، وأن يكف عما جرى بينهم، وألا يحمل شيء مما فعلوه أو قالوه إلا على وجه الخير، وحسن القصد، وسلامة الاعتقاد، وأنه مستند إلى الاجتهاد، لما استقر في الأسماع، وتمهد في الطباع، ووردت به الأخبار والآثار، متواترة وآحاد، من غرر الكتاب كامل والسنة، واتفاق الأمة على مدحهم، والثناء عليهم بفضلهم، مما هو في اشتهاره يغني عن إظهاره".


8- وممن أكد ذلك :
تقي الدين السبكي (756هـ)
في كتاب كامله ( السيف المسلول على من سب الرسول 432) , حيث يقول :" ومن توقيره صلى الله عليه وسلم توقير أصحابه , والسكوت عما شجر بينهم " .


9- وممن قرر ذلك :
ابن حجر الهيتمي (974هـ) ,
وهو من أكثر علماء الأشاعرة الذين اهتموا بهذه القضية, وفي بيان موقفه يقول في كتاب كامله (تطهير الجنان واللسان عن ثالب معاوية ابن أبي سفيان111) :
" فعلي مجتهد مصيب , فله أجران .. ومقاتلوه كعائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص ومن تبعهم من الصحابة الكثيرين من أهل بدر وغيرهم مجتهدون غير مصيبين , فلهم أجر واحد" ,
وقد اهتم ببيان الموقف من معاوية وأفرد له كتاب كاملا خاصا بالغ وأطال في شرح مفصل ما يراه مناقب لمعاوية



10- وممن نص على ذلك :
شهاب الدين المقّري(1041هـ )
في عقيدته المسماة (إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة أولى75) , وأكد كلامه عبدالغني النابلسي(1143هـ) في شرح مفصل على العقيدة المسمى ( رائجة الجنة شرح مفصل إضاءة الدجنة).


11- ويقول
العدوي الدردير(1201هـ)
في شرح مفصل على الخريدة البهية في العقائد السنية (257) :" ويجب الإمساك عما وقع بين الصحابة من النزاع "
وأيده الشيخ السباعي (1267هـ) في حاشيته .



12- وممن قرر هذه العقيدة
الصاوي(1241هـ)
في شرح مفصله على جوهرة التوحيد (329-331) , فقد بين أنه يجب على المسلم أن يصرف ما ورد عن الصحابة من تشاجر "إلى محمل حيث كان ممكنا , فإن لم يمكن تأويله وقفنا , لاعتقادنا حفظهم مما يوجب الفسق ؛لأنهم مجتهدون" .


13- ويقول
البيجوري (1276هـ)
في كتاب كامله (تحفة المريد على جوهرة التوحيد 245) :
"وقع تشاجر بين علي ومعاوية رضي الله عنهما , وقد افترقت الصحابة ثلاث فرق : فرقة اجتهدت فظهر لها أن الحق مع علي فقاتلت معه , وفرقة اجتهدت فظهر لها أن الحق مع معاوية فقاتلت معه , وفرقة توقفت ... فلم يخرج واحد منهم عن العدالة بما وقع بينهم ؛ لأنهم مجتهدون" .


14- وممن قرر ذلك من متأخري الأشاعرة :
محمد بخيت المطيعي (1354هـ)
في كتاب كامله ( القول المفيد في علم التوحيد ) حيث يقول:
"ما وقع بينهم من التشاجر فمنشؤه الاجتهاد , فالمخطئ كالمصيب و مأجور , فلا يخِلّ بالعدالة , ولا تخض في تفصيل ذلك التشاجر مخافة أن تصيب قدحا وذما في واحد منهم " .

وبعد سرد هذه النقول عن أئمة المذهب الأشعري وصناعه , لا بد من التأكيد – صدقا مع القارئ - على أن بعض علماء الأشاعرة حين ذكر تفسيق المحاربين لعلي رضي الله عنه قال :"وهو ما عليه أكثر الأصحاب
"
كما جاء في شرح مفصل المواقف للجرجاني (8/384) , ولكن هذا مخالف لما ذهب إليه أئمة المذهب , وهو لم يذكر لنا من هم ولا شيئا من أسمائهم ولا مكانتهم العلمية .



*** *** ***

وقد توافق مع الأشاعرة علماء المذهب الماتريدي أيضا , فقد قرر علماؤه ومحققوه الموقف نفسه ,

فها هو
أبو المعين النسفي(508هـ)
, أحد أكبر المنظرين للمذهب الماتريدي يقول في كتاب كامله ( تبصرة الأدلة 2/888) حين ذكر أن عليا هو الأحق بالخلاف بلا تردد ":
وإذا كان الأمر كذلك كان خطأ معاوية ظاهرا , إلا أنه فعل ما فعل أيضا عن تأويل , فلم يصر به فاسقا على ما قررنا".


ويقول
سعد الدين التفتازاني(793هـ)
في (شرح مفصل المقاصد5/308) :
" والمخالفون بغاة على الإمام الحق بشبهة هي تركة القصاص من قتلة عثمان , لقوله صلى الله عليه وسلم لعمار :" تقتلك الفئة الباغية " , وقد قتل يوم صفين على يد أهل الشام , ولقول علي رضي الله عنه :"إخواننا بغوا علينا " , وليسوا كفارا ولا فسقة ولا ظلمة لما لهم من التأويل " .


