تحذير الخلق من المذبذب بين أهل الباطل وأهل الحق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإنَّ الفتن التي يثيرها دعاة الباطل كلما تشتد كلما يظهر فيها معادن الناس؛ فمن الناس مَنْ يشتد ساقه في هذا الفتن فتراه ثابتاً قوياً يصدع بالحق ويحذِّر من الباطل وأهله بكل شجاعة وإقدام لا يخاف في الله لومة لائم ولا سطوة ظالم، وعلامة هذا: الرسوخ في الفتنة وعدم التذبذب والاضطراب؛ لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، ومن الناس مَنْ تجره الفتنة معها فتراه يعلن الباطل وينتصر له بالتأصيلات الفاسدة والتقعيدات الكاسدة لا يبالي بالأدلة العلمية ولا بأقوال الأئمة والعلماء السلفية، وعلامة هذا: أنه لا يعرف معروفاً ولا يُنكر منكراً إلا ما أُشرب هواه.
فقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا عند عمر رضي الله عنه فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل فى أهله وجاره؟! قالوا: أجل، قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة؛ ولكن أيكم سمع النبى صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التى تموج موج البحر؟! قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت لله أبوك، قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَىُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَىُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ؛ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )).

وهناك صنف ثالث من الناس بين هذين؛ لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فهو يتذبذب بين الصنفين كالشاة العائرة بين الفريقين، لا يدري أيهما يتبع، فيبق مع هؤلاء تارة وأخرى مع أولئك، يأتي هؤلاء بوجه ولسان ويأتي أولئك بوجه ولسان آخرين، يمشي ويجالس أهل الحق مرة ويمشي ويجالس أهل الباطل مرة أخرى.
قال تعالى: (( مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً )).
وأخرج الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً))، وعند غيره بزيادة: (( لاَ تَدْرِي أَيَّهُمَا تَتْبَعُ )).
وأخرج البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ))، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار ))، وفي رواية: (( مَنْ كان ذا لسانين جعل الله له يوم القيامة لسانين من نار )) [انظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله حديث (892)].

