المغول
هم سلالة حكام مسلمين، وصلوا إلى الحكم في الهند في مطلع القرن السادس عشر وحتى نهاية القرن ذاته سيطروا على معظم أنحاء القارة الآسيوية. امتاز حكم المغول في الهند بنجاعته الممتازة واتسم بالقدرة التنظيمية والإدارية والتي تستحق التقدير، وقد حاول المغول والذين كانوا يدينون بالديانة الإسلامية، حاولوا الدمج بين المؤمنين الهندوس وبين المؤمنين المسلمين، وذلك بهدف التوصل إلى وحدة وعلاقة صداقة في الهند. عاصمة المغول كانت دلهي، حيث طوروها وبنوا فيها مباني رائعة، ومع غزو حاكم إيران نادر شاه لشمال الهند في عام 1739 بدأت معها بداية نهاية المغول. بالرغم من استمرار الحكام المغول بالسيطرة على منطقة دلهي مئة سنة أخرى بعد ذلك، حتى سقوط الإمبراطورية المغولية، ولكن في الواقع فقد المغوليون قوتهم الحقيقية قبل ذلك بكثير.

*************************************

امتدت إمبراطورية المغول حين مات جنكيز خان في سنة (623 هـ = 1227م) من كوريا شرقًا إلى فارس غربًا، ومن جنوب روسيا شمالاً حتى المحيط الهندي جنوبًا، ثم اتسعت في عهد أقطاي الذي خلف جنكيز خان على المغول، فشملت الدولة الخوارزمية في فارس وأذربيجان، بعد أن تمكنوا من القضاء عليها، وقتل زعيمها "جلال الدين منكبرتي" في سنة (628 هـ = 1240) ثم بدءوا في الهجوم على أوربا، وتمكنوا من الانتصار على القوات البولندية وحلفائها في معركة "ليجنتز" في (25 من رمضان 638 هـ = 9 من إبريل 1241م)، ثم اتجهوا إلى بلاد المجر، وهزموا ملكها بيلا الرابع في (شوال 638 هـ = إبريل 1241م)
واتسمت غارات المغول بالسرعة والوحشية، وممارسة أبشع أساليب القتل والفتك؛ ما ألقى الفزع في نفوس الناس، وزرع الرعب والهلع في أفئدتهم. وقد زلزلت أنباء المغول العالم الإسلامي والمسيحي بعدما وصل نفوذ المغول إلى حدود أوربا.

وفي الوقت الذي تعرض له الجناح الشرقي من العالم الإسلامي لخطر المغول، وأصبحت الخلافة العباسية على وشك السقوط، وهو ما تم بعد ذلك، كانت سواحل الشام خاضعة للصليبيين، وكانت حملاتهم ترمي للسيطرة على مصر، وتكريس وجودهم في هذه المنطقة.

أنباء المغول تصل إلى أوربا

لم يعرف الأوربيون شيئًا عن المغول وخطرهم الداهم إلا في فترة متأخرة، وبعد اجتياحهم المشرق الإسلامي، وكان الفارون من جنوب روسيا حين غزاها المغول أول من قدّم معلومات عن الخطر المغولي إلى غرب أوربا، وزاد شعورهم بالخطر حين اجتاح التتار "جورجيا" و"أرمينيا" ولذا تحركت البابوية لدرء هذا الخطر، وهي تعد حملة صليبية جديدة، فوضع البابا "أنوسنت الرابع" (641 – 652 هـ = 1243 – 1254م) تحت عنوان: "علاج ضد الخطر المغولي" ثلاث سفارات بابوية:

كانت الاستعدادات تجري في الغرب الأوروبي على قدم وساق بين "البابا أنوسنت الرابع" و"لويس التاسع" ملك فرنسا لإرسال حملة صليبية إلى مصر، وإعادة الاستيلاء على بيت المقدس، ورأى البابا في المغول الذين يواصلون زحفهم نحو قلب العالم الإسلامي فرصة لا تضيع في عقد تحالف معهم؛ للقضاء على المسلمين، والاستيلاء على ثرواتهم، والسيطرة على طرق التجارة الدولية.

