ملحمة القصر الكبير
في زمن كانت فيه الجيوش الصليبية تغير على الطرف الشرفي لدار الإسلام، فتحتل، وتنهب، وتشر، وفي زمن كانت فيه البرتغال، أقوى إمبراطورية في العالم، إلى جانب إسبانيا حيث تمتد رقعتها إلى مناطق شاسعة من العالم، في هذا الزمن حين بلغ الصليبيون قمة قوتهم، فكان لا بد –في نظرهم- من كسر شوكة الإسلام في جناحه الغربي.
في سنة 981 هـ تولى ملك المغرب محمد المتوكل ، وبقي على العرش حوالي السنتين، إذ انقلب عليه أبو مروان عبد الملك السعدي، وأخوه أحمد (وهما من عائلة المتوكل) بمساعدة العثمانيين الذين كانوا على الحدود الشرقية للمغرب، في الجزائر. فما كان من المتوكل إلا أن فرّ إلى البرتغال طالباً النجدة من إمبراطورها دونْ سباستيان على أن يسلمه كل شواطئ المغرب على المحيط الأطلسي دون استثناء.
هكذا وجد سباستيان فرصته الذهبية للقضاء على الإسلام في جناحه الغربي، وتنصير المسلمين فيه تطبيقاً لوصايا إيزابيلا الكاثوليكية. وبدأ الإمبراطور البرتغالي مشاوراته مع أباطرة أوروبا وملوكها، فاتصل أول الأمر بخاله فيليب الثاني عاهل إسبانيا، الذي سمح للمتطوعين من كل ممالكه بمرافقة سباستيان إلى المغرب للقتال في سبيل الصليب، وتحرك سباستيان بجيوش نظامية من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والفاتيكان البابوية ومتطوعين من إنجلترا وفرنسا بالإضافة إلى جيوشه البرتغالية.
وعلم عبد المالك ملك المغرب بالمخطط الذي يحاك ضد بلاده، فبعث رسالة إلى إمبراطور إسبانيا يدعوه إلى حسن الجوار وإقامة علاقات صداقة، كما بعث لسباستيان يؤنّبه فيها على العمل الذي ينوي الإقدام عليه، ويهدده بسوء المصير،ويدعوه في الوقت نفسه إلى الدخول في السلم، والشروع في المفاوضات، ومما جاء في الرسالة:
»إنّ عزمك على محاربتي في عقر داري ظلم وعدوان، وأنت تعلم أني لا أضمر لك شراً، ولم أقم بحركة ضدك، فكيف تبيح لنفسك أن تسطو على حقوق وهبني الله إياها وتقدمها لشخص آخر هو محمد المتوكل، مقابل وعود (تسليم شواطئ الأطلسي)، لا يستطيع أن يفي لك بها ما دمت على قيد الحياة، وباستثناء العاصمة مراكش فإنني مستعد أن أتنازل لابن أخي (محمد المتوكل) على أي قضية، وإنك بإغرائك مغربياً على أخيه تقوم بعمل مشين لن يخدم سمعة البرتغال. إني أعلم أنك في طريقك لإبعادي عن مملكتي، ولكنك لا تعلم أنك بكل ما تملك وبما يوجد تحتك من ممالك لن تقدر على ذلك، ولا تظن أن الجبن هو الذي يملي علي ما أقول لك، فإن فعلتَ فإنك تعرض نفسك للهلاك، وإنني مستعد للتفاهم معك رأساً لرأس في المحل الذي تريده، وإنني أفعل كل هذا سعياً في عدم هلاكك المحقق عندي، ولا يملي علي هذه المشاعر إلا محبّتي للعدل، وإنني أقبل أن أتحاكم معك لدى محكمتك التي لا تستطيع ان تنتزع من أحد حقاً من حقوقه ظلماً وعدواناً لتعطيه لغيره، وإنني أقبل حكمها مسبقاً، وإنني أشهد الله على ما أقول، وأعلم أنك شاب لا تجربة لك، وأن في حاشيتك من يشير عليك بآراء فاشلة، لكن هيهات أن يمتنع الذي عزم«.
بداية المعركة واستراتيجية عبد المالك في الحوار مع إمبراطور البرتغال..
بدأت الحملة الصليبية في السابع من تموز (رمضان) 986 هـ، وانطلقت المراكب من ميناء قادس متوجهة صوب المغرب، حاملة جيوشاً صليبية هي أقوى جيوش العالم آنذاك عدداً وعدة.
