يروي الأديب عمرو بن بحر الجاحظ في كتاب كامل (البخلاء):

أن شاعرا امتدح والي خراسان بقصيدة عصماء، فلما فرغ قال: قد أحسنت.
ثم أقبل على كاتبه فقال: أعطه عشرة آلاف درهم.
ففرح الشاعر فرحاً قد يستطار له. فلما رأى حاله
قال: وإني لأرى هذا القول قد وقع منك هذا الوقع .. اجعلها عشرين ألف درهم.
فكاد الشاعر يخرج من جلده.
فلما رأى فرحه تضاعف قال: وإن فرحك ليتضاعف على قدر تضاعف القول، أعطه
يا فلان أربعين ألفا.
فكاد الفرح يقتله.
ثم إن كاتب الوالي أقبل عليه فقال: سبحان الله! هذا -أي الشاعر- كان يرضى منك بأربعين درهماً،
تأمر له بأربعين ألف درهم!
قال: ويلك! وتريد أن تعطيَه شيئاً؟
قال: وهل من إنفاذ أمرك بدّ؟
قال الوالي: يا أحمق! إنما هذا رجل سرَّنا بكلام فسررناه بكلام ….
وهو حين زعم أني أحسن من القمر، وأشد من الأسد، وأن لساني أقطع من السيف، وأن أمري
أنفذ من السنان، هل جعل في يدي من هذا شيئاً أرجع به إلى بيتي؟ … ألسنا نعلم أنه قد كذب؟
ولكنه قد سرنا حين كذب لنا، فنحن أيضاً نسره بالقول ونأمر له بالجوائز وإن كان كذباً، فيكون
كذب بكذب وقول بقول …. فأما أن يكون كذب بصدق، وقول بفعل، فهذا هو الخسران المبين”.






©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©