ومثل هذا الصنف من الناس قد كثر منذ زمن بعيد، ويزداد ظهوره كلما اشتدت الفتن على أهل الحق وازدادت عليهم معاداة أهل الباطل، فهو يخشى من هؤلاء تارة ومن أولئك أخرى، ويتزلف إلى هؤلاء مرة وإلى هؤلاء مرة، ليس له قرار ولا مستقر، وليس له موقف واحد ولا وجهة معلومة، بل يحرص كل الحرص على عدم إظهار ما يخفيه في نفسه وسره، لأنه يخشى أن ينكشف ستره وينفضح أمره، ولكنَّ الله عزَّ وجل أبى إلا أن يفضح هذا الصنف ويكشف حاله للناس إما في لحن القول أو في بعض مواقفه وتقريراته أو في صحبته وألفته ومجالسه أو في مخرجه ومدخله.
قال تعالى: (( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ. وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ )).
وقال تعالى: ((وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ))، وهذا مثل صاحب العقيدة الخبيثة، ليس له قرار، فهو كالشجرة التي ليس لها جذر تقلبها الرياح هنا وهناك.
وقال أحد السلف: ((مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إلَّا أَبْدَاهَا اللهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ)).
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: ((من فقه الرجل ممشاه، ومدخله، ومخرجه، قاتل الله الشاعر حين يقول: عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه.... فإنَّ القرين بالمقارَن يقتدي)).
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((إنما يماشي الرجل ويصاحب مَنْ يحبه ومَنْ هو مثلُه))، وقال: ((اعتبروا الناس بأخدانهم؛ فإنَّ الرجل لا يخادن إلا مَنْ يعجبه نحوه))، وقال: ((اعتبروا الأرض بأسمائها، واعتبروا الصاحب بالصاحب)).
وقال سفيان الثوري رحمه الله: ((ليس شيء أبلغ في فساد رجل وصلاحه من صاحب)).
وقال الأوزاعي رحمه الله: ((مَنْ ستر علينا بدعته لم تخف علينا ألفته))، وقال: ((يُعرف الرجل في ثلاثة مواطن: بألفته، ويعرف في مجلسه، ويعرف في منطقه)).
وقال معاذ بن معاذ رحمه الله: قلت ليحيى بن سعيد: ((يا أبا سعيد؛ الرجل وإن كتم رأيه لم يخف ذاك في ابنه، ولا صديقه، ولا في جليسه)).
وقال محمد بن عبيدالله الغلابي رحمه الله: ((كان يقال: يتكاتم أهلُ الأهواء كلَّ شيء إلا التآلف والصحبة)).
وقال مالك بن دينار رحمه الله: ((الناس أجناس كأجناس الطير: الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والبط مع البط، والصعو مع الصعو، وكل إنسان مع شكله)).
وقال أبو حاتم رحمه الله: ((قدم موسى بن عقبة الصوري بغداد، فذُكِرَ لأحمد بن حنبل فقال: انظروا على مَنْ نزل؟ وإلى مَنْ يأوي؟)).
وقال عمرو بن قيس المُلَائِيُّ رحمه الله: ((إِذَا رَأَيْتَ اَلشَّابَّ أَوَّلَ مَا يَنْشَأُ مَعَ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَارْجُهُ، وَإِذَا رَأَيْتَهُ مَعَ أَهْلِ اَلْبِدَعِ فَايأَسْ مِنْهُ؛ فَإِنَّ اَلشَّابَّ عَلَى أَوَّلِ نُشُوئِهِ)).
وهذه الآثار كلها منقولة من كتاب كامل الإبانة الكبرى لابن بطة، والأثر الأخير ذكره أيضاً ابن مفلح عن الإمام أحمد في الآداب الشرعية.
وقد نقل الإمام ابن بطه رحمه الله في الإبانة الكبرى أيضاً بسنده عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: ((الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالي صاحب بدعة إلا من النفاق))، قال ابن بطه معقباً:صدق الفضيل رحمة الله عليه، فإنا نرى ذلك عياناً،ثم ذكر بعده أنه قيل للأوزاعي: إنَّ رجلاً يقول: أنا أجالس أهل السنة وأجالس أهل البدع؟فقال الأوزاعي: ((هذا رجل يريد أن يساوي بين الحق والباطل))، وعقَّب ابن بطه فقال:صدق الأوزاعي؛ أقول: إنَّ هذا رجل لا يعرف الحق من الباطل، ولا الكفر من الإيمان، وفي مثل هذا نزل القرآن، ووردت السنة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم؛قال الله تعالى: "وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم"، وذكر حديث (الشاة العائرة بين الفريقينثم قال:((كثر هذا الضرب من الناس في زماننا هذا!، لا كثَّرهم الله، وسلَّمنا وإياكم من شر المنافقين، وكيد الباغين، ولا جعلنا وإياكم من اللاعبين بالدين، ولا من الذين استهوتهم الشياطين، فارتدوا ناكصين، وصاروا حائرين)).

ومثل هذا الصنف من الناس شديد الفتنة على أهل السنة، بل فتنته عليهم أشد من فتنة المبتدعة الظاهرين!، لأنه يُظهر السنة ويبطن خلافها، ويحاول بأساليب ملتوية ظاهرها الخير والمصلحة والرحمة وباطنها المكر والخديعة والمكيدة والمراوغة، وغرضه من ذلك التثبيط أو التخذيل أو الإفساد أو التفريق أو التنفير أو التأليب أو الطعن في السنة وأهلها من الداخل.
قال تعالى: ((لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى [المجموع 233-234]: ((فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعًا تخالف الكتاب كامل ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس فسد أمر الكتاب كامل وبُدِّل الدين؛ كما فسد دين أهل الكتاب كامل قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم ينكر على أهله. وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سمَّاعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقًا؛ وهو مخالف للكتاب كامل وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى: "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالًا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم"، فلا بد أيضًا من بيان حال هؤلاء؛ بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم!!، فإنَّ فيهم إيمانًا يوجب موالاتهم وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تفسد الدين فلا بد من التحذير من تلك البدع وإنْ اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم؛ بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق لكن قالوها ظانين أنها هدى وأنها خير وأنها دين ولم تكن كذلك؛ لوجب بيان حالها)).