وعلماء الماتريدية – كما يدل عليه كلامهم - يفرقون بين الحكم على ما وقع من معاوية وأنه بغي وتعد , ولكنهم لا يحكمون على معاوية بالفسق وفساد الديانة .


ويمكن للباحث أن يتحقق من موقف أولئك العلماء من معاوية من جهات أخرى , كموقفهم من تعريف الصحابي ومفهومه , وموقفهم من النصوص الشرعية التي جاءت في شأن معاوية مدحا وقدحا , وكيف تعاملوا معها , فحديثهم حول هذه القضايا يثري الموضوع ويجلي الصورة بشكل كبير جدا .


تعليقا على ما سبق :
فهذه التقريرات من كبار علماء المذهب الأشعري والماتريدي تدل على أنهم يقتدون بالصحابة رضي الله عنهم في موقفهم من معاوية ويحفظون له صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم , ولا يقدحون في دينه ولا يجورون عليه بالأوصاف المتنافية مع حاله , فلا يصفونه بالكفر ولا النفاق ولا الفسق ولا فساد الديانة , ويعدونه من الصحابة الذي جاء الفضل في حقهم , ومع ذلك حكموا بخطئه وأنه لم يكن مصيبا في مخالفته لعلي , ويرون أنه لا يساوي عليا ولا يدانيه في المنزلة والشرف , ولكن لا يعني هذا أن يحقروا من شأنه أو ينزلوا من قدره الذي يستحقه , وهم في ذلك كله موافقون لما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم .

وهذا يدل على أن حفظ حق معاوية رضي الله عنه والدفاع عنه والذم عن عرضه ليس مقتصرا على طائفة قليلة من الناس , بل هو الموقف الأغلب لعلماء المسلمين وفقهائهم , ما عدا الاتجاه الشيعي بجميع أطيافه , أو من تأثر بهم ودخلت عليه مادة من موادهم .

وهذا التقرير له معطيات منهجية وسلوكية متعددة , ومن أهمها :

المعطى الأول :
هو أن القدح في معاوية رضي الله عنه والطعن في دينه وأمانته ليس داخلا في النسق السني العام , ولا يعد صاحبه جاريا على ما كان عليه الصحابة ومن تبعهم في موقفهم من علماء المسلمين .

المعطى الثاني :
هو أن هذا الموقف الأغلب للأمة المسلمة يعطي الشاب المسلم المتابع للهجمة الشرسة ضد معاوية جرعة اقناعية عالية , لأنه يدرك أن الموقف المحترم لمعاوية والمحتفظ بصحبته ليس موقفا ضعيفا أو غير متماسك , وإنما هو موقف الصحابة رضي الله عنهم , وموقف من تبعهم من كبار علماء المسلمين ,
ويكفي هذا أن يكون دليلا مقنعا على قوة موقفه وعلى صدق رأيه وعلى وجاهة رؤيته ؛ لأن الصحابة هم الأدرى بحال معاوية ورأيهم فيه هو الأعدل والأضبط والأعلم .

ومن المهم التأكيد على أن الاهتمام بالكشف عن ضخامة ذلك الموقف ليس معناه الدعوة إلى التسليم المجرد للكثرة ولا الدعوة إلى الابتعاد عن إعمال الفكر والعقل في المادة التاريخ ؛ وإنما القصد منه استحضار المسار المادة التاريخي الغالب الذي سار على ما كان عليه الصحابة في الموقف من معاوية , والتذكير بما يمتلكه من حجج شرعية وعقلية .


المعطى الثالث :
أنه يمكن للمرء في تعامله مع معاوية رضي الله عنه أن يجمع بين حفظ صحبته وحفظ حقوقه وبين الاعتراف بما وقع فيه من أخطاء والحكم بما يناسبها في ميزان الالشريعة الاسلامية كما فعل الصحابة وكبار علماء المذاهب المشهورة , من غير أن يبالغ في ذمه أو يصل إلى الفجور في الخصومة معه رضي الله عنه .


المعطى الرابع :
أن مهمة الناقد لمعاوية والساعي إلى ثلبه ونتقصه والواصف له بالكفر أو بالنفاق أو الفسق أو الفساد في الديانة ليست مهمة سهلة , لأنه رأي يقف فيه معارضا لموقف الصحابة رضي الله عنهم ولمواقف كبار علماء المسلمين ومحققيهم , ويقف فيه أمام أدلة عقلية ومادة التاريخية ضخمة , وموقف كهذا يحتاج إلى قدر كبير من البحث ومادة كبيرة من الحجج حتى يمكن إقناع الناس بأن يتخلوا عما يعرفونه من مواقف الصحابة ومواقف كبار الأئمة والعلماء من معاوية ! , ويتخلوا عما يعرفونه عن منزلة الصحابة وعن علو شأنهم وفضلهم وقدرهم !! ,
والوصول إلى هذا في غاية الصعوبة إن لم يكن متعذرا ؛ لأنه معارض بأدلة شرعية ظاهرة ومعارض بمواقف الصحابة البينة .
















©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©