وصلت الجيوش إلى مدينة أصيلة فاحتلتها ونواحيها، وكان ملك المغرب عبد المالك في مراكش آنذاك، فبعث إلى سباستيان برسالة قال فيها: »إنني أعترف بشجاعتك وشهامتك يا سباسيتان، ودليلنا على ذلك هو هجومك على بلادنا الآمنة، إنني أنحي عليك باللوم لآنك انتهزت فرصة غيابي وهجمت على المدن والقرى الوديعة تفتك بالمدنيين والفلاحين العزّل، وهذا لم أكن أعهده فيك، والآن ففي إمكانك أن تنتظرني أياماً أقدم عليك«.
وتأثر سباستيان بالرسالة بفعل الغرور، وكان هذا شيئاً هاماً ينم عن ذكاء عبد المالك، وذلك لكي لا تتوغل جيوش سباستيان في الآراضي المغربية، فيكسب سكانها الذي سيحاربون إلى جانبه بالإكراه.
وسافر عبد المالك إلى مدينة القصر الكبير، فكتب مرة إخرى إلى سباستيان: »لقد قطعت أنا المراحل والمسافات الطويلة لمقابلتك، أفلا تتحرك أنت يا سباستيان لمقابلتي، لتبرهن علىشجاعتك وشدة مراسك؟« وكانت هذه أيضاً خطة ناجحة لإبعاد الجيوش الأوروبية عن مراكز التموين على البحر.
الملحمة..
وفعلاً تحركت الجيوش الأوروبية الصليبية مهاجمةً المغاربة الذي استدرجوا هذه الجيوش إلى سهل القصر الكبير في مكان استراتيجي بين وادي المخازن في الخلف ونهر لوكوس على اليمين ووادي وارور في الأمام.
ثم كان الشطر الثاني من خطة المسلمين للمعركة، إذ هدموا جسر وادي الخازن لقطع خط الرجعة على الفلول الصليبية، وأخيراً كان الملتقى بعد فجر يوم الاثنين 30 جمادى الأولى سنة 986 هـ (4 آب/أغسطس 1578م). ويصف لنا المؤلف المغربي الأفراني المعركة في كتاب كامله »نزهة الحادي في أخبار القرن الحادي« قائلاً: »نزل العدو علىوادي المخازن، وقطعه بجيوشه وعبر جسر الوادي، فأمر عبد المالك بالقنطرة أن تهدم، ووجه لها كتيبة من الخيل فهدموها، ثم زحف بجيوش المسلمين وخيل الله المسوّمة، فالتقت الفئتان، وحمي الوطيس، واسودّ الجو بنقع الغبار، ودخان مدافع البارود، إلى أن هبّت على المسلمين ريح النصر، فولّى المشركون الأدبار، وقُتِل الطاغية البرتغالي غريقاً في الوادي، ولم ينجُ من الروم إلا عدد نذر وشرذمة قليلة«.
وصدق الله العظيم: )إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم( [محمد: 7]، صدق الذي أعزّ عبده، ونصر جنده، وهزم الأحزاب وحده. وسبحانه، ففي يوم واحد –في هذه المعركة- مات ثلاثة ملوك، الأول معتدٍ هو سباستيان، الذي قُتِل من جراء جرحين أصيب بهما في رأسه، وجرح آخر في ساعده، ثم غرق في الوادي، والثاني هو محمد المتوكل، غرق أيضاً فأخذوه وطافوا به في القصر الكبير، وفاس ومراكش، أما الأخير فهو أبو مروان عبد المالك، صعدت روحه إلى ربها راضية مرضية، بعد المرض الذي أصابه وهو يوجّه أوامره ويسيّر المعركة من داخل خيمته
نتائج معركة القصر الكبير
هل كانت معركة صليبية؟ لقد غيّرت معركة القصر الكبير مجرى مهماً في المادة التاريخ، إذ فقدت البرتغال –مثلاً- استقلالها، وفقدت ممتلكاتها الواسعة في العالم وأوقفت الهجمات الصليبية الشرسة الأوروبية عموماً والبرتغالية خصوصاً على الخليج العربي. أما المغرب فقد جنى غنائم طائلة، وكسب سمعة عالية، حتى بدأت دول أوروبا نفسها تخطب ودّه، وهذا ما أوجد في نفس الأوروبيين عقدة حاصة، ذهبوا معها إلى أن المعركة لم تكن صليبية، ومن بين هؤلاء المؤرخ الفرنسي هنري تيراس الذي يقول: »إنها لم تكن من الصدمات الكبرى بين النصرانية والإسلام، بل كانت –حسب تواريخ البرتغال والمغاربة معاً- حادثاً عرَضياً بدون مقدمة ولا نتائج«.