وقد يكون سبب هذا التذبذب هو إتباع الهوى والتلون في الدين؛ فقد أخرج عبدالرزاق في مصنفه عن معمر عن قتادة قال معمر: وكتب به إلي أيوب السختياني: أنَّ أبا مسعود الأنصاري دخل على حذيفة رضي الله عنه، فقال: أوصنا يا أبا عبدالله، فقال حذيفة: أما جاءك اليقين؟! قال: بلى وربي، قال: ((فإنَّ الضلالة حق الضلالة: أن تعرف اليوم ما كنت تنكر قبل اليوم، وأن تنكر اليوم ما كنت تعرف قبل اليوم، وإيَّاك والتلون، فإنَّ دين الله واحد))،
وروى الآجري عن معن بن عيسى قال: انصرف مالك بن أنس يوماً من المسجد، وهو متكئ على يدي فلحقه رجل، يقال له أبو الجيرية كان يتهم بالإرجاء، فقال يا عبدالله: اسمع مني شيئاً أكلمك به وأحاجك وأخبرك برأيي. فقال مالك: فإن غلبتني، قال: إن غلبتك اتبعتني، قال: فإنْ جاء رجل آخر فكلمنا فغلبنا، قال: نتبعه، قال مالك: يا عبدالله بعث الله محمداً بدين واحد، وأراك تنتقل من دين إلى دين، ثم ذكر قول عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى: من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل.

وقد يكون سببه عدم المعرفة أو عدم التمييز بين الحق والباطل وعدم التفريق بين أولياء الله وأولياء الشيطان؛ فمَنْ كان حاله كذلك فالواجب أن يُعرَّف الحق والباطل ويُعرَّف بأهل السنة وأهل البدع، ويُبيَّن له ذلك بالأدلة والبراهين، ويكون ذلك بالتلطف والرفق وبالصبر والمناصحة لعلَّ الله عزَّ وجل أن يشرح مفصل صدره للهدى، فإن أصرَّ وعاند ولم ينقاد للأدلة والحجج بعد بيان الحق والنصيحة له، وصار يلتمس المعاذير لأهل الباطل ويجادل عنهم ولا يقبل الكلام فيهم ويتكلَّف لهم التأويلات المتعسِّفة؛ فهذا يُحذَّر منه، ولا يُمكن أن ينصح به ولا يطمئن إليه، بل مثله يلحق بأهل البدع الذين يدافع عنهم ويجادل، ولا كرامة.

وإليكم إخواني الأكارم أقول أهل العلم قديماً وحديثاً في التحذير من هذا الصنف من الناس:
1- روى ابن عساكر في مادة التاريخ دمشق بسنده عن عقبة بن علقمة قال: ((كنتُ عند أرطأة بن المنذر فقال بعض أهل المجلس: ما تقولون في الرجل يجالس أهل السنة ويخالطهم؛ فإذا ذُكر أهلُ البدع قال: دعونا من ذكرهم لا تذكروهم؟ فقال أرطأة: "هو منهم لا يلبس عليكم أمره"، قال: فأنكرتُ ذلك من قول أرطأة، فقدمتُ على الأوزاعي وكان كشَّافاً لهذه الأشياء إذا بلغته!، فقال: "صدق أرطأة، والقول ما قال، هذا ينهي عن ذكرهم، ومتى يُحذروا إذا لم يشاد بذكرهم؟!&quot). وقال الأوزاعي رحمه الله: ((إذا رأيته يمشي مع صاحب بدعة، وحلف أنه على غير رأيه فلا تصدقه)).

2- وأخرج اللالكائي في شرح مفصل أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة بسنده عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: ((مَنْ جلس مع صاحب بدعة فاحذره))، وقال: ((وعلامة النفاق: أن يقوم الرجل ويقعد مع صاحب بدعة)).

3- وقال سفيان الثوري رحمه الله: ((مَنْ ماشى المبتدعة عندنا: فهو مبتدع)).
وأخرج ابن بطه في الإبانة: لما قدم سفيان الثوري البصرة، جعل ينظر إلى أمر الربيع بن صبيح وقدره عند الناس، سأل أي شيء مذهبه؟ قالوا: ما مذهبه إلا السنة، قال: مَنْ بطانته؟، قالوا: أهل القدر، قال: هو قدري.
وقد علَّق ابن بطة رحمه الله تعالى على هذا الأثر بقوله: ((رحمة الله على سفيان الثوري؛ لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب كامل والسنة وما توجبه الحكمة ويدركه العيان، ويعرفه أهل البصيرة والبيان؛ قال الله جل وعلا: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودُّوا ما عنتم&quot).

4- أخرج الدارمي في مسنده عن أيوب السختياني قال: ((رآني سعيد بن جبير جلستُ إلى طلق بن حبيب، فقال لي: ألم أرك جلستَ إلى طلق بن حبيب؟! لا تجالسه)).
وأخرج ابن بطه في الإبانة بسنده عن أيوب: أنه دعي إلى غسل ميت، فخرج مع القوم ، فلما كشف عن وجه الميت عرفه فقال : ((أقبلوا قِبَلَ صاحبكم، فلستُ أغسله، رأيته يماشي صاحب بدعة)).

