أقوال الأئمة في إتباع السنة وترك أقوالهم المخالفة لها

من المفيد أن نسوق هنا ما وقفنا عليه منها أو بعضها لعل فيها عظة وذكرى لمن يقلدهم - بل يقلد من دونهم بدرجات تقليدا أعمى - ويتمسك بمذاهبهم وأقوالهم كما لو كانت نزلت من السماء والله عز وجل يقول: )اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون
(



1.
أبو حنيفة رحمه الله:
فأولهم الإمام أبوحنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله، وقد روي عنه أصحابه أقوالاً شتى وعبارات متنوعة كلها تؤدي إلى شيء واحد وهو وجوب الأخذ بالحديث وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة لها:
· (
إذا صح الحديث فهو مذهبي). (ابن عابدين في الحاشية 1/63).
· (
لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه). (ابن عابدين في حاشيته على البحر الرائق 6/293). وفي رواية: (حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي). زاد في رواية: (فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا). وفي أخرى: (ويحك يا يعقوب (هو أبو يوسف) لا تكتب كل ما تسمع مني فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدا وأرى الرأي غدا وأتركه بعد غد).
· (
إذا قلت قولا يخالف كتاب كامل الله تعالى وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي). (الفلاني في الإيقاظ ص 50).


2.
مالك بن أنس رحمه الله:
وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقال:
(
إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب كامل والسنة فخذوه وكل ما لم يوافق الكتاب كامل والسنة فاتركوه). (ابن عبد البر في الجامع 2/32)
2- (
ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم). (ابن عبد البر في الجامع 2/91)
3-
قال ابن وهب: سمعت مالكا سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟ فقال: ليس ذلك على الناس. قال: فتركته حتى خف الناس فقلت له: عندنا في ذلك سنة فقال: وما هي؟ قلت: حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحنبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه. فقال: إن هذا الحديث حسن وما سمعت به قط إلا الساعة ثم سمعته بعد ذلك يسأل فيأمر بتخليل الأصابع. (مقدمة الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ص 31 - 32)


3.
الشافعي رحمه الله:
وأما الإمام الشافعي رحمه الله فالقول عنه في ذلك أكثر وأطيب وأتباعه أكثر عملا بها وأسعد، فمنها:
1- (
ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعزب عنه فمهما قلت من قول أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لخلاف ما قلت فالقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قولي). (مادة التاريخ دمشق لابن عساكر 15/1 /3)
2- (
أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد). (الفلاني ص 68)
3- (
إذا وجدتم في كتاب كاملي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت). (وفي رواية (فاتبعوها ولا تلتفتوا إلى قول أحد). (النووي في المجموع 1/63)
4- (
إذا صح الحديث فهو مذهبي). (النووي 1/63)
5- (
أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني به أي شيء يكون: كوفيا أو بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا). (الخطيب في الاحتجاج بالشافعي 8/1)
6- (
كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل النقل بخلاف ما قلت فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي). (أبو نعيم في الحلية 9/107)
7- (
إذا رأيتموني أقول قولا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب). (ابن عساكر بسند صحيح 15/10/1)
8- (
كل ما قلت فكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي مما يصح فحديث النبي أولى فلا تقلدوني). (ابن عساكر بسند صحيح 15/9/2)
9- (
كل حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو قولي وإن لم تسمعوه مني). (ابن أبي حاتم 93-94)


4.
أحمد بن حنبل رحمه الله:
وأما الإمام أحمد فهو أكثر الأئمة جمعا للسنة وتمسكا بها حتى (كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي)، ولذلك قال:
1- (
لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري وخذ من حيث أخذوا). (ابن القيم في إعلام الموقعين 2/302)
وفي رواية: (لا تقلد دينك أحدا من هؤلاء ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير).
وقال مرة: (الإتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ثم هو من بعد التابعين مخير). (أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص 276-277)
2- (
رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي وهو عندي سواء وإنما الحجة في الآثار). (ابن عبد البر في الجامع 2/149)
3- (
من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة). (ابن الجوزي في المناقب ص 182)


تلك هي أقوال الأئمة رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث والنهي عن تقليدهم دون بصيرة وهي من الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلا ولا تأويلا وعليه فإن من تمسك بكل ما ثبت في السنة ولو خالف بعض أقوال الأئمة لا يكون مبايناً لمذهبهم ولا خارجاً عن طريقتهم بل هو متبع لهم جميعا ومتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وليس كذلك من ترك السنة الثابتة لمجرد مخالفتها لقولهم بل هو بذلك عاص لهم ومخالف لأقوالهم المتقدمة والله تعالى يقول: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما.
وقال: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: (فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفه أن يبينه للأمة وينصح لهم ويأمرهم بإتباع أمره وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة فإن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم ويقتدى به من رأى أي معظم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأ ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل مخالف سنة صحيحة وربما أغلظوا في الرد لا بغضاً له بل هو محبوب عندهم معظم في نفوسهم لكن رسول الله أحب إليهم وأمره فوق أمر كل مخلوق فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع.





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©