بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب التميمي رحمه الله

أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة وأن يجعلك مباركاً أينما كنت وأن يجعلك ممن إذا أعطى شكر وإذا ابتلى صبر وإذا أذنب استغفر فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة .

الشرح مفصل :
بدأ الشيخ رسالته هذه - القواعد الاربع - بالدعاء لطالب العلم و قارئ الرسالة بأن يتولاه الله و أن يجعله مباركاً و هذا دليل على عناية المؤلف بطالب العلم
المبارك هو الذي يتعدى نفعه للأخرين
ذكر الشيخ رحمه الله ان علامات السعادة ثلاث و هي
اذا أصابته نعمة شكر اي عندما يكون في نعمة يشكر الله عليها و الشكر ثلاث شكر باللسان و شكر بالقلب و شكر بالجوارح
اذا ابتلى صبر اي عندما يبتلى الانسان في نفسه او اهله او ماله و غير ذلك يصبر و يحتسب ذلك عند الله و لا يجزع و لا يتسخط
اذا أذنب استغفر اي ان الانسان معرض الى الذنوب فاذا أذنب سارع بالتوبة و الاستغفار و العودة الى الله و ان كانت هناك مظلمة يردها الى اهلها
فالمسلم دائر بين هذه الامور الثلاث الشكر و الصبر و الاستغفار فهو في سعادة و هي عنوان السعادة كما ذكر الشيخ
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين كما قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذريات:56) فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة وهي الشرك بالله الذي قال الله تعالى فيه (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )(النساء: من الآية48) وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتاب كامله :

الشرح مفصل :
اعلم بمعنى اجزم و العلم هو اليقين من غير شك و هو ستة مراتب كما ذكر العلماء : العلم و الجهل و الجهل المركب و الوهم و الشك و الظن
الحنيفية هي ملة ابراهيم عليه السلام و هي من الحنف و هو الميل فهي الملة المائلة عن الشرك و هي ان تعبد الله وحده مخلصا له الدين و تسمى ايضا الاسلام
ذكر الشيخ ان العبادة لا تسمى عبادة الا مع التوحيد قال الله تعالى (و قضى ربك الا تعبدوا الا إياه) الاسراء 23
و ذكر ايضا ان الشرك اذا دخل في العبادة فسدت و بينها بمثال ان الصلاة لا تسمى صلاة الا مع الطهارة و اذا دخل حدث على الطهارة افسدها و افسد الصلاة
و الشرك اعظم الذنوب و هو اقبح القبيح و اظلم الظلم و من لقي الله به فان الله لا يغفر له و هو مخلد في النار قال الله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به) النساء 48
فاذا علمنا هذا الامر العظيم و هو الشرك وجب علينا ان نعرف الشرك و طرقه و ذرائعه الموصلة اليه حتى لا نقع فيه فنهلك نسأل الله العافية
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
القاعدة الأولى : أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بأن الله تعالى هو الخالق المدبر وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام والدليل قوله تعالى (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (يونس:31) .

الشرح مفصل :
ان سبب قتال الرسول صلى الله عيه و سلم الكفار هو أنهم اشركوا مع الله مع اقرارهم بأن الله هو الخالق و الرازق و المدبر لكن يشركون مع الله في العبادة و هذا يدخل في توحيد الربوبية و هو وحده لا يكفي للدخول الى الاسلام و الخروج من الشرك بل يجب إقرانه بتوحيد الألوهية و توحيد الاسماء و الصفات اذا اجتمعوا كان الانسان موحداً بالله فهؤلاء كفار قريش إقرارهم بأن الله هو الخالق و الرازق و المدبر لم يدخلهم الى الاسلام و لم يخرجهم من الشرك لذا استحل النبي صلى الله عليه و سلم دمائهم و قاتلهم
و الأدلة على هذه القاعدة كثيرة منها :
قال الله تعالى (و لئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) الزخرف 87
و قال تعالى (و لئن سألتهم من خلق السموات و الأرض و سخر الشمس و القمر ليقولن الله) العنكبوت 61
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
القاعدة الثانية : أنهم يقولون ما دعوناهم وتوجهنا إليهم إلا لطلب القربة والشفاعة فدليل القربة قوله تعالى ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)(الزمر: من الآية3) ودليل الشفاعة قوله تعالى (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّه)(يونس: من الآية18) الشفاعة شفاعتان : شفاعة منفية وشفاعة مثبتة فالشفاعة المنفية ما كانت تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله والدليل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة:254) والشفاعة المثبتة هي التي تطلب من الله والشافع مكرم بالشفاعة والمشفوع له من رضي الله قوله وعمله بعد الإذن كما قال تعالى (ِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(البقرة: من الآية255) .