السفارات الصليبية

أرسل البابا أول سفارة إلى المغول في سنة (643 هـ = 1245م)، حملت رسالة إلى زعيم المغول، يدعوه فيها إلى اعتناق المسيحية على المذهب الكاثوليكي، وإحلال السلام بين الغرب والمغول. ويبدو أن هذه السفارة لم تنجح في مهمتها تمامًا.

أرسل البابا سفارة ثانية، غادرت ليون في (15 من ذي القعدة 1244 هـ = 16 من إبريل 1245م)، ووصلت منغوليا وحضرت حفل تتويج "كيوك خان" على عرش المغول في مدينة "قرا قورم" عاصمة المغول في (9 من ربيع الآخر 644 هـ = 24 من أغسطس 1246م)، وقد أكرم كيوك خان وفادة سفارة البابا، ورد على المطالب البابوية بالرفض، وطلب من البابا أن يخضع هو وسائر ملوك أوربا المسيحيين للسيادة المغولية.

وفي الوقت الذي خرجت فيه السفارة الثانية للمغول كانت هناك سفارة ثالثة خرجت في إثرها، ضمت رهبانًا من جماعة "الدومنيكان" وأوكلت إليها مهمة مختلفة عن مهمة السفارتين السابقتين، فقد أمر البابا هذه السفارة أن تصل إلى أول جيش مغولي تقابله في فارس، وأن يحضّ قائده على الامتناع عن نهب الناس، وبخاصة المسيحيين منهم، وأن يعتنق المسيحية، وأن يتوب عن خطاياه، فالتقت السفارة بجيش مغولي في "تبريز" في (17 من المحرم 645 هـ= 24 من مايو 1247م)، وكان رد قائد الجيش المغولي أن رسالة البابا أدت إليه النصيحة بعدم القتل والتدبير، وأنه يرفض دعوته إلى اعتناق المسيحية، وعلى البابا وملوك أوروبا أن يعلنوا خضوعهم لسلطان المغول.. ومن ثم لم تؤد السفارات الثلاثة ما كان يطمح له البابا من جذب المغول الوثنيين إلى المسيحية ووقوفهم معا ضد المسلمين.

تحالف مغولي أرميني

ومما يذكر أن المغول نجحوا في إقامة تحالف مع دولة أرمينيا الصغرى المسيحية أصبحت بمقتضاه تابعة للمغول. وتضمن الاتفاق الذي عقد بين الطرفين، تبعية "هيتون" ملك أرمينيا للمغول، وضرورة التعاون مع الدول المسيحية لاسترجاع بيت المقدس، وتعيين ملك أرمينيا مستشارًا لخاقان المغول في شئون المشرق، وإعفاء الكنائس في الإمبراطورية المغولية من أنواع الضرائب كافة.

عادت المفاوضات مرة أخرى بعد انقطاع بين المغول وأوربا للقيام بعمل مشترك ضد المسلمين، فبعث "جغطاي خان" ملك المغول بسفارة إلى الملكلويس التاسع أثناء إقامته بقبرص قبل أن يقوم بالحملة الصليبية السابعة. وفي هذه السفارة يدعو "جغطاي" ملك فرنسا إلى التعاون معًا ضد المسلمين، واستعادة الأراضي المقدسة منهم، وقد أسرع ملك فرنسا بالرد، فأوفد سفارة إلى المغول لتنظيم التعاون بينهما، لكنها فشلت أمام اشتراطات المغول، وطلبهم أن يرسل الملك الفرنسي جزية سنوية إلى خان المغول.

وهكذا فشل المشروع البابوي في إقامة تحالف مع المغول ضد المسلمين، بسبب غطرسة المغول، وعدم قبولهم التحالف مع أي جهة تعتبر نفسها على قدم المساواة معهم.‏‏




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©