وهذا خطأ، وإلا كيف نفسر ما ترتبت على المعركة من نتائج لا يجهلها هذا المؤرخ نفسه؟ وكيف نفسر الاستعدادات طويلة الأمد، ومشاركة جيوش كثيرة من أوروبا بلغ تعدادها 35 ألف مقائل صليبي عدا المتطوعين الذين يزيدون على عشرة آلاف، على متن ألفي مركب شراعي، في الوقت الذي كان فيه تعداد المسلمين 37 ألف مقاتل ضمنهم أربعة آلاف من الجيوش العثمانية التي تكوّن فرق المدفعية والبارود.
ولعل من المفيد هنا أن أورد ما قاله كاستوني دوفوس حول نظرة البرتغال إلى المعركة: »إن من المؤكد أن رجال البلاط في لشبونة كانوا ينظرون إلى تلك الحرب وكأنها رحلة من رحلات الساحة، وليس أدل على ذلك من أنهم كانوا يهيئون الصلبان لتعليقها على مساجد فاس ومراكش. وقد أبدى كثير من نساء الطبقة النبيلة رغبتهن في مصاحبة الجيش البرتغالي وكأنهن سيحضرن إلى ملعب لسباق الخيل، وكان الشاعر الكبير كاموانس، الذي اشتهر بكونه أنبغ الشعراء وأكثرهم قصائد في الحث على القضاء على المغاربة، على فراش الموت، وحيث لم يستطع ركوب البحر فإنه بعث مع الجنود أغنية مجّد فيها المحاربين الذي باركهم البابا، وصلى من أجل انتصارهم«.
وأورد مؤرخون آخرون حالة الاستعداد التي كانت عليها أوروبا قبل المعركة، إذ ذهب الخبال ببعض المهندسين إلى درجة أنهم وضعوا تصميمات لتحويل قبة القرويين إلى مذبح كنائسي تعلّق فيه صورة العذراء.
وهذا فقط يكفي للدلالة على أن معركة القصر الكبير كانت صداماً حاسماً بين الإسلام والنصرانية المزيفة، أي وبتعبير آخر: كانت معركة صليبية فاصلة في المادة التاريخ.
منقول
في زمن كانت فيه الجيوش الصليبية تغير على الطرف الشرفي لدار الإسلام، فتحتل، وتنهب، وتشر، وفي زمن كانت فيه البرتغال، أقوى إمبراطورية في العالم، إلى جانب إسبانيا حيث تمتد رقعتها إلى مناطق شاسعة من العالم، في هذا الزمن حين بلغ الصليبيون قمة قوتهم، فكان لا بد –في نظرهم- من كسر شوكة الإسلام في جناحه الغربي.
في سنة 981 هـ تولى ملك المغرب محمد المتوكل ، وبقي على العرش حوالي السنتين، إذ انقلب عليه أبو مروان عبد الملك السعدي، وأخوه أحمد (وهما من عائلة المتوكل) بمساعدة العثمانيين الذين كانوا على الحدود الشرقية للمغرب، في الجزائر. فما كان من المتوكل إلا أن فرّ إلى البرتغال طالباً النجدة من إمبراطورها دونْ سباستيان على أن يسلمه كل شواطئ المغرب على المحيط الأطلسي دون استثناء.
هكذا وجد سباستيان فرصته الذهبية للقضاء على الإسلام في جناحه الغربي، وتنصير المسلمين فيه تطبيقاً لوصايا إيزابيلا الكاثوليكية. وبدأ الإمبراطور البرتغالي مشاوراته مع أباطرة أوروبا وملوكها، فاتصل أول الأمر بخاله فيليب الثاني عاهل إسبانيا، الذي سمح للمتطوعين من كل ممالكه بمرافقة سباستيان إلى المغرب للقتال في سبيل الصليب، وتحرك سباستيان بجيوش نظامية من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والفاتيكان البابوية ومتطوعين من إنجلترا وفرنسا بالإضافة إلى جيوشه البرتغالية.
