وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان؛ فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء، كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتقون؛ كما قال تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس : 62 - 63 ] .

وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله : من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة (أو: فقد آذنته بالحرب) وما تقرب إلي عبدي بمثل ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، فبي يبصر وبي يسمع وبي يبطش وبي يمشي، ولئن سألني [ص-26] لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه .

وهذا أصح حديث يروى في الأولياء، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه من عادى وليا لله فقد بارز الله بالمحاربة .

وفي حديث آخر: وإني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب أي: آخذ ثأرهم ممن عاداهم كما يأخذ الليث الحرب ثأره، وهذا لأن أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه، فأحبوا ما يحب وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يحب أن يرضى، وسخطوا ما يسخط، وأمروا بما يأمر ونهوا عما ينهى، وأعطوا لمن يحب أن يعطى، ومنعوا من يحب أن يمنع؛ كما في الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله وفي حديث آخر [ص-27] رواه أبو داود قال: من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان .

والولاية ضد العداوة، وأصل الولاية : المحبة والقرب، وأصل العداوة البغض والبعد .

وقد قيل : إن الولي سمي وليا من موالاته للطاعات؛ أي: بمتابعته لها، والأول أصح .

والولي: القريب، يقال : هذا يلي هذا؛ أي: يقرب منه . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر [ص-28] أي: لأقرب رجل إلى الميت . وأكده بلفظ الذكر؛ ليبين أنه حكم يختص بالذكور لا يشترك فيها الإناث؛ كما قال في الزكاة : فابن لبون ذكر .

فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع له فيما يحبه ويرضاه ويبغضه ويسخطه وما يأمر به وينهى عنه، كان المعادي لوليه معاديا له، كما قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ فمن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومن عاداه فقد حاربه؛ فلهذا قال: من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة .

وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه، وأفضل أنبيائه المرسلون منهم، وأفضل المرسلين أولو العزم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين.

قال تعالى : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ [ص-29] [الشورى : 11 ] .

وقال تعالى : وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا [الأحزاب : 7 - 8 ] .

وأفضل أولي العزم : محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم النبيين وإمام المتقين وسيد ولد آدم، وإمام الأنبياء إذا اجتمعوا وخطيبهم إذا وفدوا، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، وصاحب اللواء المعقود وصاحب الحوض المورود، وشفيع الخلائق يوم القيامة وصاحب الوسيلة والفضيلة، الذي بعثه الله بأفضل كتبه وشرع له أفضل شرائع دينه، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، وجمع له ولأمته من الفضائل والمحاسن بما فرقه فيمن قبلهم، وهم آخر الأمم خلقا وهم أول الأمم بعثا؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب كامل من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ؛ فهذا -يعني: يوم الجمعة- يومهم الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله له؛ فالناس لنا تبع فيه، غدا لليهود وبعد غد للنصارى .

[ص-30] وقال صلى الله عليه وسلم: أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة .

وقال صلى الله عليه وسلم: آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن : من أنت ؟ فأقول: أنا محمد، فيقول: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك . .

وفضائله صلى الله عليه وسلم وفضائل أمته كثيرة، ومن حين بعثه الله جعله الفارق بين أولياء الله وبين أعدائه: فلا يكون وليا لله إلا من آمن به وبما جاء به، واتبعه باطنا وظاهرا، ومن ادعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه، فليس من أولياء الله تعالى ؛ بل من خالفه كان من أعداء الله وأولياء الشيطان .

قال تعالى : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران : 31 ] .

قال الحسن البصري رحمه الله: ادعى قوم أنهم يحبون الله، فأنزل الله هذه الآية محنة لهم.

وقد بين الله فيها أن من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله يحبه، ومن ادعى محبة الله ولم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم فليس من أولياء الله تعالى .

[ص-31] وإن كان كثير من الناس يظنون في أنفسهم أو في غيرهم أنهم من أولياء الله تعالى، ولا يكونون من أولياء الله، فاليهود والنصارى يدعون أنهم أولياء الله وأنه لا يدخل الجنة إلا من كان منهم ، بل يدعون أنهم أبناؤه وأحباؤه .

قال تعالى : وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [المائدة : 18 ] .

وقال تعالى : وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة : 111 - 112 ] .

وكان مشركو العرب يدعون أنهم أهل الله لسكناهم مكة ومجاورتهم البيت، وكانوا يستكبرون على غيرهم به، كما قال الله تعالى: قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ [المؤمنون : 67 ] وقال الله تعالى : [ص-32] وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأنفال : 30 - 34 ] فبين سبحانه أن المشركين ليسوا أولياءه ولا أولياء بيته، إنما أولياؤه المتقون .

وثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جهارا من غير سر : إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء (يعني: طائفة من أقاربه) إنما وليي الله وصالح المؤمنين وهذا موافق لقوله تعالى: وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ الآية . وصالح المؤمنين كل من كان صالحا من المؤمنين، وهم المؤمنون المتقون أولياء الله . ودخل في ذلك أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة، وكانوا ألفا وأربعمائة، وكلهم في الجنة كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم [ص-33] أنه قال: لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ومثل هذا الحديث الآخر : إن أولياء الله المتقون أين كانوا وحيث كانوا .

من كتاب كامل الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لشيخ الاسلام رحمه الله


وبهذا يتبين زيغ وحطأ من قال بأن الولي يزني ويبيع المخدرات وفوق الماء يمشي وهو عند الله وليا مقربا .
بالله أيعقل هذا ؟
سبحان الله نسأل الله الهداية للخلق أجمعين ونحن معهم اللهم آمين





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©