الشرح مفصل :
عبد كفار قريش الأصنام و الأحجار و الأشجار و الشمس و القمر و غيرها من المخلوقات و كانوا يحتجون بقولهم ما دعوناهم و توجهنا اليهم الا لطلب القربة و الشفاعة و كانوا يقولون ما دعوناهم لأجل انها تنفع او تضر فنحن لا نعتقد ذلك لكن دعوناهم لتنقل حوائجنا الى الله تعالى و هذا هو الشرك بعينه لأن في الشرك لا يشترط أن يعتقد الداعي أن هذه الأصنام تنفع او تضر دعاؤه من دون الله شرك
و الدليل قوله تعالى (ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى) فحكم عليهم الله حكمين انهم كاذبون و كفار فقال تعالى (إن الله لا يهدي من هو كذاب كفار)
ذكر الشيخ أن الشفاعة شفاعتان شفاعة منفية و شفاعة مثبتة
فالشفاعة المنفية هي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه الا الله و هي باطلة لانه لا يقدر عليها الا الله
اما الشفاعة المثبتة فهي التي تطلب من الله و لها شرطان : إذن الله للشافع ان يشفع و رضا الله عن المشفوع له و هما شرطان يكونان في الموحد و ليس في المشرك لان الله لا يأذن لمشرك و لا يرضى عن مشرك
قال الله تعالى (و كم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء و يرضى) النجم 26
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
القاعدة الثالثة : أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على أناس متفرقين في عبادتهم منهم من عبد الملائكة ومنهم يعبد الأنبياء والصالحين ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار ومنهم من يعبد الشمس والقمر وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يفرق بينهم والدليل قوله تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ )(لأنفال: من الآية39) ودليل الشمس والقمر قوله تعالى ( وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (فصلت:37) ودليل الملائكة قوله تعالى (وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً)(آل عمران: من الآية80) ودليل الأنبياء قوله تعالى ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (المائدة:116) دليل الصالحين قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَه)(الاسراء: من الآية57) ودليل الأشجار والأحجار قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) (لنجم:19) (وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) (لنجم:20) وحديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلي حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط الحديث

الشرح مفصل :
المراد بالفتنة في الأية الاولى هي الشرك اي لا يكون شرك
بين الشيخ في هذه القاعدة الجليلة انه لا فرق بين المعبودات و أنها مهما اختلفت و تنوعت فحكمها واحد و هو انها كلها باطلة و كل من عَبَد غير الله من المخلوقات فهو مشرك حتى لو كان يشهد بالشهادتين و يصلي و يصوم مثل عباد القبور فهم يدعون الأموات من دون الله و ينذرون لهم و يذبحون لهم لأجل ذلك بطلت العبادة
ذكر الشيخ دليل كل المعبودات التي عبدها الاولين من القرآن و السنة
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
القاعدة الرابعة : أن مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ومشركو زماننا شركهم دائماً في الرخاء والشدة والدليل قوله تعالى (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) (العنكبوت:65)

الشرح مفصل :
بين الشيخ في هذه القاعدة ان المشركين المتأخرين أغلظ و أقبح و أشد شركاً من الاولين لأن الاولين يشركون في وقت و يوحدون في وقت و يعبدون انبياء و صالحين أما المتأخرين يشركون في كل الاوقات و هم أشد شركاً لأنهم عبدوا كفاراً و فساقاً مع أنهم كلهم في مشركون لكن الشرك يتفاوت
قال الله تعالى (و إذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم الى البر أعرضتم و كان الانسان كفورا) الاسراء 67
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
و الله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم

ختم الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله رسالته هذه برد العلم الى الله عز وجل و الصلاة و السلام على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم
تمت هذه القواعد نسأل الله تعالى ان يثيب مؤلفها أحسن الثواب و ان يجمعنا و اياه في دار كرامته انه جواد كريم و الحمد لله رب العالمين.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©