حقيقة الخلاف بين الدعوة السلفية و الطرق الصوفية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه اما بعد
قال الله تعالى {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}(الرعد: 17).
الدعوة السلفية هي كما قال الشيخ العربي التبسي رحمه الله وهو يعرف بدعوة الجمعية :
«تتلخص في
دعوة المسلمين إلى العلم والعمل بكتاب كامل ربهم وسنة نبيهم والسير على منهاج سلفهم الصالح في أخلاقهم وعباداتهم القولية والاعتقادية والعملية »
([ مقدمة رسالة
الشرك للميلي (ص/5) مقالات في الدعوة (1/141) وانظر المقالات (2/27) .]).

واما الصوفية فكما قال الامام البشير الإبراهيمي -رحمه الله-في معرض الردِّ على أصحاب الطرق:
«لعمرك إنَّ الطُّرقية في صميم حقيقتها احتكارٌ لاستغلال المواهب والقوى، واستعمارٌ بمعناه العصريِّ الواسع، واستعبادٌ بأفظع صوره ومظاهره، يجري كلُّ هذا والأشياخ أشياخٌ يُقدَّس ميِّتُهم، وتُشاد عليه القباب، وتُساق إليه النذور، ويُتمرَّغ بأعتابه، ويُكتحل بترابه، وتُلتمس منه الحاجات، وتفيض عند قبره التوسُّلات والتضرُّعات، ويكون قبره فتنةً بعد الممات كما كان شخصُه فتنةً في الحياة، ثمَّ تتولَّد الفتن فيكون اسمُه فتنةً، وأولاده فتنةً ودارُه فتنةً، فإذا هو مجموع فتونٍ، تربو عدًّا على ما في مجموع المتون»(- «الآثار» (1/172)


الصوفية عند الامام البشير هي التي شوهت الدين وفرقت كلمة المسلمين
قال البشير الابراهيمي-رحمه الله-: «وأمَّا المذاهب الصوفية فهي أبْعَدُ أثرًا في تشويه حقائق الدين، وأشدُّ منافاةً لروحه، وأقوى تأثيرًا في تفريق كلمة المسلمين ...»(- «الآثار» (1/168)
وقال -رحمه الله- في بيان سبب تفرُّق المسلمين:
«... نعلم عِلْمَ اليقين ونتحقَّق حَقَّ اليقين أنَّ الذي فرَّق الأمَّةَ ومزَّق وحدتها حتَّى أصبحت متنافرةً إلى آخر ما وصفْتُها به هي الطرق ... لا بالآثار البعيدة غير المباشرة بل بأصولها التي بُنِيَتْ عليها، وبشروطها الموثَّقة من شيوخها، وبعهودها المأخوذة على أتباعها ...»(- «الآثار» (1/304)<_41)
وقال -رحمه الله-: «أَمَا والله ما بلغ الوضَّاعون للحديث، ولا بلغت الجمعيات السرِّية ولا العلنية الكائدة للإسلام مِن هذا الدين عُشْرَ معشار ما بلغتْهُ من هذه الطرق المشؤومة»*(- «الآثار» (1/171)
وجاء في الأصول التي قد قامتْ عليها دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
«الأصل السادسَ عشرَ: الأوضاع الطُّرقية بدعةٌ لم يعرفْها السلف، ومبناها كلِّها على الغلوِّ في الشيخ والتحيُّز لأتباع الشيخ، وخدمة دار الشيخ وأولاد الشيخ، إلى ما هنالك من الإذلال والاستغلال ومن تجميد العقول وإماتةٍ للهمم وقتلٍ للشعور وغير ذلك من الشرور»(- «من وثائق جمعيّة العلماء المسلمين» (19))

فالخلاف بيينا وبين الصوفية الطرقية ليس محصورا في بعض المسائل العلمية التي يدندن حولها الصوفية لصرف الناس عن اسباب الخلاف الحقيقفي بيننا نحن السلفيون وبين دعاة الصوفية الطرقية
ان الخلاف الحقيقي بيننا وبينهم هو على تلك البدع والشركيات والمنكرات التي ترتكب جهارا نهارا
باسم التصوف وباسم الاولياء وباسم المرجعية وباسم الهوية

