للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
-حفظه الله تعالى-
[شريط مفرغ]

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

الحمد لله الذي بعث محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
أحمده سبحانه على ما أنعم به وتفضل، وعلى ما قضى به وقدّر، فهو المحمود في كل أوان بكل لسان وعلى كل حال له الحمد سبحانه كما ينبغي لجلاله وعظمته.
له الحمد كثيرا كما أنعم كثيرا، وله الشكر كثيرا كما تفضل كثيرا، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد:
فاسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن رضي وسلم وآمن وتابع اللهم اجعلنا ممن مننت عليه بالهدى ?رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ?[آل عمران:8].
ثم أيها الأخوة المؤمنون موضوع هذه المحاضرة موضوع مهم:
لأنه ركن من أركان الإيمان.
ولأنه أيضا تلتبس معه وفيه أوهام كثير من المسلمين.
ولأنه أيضا ربما جاء الشيطان بشبه على قلب المؤمن ليضلّه عن نظام التوحيد الذي هو القدر فيكون ذلك سببا لزيغ لُبُّه بعد هدايته.
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: القدر سر الله.
فالواجب على المؤمن أن يكون مستمسكا بالوحي كما أمر الله جل وعلا عباده بذلك، فقال سبحانه ?فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ?[الزخرف:43]، وأن لا يتعدى العبد المؤمن ما أنزل الله جل وعلا في القرآن وما بينه رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنته؛ لأن الهدى الكامل في الكتاب كامل والسنة، ومن رغب الهدى من غيرهما أضلّه الله والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ صحّ عنه أنه قال «إذا ذكر القدر فأمسكوا» يعني أمسكوا عن الكلام في القدر بما لم توقفوا فيه على علم من الله جل وعلا أو من الوحي الذي أوحي إلى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الواجب على كل مؤمن أن يسعى في تعلّم هذا الركن من أركان الإيمان وهو الإيمان بالقدر من الله جل وعلا خيره وشره، وأن يتعلم أيضا أنه لا يجوز له أن يخوض في مسائل القضاء والقدر ولا الهدى والضلال ولا الشقاوة والسعادة ولا أحوال الناس الذين جعلهم الله جل وعلا متفاوتين في الإيمان وفي الأرزاق وفي الأخلاق، وأن لا يخوض في ذلك إلا بعلم موثوق وهو ما جاء في الكتاب كامل والسنة؛ لأن القدر في الحقيقة أمر غيبيّ كما قال ابن عباس القدر سر الله جل جلاله.
لهذا كلامنا فيما ستسمع إن شاء الله تعالى إنما هو من مشكاة الوحي من القرآن والسنة، ولا يجوز لأحد أن يخوض في مسائل الغيب بعامة وفي مسائل القدر إلا عن علم ودليل؛ لأن الخوض في ذلك بالعقول والأوهام والأقيسة مسلك من مسالك الضلال، والشيطان يأتي العبد ليضله عن سبيل الله في أن يخوض في فعل الله جل وعلا بالعلل والأقيسة، ولهذا أحسن ابن تيمية رحمه الله في قوله في تائيته القدرية المشهورة قال
وأصل ضلال الخلق من كل فرقة هو الخوض في فعل الإله بعلة
فإنهـم لم يفهـموا حكمة لـه فصاروا على نوع من الجاهلية

يريد المرء أن يدرك لم حصل كذا؟ ولم اهتدى فلان وضل فلان؟ ولم أعطي هذا ومنع ذاك؟ ولم مرض هذا وصح ذاك؟ ولم هذا صار ملك وهذا صار عبدا؟ ولم ولم ولم؟ فإذا خاض في أفعال الله وفيما يحدث في الملكوت بقوله لم؟ فإنه سيضل كما ضل أهل الجاهلية، إلا أن يتابع ما علل الله جل وعلا به ما يحدث في كتاب كامله أو جاءنا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فإذن الأصل الأصيل -كمقدمة لهذا الموضوع المهم- ألا نخوض في القدر إلا بعلم وأن نؤمن به كما سيأتي بخيره وشره، وأن لا نقول: لِم يقضي الله جل وعلا، لم حدث ذاك؟ لِمْ لَمْ يحدث كذا وكذا؟
الإيمان بالقضاء والقدر هو ركن السادس من أركان الإيمان؛ وذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما كان جالسا في أصحابه أتاه جبريل على صورة رجل فقال وقال: «يا رسول الله؛ اَخْبِرْنِي عَنِ الإسلام» فقال رسولُ الله ( «الإِسْلاَمُ أنْ تَشْهَدَ أَن لا إلَهَ إلاَّ الله، وَأَنَّ مُحَمَدًا رَسُولُ الله، وَتُقِيمَ الصَلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ بَيْتَ الله الحرام»، قال «صَدَقْتَ». قال عمر فعجبنا له: يسأله ويُصَدِّقُه! قال «فأخبرني عن الإيمان؟»، قال«أنْ تُؤْمِنَ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُِلهِ وَاليَوْمِ الآخِر، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرَّهِ»، فالإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان.
وجاء في القرآن إثبات ذلك في غيرما موضوع كما قال جل وعلا ?إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ?[القمر:49]، وكما قال جل وعلا ? وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا?[الفرقان:2]، وقال سبحانه ?أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ?[الحج:70]، وقال جل وعلا ?لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ?[الحديد:23]، فما من شيء يحدث إلا ويحدث بقدر الله جل وعلا.





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©