5- وذكر ابن بطة في الإبانة عن ابن عون رحمه الله أنه قال: ((الذي يجالس أهل البدع أشد علينا من أهل البدع)).
وقال ابن وضاح في البدع والنهي عنها: أخبرنا إسماعيل بن سعد البصري عن رجل أخبره قال: ((كنتُ أمشي مع عمرو بن عبيد فرآني ابن عون فأعرض عني شهرين)).

6- وذكر ابن بطه في الإبانة عن عتبة الغلام رحمه الله أنه قال: ((مَنْ لم يكن معنا فهو علينا))، فليس ثمة منزلة بين منزلتين، إما أن يكون مع أهل السنة، وإما أن يكون مع ضدهم.

7- وفي طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى: قال عثمان بن إسماعيل السكري سمعتُ أبا داود السجستاني يقول: قلتُ لأبي عبدالله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة، أترك كلامه؟ قال: ((لا، أو تُعلمه أنَّ الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة؛ فإن ترك كلامه فكلِّمه، وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود رضي الله عنه:"المرء بخدنه&quot).

وفي المصدر نفسه: قال الخلال أخبرنا المروذي: أنَّ أبا عبدالله ذكر حارثاً المحاسبي فقال: ((حارث أصل البلية - يعني حوادث كلام جهم - ما الآفة إلا حارث، عامة مَنْ صحبه انتهك إلا ابن العلاف؛ فإنه مات مستوراً!، حذِّروا عن حارث أشدَّ التحذير)) قلت: إنَّ قوماً يختلفون إليه؟ قال: ((نتقدم إليهم لعلهم لا يعرفون بدعته؛ فإنْ قبلوا وإلا هجروا، ليس للحارث توبة، يُشهد عليه ويجحد، إنما التوبة لمن اعترف)).

وقال إسحاق: سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يقول: ((أخزى الله الكرابيسي لا يُجالس ولا يُكلَّم ولا تكتب كتبه، ولا يُجالس مَنْ يُجالسه))، وقال أيضاً:((إياك إياك وحسين الكرابيسي، لا تكلِّمه، ولا تكلِّم مَنْ يكلِّمه)) أعاد ذلك أربع مرات أو خمس مرات!.

8- قال ابن الحاج رحمه الله في [حز الغلاصم في إفحام المخاصم ص110]: ((إذ يقول في سورة مكية: "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين"، وقد بيَّن الله سبحانه عقوبة من فعل ذلك وخالف ما أمره الله إذ يقول في سورة مدنية: "وقد نزل عليكم في الكتاب كامل أن إذا سمعتم أيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إنَّ الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً. فبيَّن سبحانه بقوله: "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ" ما كان أمرهم به من قوله في السورة المكيّة "فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"، ثم بيَّن في هذه السورة المدنية أنَّ مجالسة مَنْ هذه صفته لحوقٌ به في اعتقاده، وقد ذهب قوم من أئمة هذا الأمة إلى هذا المذهب، وحكم بموجب هذه الآيات في مُجالِس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة؛ منهم أحمد بن حنبل والأوزاعي وابن المبارك، فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع قالوا: يُنهى عن مجالستهم، فإن انتهى وإلا أُلحق بهم؛ يعنون في الحكم، قيل لهم: فإنه يقول: إني أجالسهم لأباينهم وأرد عليهم؟ قالوا: ينهى عن مجالستهم فإنْ لم ينته أُلحق بهم)).

9- وقال ابن بطة رحمه الله في [الإبانة ص262]: ((ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن أمكنك أن لا تقربه في جوارك. ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه - أي من البدع - وهجرانه والمقت له، وهجران مَنْ والاه ونصره وذبَّ عنه وصاحبه وإنْ كان الفاعل لذلك يظهر السنة!)).

10- وقال البربهاري رحمه الله في [شرح مفصل السنة ص121]: (وإذا رأيتَ الرّجلَ يَجلسُ مع رجلٍ من أهلِ الأهواءِ فَحَذِّرْهُ وعَرِّفْهُ؛ فإن جَلَسَ معه بعدما عَلِمَ فاتّقِهِ، فإنَّه صاحبُ هوىً).





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©