تلك البدع والشركيات والمنكرات التي تخالف الدين بل التي تحارب الدين
والتي جلعت الشرك مكان التوحيد والبدعة مكان السنة والمنكر مكان المعروف
والتي سعت ولا زالت تسعى الى تجهيل الناس وافساد فطرهم وحرفهم عن الصراط المستقيم والدين القويم

يقول الامام ابن باديس رحمه الله : &quot; ... إنَّ المصلحين ما تصدَّوْا لمقاومة الطرقية إلاَّ بعد أن رأوا رؤساءها قد قعدوا للمسلمين على رأس كل طريق للخير يصدُّونهم عنه ، قعدوا على طريق التَّوحيد ، فإذا دعونا الناس إلى عبادة الله وحده وسؤالِهِ وحده والقَسَمِ بِهِ وحده والرجاء فيه وحده والخوف منه وحده والخضوع
له وحده – أَبَوْ إلا أن يحلف النَّاس بهم وإلاَّ أن يخضعوا لهم ويرجُوا تصرّفهم لهم ويخافوا دعوة شرّهم &quot; إلى أن يقول : &quot; فبعد هذا البيان لا نظنُّ أحدًا من أهل العلم والدين والنُّصح للإسلام والمسلمين يتردَّدُ في استصواب ما سلكه المصلحون من مقاومة الخرافات الطرائقية وضلالاتها ومضارِّها &quot;
( مقالة : ( الأستاذ محب الدين الخطيب لمقاومة الطرقية والطرقيّين ) / &quot;الشهاب&quot;: (ج5/م10) محرم 1353هــ ، أفريل 1934م ، (ص:210-212) .*)


قال البشير الإبراهيمي -رحمه الله-عن سبب الخلاف بيننا وبين الصوفية الطرقية «إنَّ الخلاف بيننا وبين هؤلاء ليس في مسائلَ علميةٍ محصورةٍ يعدُّونها في كلِّ بلدٍ بعددٍ ويُكثرون حولها اللغط ليوهموا الناس أنَّ الخلاف علميٌّ ... وإنما الخلاف بيننا وبينهم في طُرقهم وزواياهم، وما يرتكبونه باسمها من المنكرات التي فرَّقتْ كلمة المسلمين، وجعلت الدين الواحد أديانًا، فقلنا لهم ولا نزال نقول: «لا طرقيَّةَ في الإسلام»، وأقمْنا على ذلك الأدلَّة من الدين ومادة التاريخه الأوَّل والعقل ومقتضَياته»(- «الآثار(1/303))
وكلام علماء الجمعية في هذا كثير تجده في كتب علمائها
وانظر كتاب كامل (الصراع بين السنة والبدعة) للشيخ أحمد حماني رحمه الله

وقال ابن باديس : &quot;فالذين أحدثوا في الدِّين ما لم يعرِفه السلف الصالح، لم يَقتدوا بمن قبلهم، فليسوا أهلاً لِأَنْ يقتديَ بهم مَن بعدَهم. فكلُّ من اخترع وابتدع في الدِّين ما لم يعرفه السلف الصالح فهو ساقطٌ عن رُتبة الإمامة فيه&quot;(مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، لابن باديس: ص (320).
واختم بكلام نفيس لامام من ائمة الجزائر
قال الشيخ العربي التبسي « وهذه الطائفة التي تعد نفسها سعيدة بالنسبة إلى السلف وأرجو أن تكون ممن عناهم حديث مسلم ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ) الحديث . فقد وُفقوا لتقليد السلف في إنكار الزيادة في الدين ، وإنكار ما أحدثه المحدثون وما اخترعه المبطلون ، ويرون أنه لا أسوة إلا برسول الله أو من أمرنا بالائتساء به ، فلما شاركوا السلف وتابعوهم في هذه المزية الإسلامية نسبوا أنفسهم إليهم »([مقالات في الدعوة (1/109).]).
وقال أيضا :« أما السلفيون الذين نجاهم الله مما كدتم لهم فهم قوم ما أتوا بجديد، ولا أحدثوا تحريفا ، ولا زعموا لأنفسهم شيئا مما زعمه شيخكم ، وإنما هم قوم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر في حدود الكتاب كامل والسنة»([مقالات في الدعوة (1/115).]).
نسأل الله أن يهديَنا للحقِّ،وهو حَسْبُنَا ونعم الوكيل، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
_____
بودلال محمد بن العربي التلمساني







©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©