وعلم عبد المالك ملك المغرب بالمخطط الذي يحاك ضد بلاده، فبعث رسالة إلى إمبراطور إسبانيا يدعوه إلى حسن الجوار وإقامة علاقات صداقة، كما بعث لسباستيان يؤنّبه فيها على العمل الذي ينوي الإقدام عليه، ويهدده بسوء المصير،ويدعوه في الوقت نفسه إلى الدخول في السلم، والشروع في المفاوضات، ومما جاء في الرسالة:
»إنّ عزمك على محاربتي في عقر داري ظلم وعدوان، وأنت تعلم أني لا أضمر لك شراً، ولم أقم بحركة ضدك، فكيف تبيح لنفسك أن تسطو على حقوق وهبني الله إياها وتقدمها لشخص آخر هو محمد المتوكل، مقابل وعود (تسليم شواطئ الأطلسي)، لا يستطيع أن يفي لك بها ما دمت على قيد الحياة، وباستثناء العاصمة مراكش فإنني مستعد أن أتنازل لابن أخي (محمد المتوكل) على أي قضية، وإنك بإغرائك مغربياً على أخيه تقوم بعمل مشين لن يخدم سمعة البرتغال. إني أعلم أنك في طريقك لإبعادي عن مملكتي، ولكنك لا تعلم أنك بكل ما تملك وبما يوجد تحتك من ممالك لن تقدر على ذلك، ولا تظن أن الجبن هو الذي يملي علي ما أقول لك، فإن فعلتَ فإنك تعرض نفسك للهلاك، وإنني مستعد للتفاهم معك رأساً لرأس في المحل الذي تريده، وإنني أفعل كل هذا سعياً في عدم هلاكك المحقق عندي، ولا يملي علي هذه المشاعر إلا محبّتي للعدل، وإنني أقبل أن أتحاكم معك لدى محكمتك التي لا تستطيع ان تنتزع من أحد حقاً من حقوقه ظلماً وعدواناً لتعطيه لغيره، وإنني أقبل حكمها مسبقاً، وإنني أشهد الله على ما أقول، وأعلم أنك شاب لا تجربة لك، وأن في حاشيتك من يشير عليك بآراء فاشلة، لكن هيهات أن يمتنع الذي عزم«.
بداية المعركة واستراتيجية عبد المالك في الحوار مع إمبراطور البرتغال..
بدأت الحملة الصليبية في السابع من تموز (رمضان) 986 هـ، وانطلقت المراكب من ميناء قادس متوجهة صوب المغرب، حاملة جيوشاً صليبية هي أقوى جيوش العالم آنذاك عدداً وعدة.
وصلت الجيوش إلى مدينة أصيلة فاحتلتها ونواحيها، وكان ملك المغرب عبد المالك في مراكش آنذاك، فبعث إلى سباستيان برسالة قال فيها: »إنني أعترف بشجاعتك وشهامتك يا سباسيتان، ودليلنا على ذلك هو هجومك على بلادنا الآمنة، إنني أنحي عليك باللوم لآنك انتهزت فرصة غيابي وهجمت على المدن والقرى الوديعة تفتك بالمدنيين والفلاحين العزّل، وهذا لم أكن أعهده فيك، والآن ففي إمكانك أن تنتظرني أياماً أقدم عليك«.
وتأثر سباستيان بالرسالة بفعل الغرور، وكان هذا شيئاً هاماً ينم عن ذكاء عبد المالك، وذلك لكي لا تتوغل جيوش سباستيان في الآراضي المغربية، فيكسب سكانها الذي سيحاربون إلى جانبه بالإكراه.
وسافر عبد المالك إلى مدينة القصر الكبير، فكتب مرة إخرى إلى سباستيان: »لقد قطعت أنا المراحل والمسافات الطويلة لمقابلتك، أفلا تتحرك أنت يا سباستيان لمقابلتي، لتبرهن علىشجاعتك وشدة مراسك؟« وكانت هذه أيضاً خطة ناجحة لإبعاد الجيوش الأوروبية عن مراكز التموين على البحر.
الملحمة..
وفعلاً تحركت الجيوش الأوروبية الصليبية مهاجمةً المغاربة الذي استدرجوا هذه الجيوش إلى سهل القصر الكبير في مكان استراتيجي بين وادي المخازن في الخلف ونهر لوكوس على اليمين ووادي وارور في الأمام.
ثم كان الشطر الثاني من خطة المسلمين للمعركة، إذ هدموا جسر وادي الخازن لقطع خط الرجعة على الفلول الصليبية، وأخيراً كان الملتقى بعد فجر يوم الاثنين 30 جمادى الأولى سنة 986 هـ (4 آب/أغسطس 1578م). ويصف لنا المؤلف المغربي الأفراني المعركة في كتاب كامله »نزهة الحادي في أخبار القرن الحادي« قائلاً: »نزل العدو علىوادي المخازن، وقطعه بجيوشه وعبر جسر الوادي، فأمر عبد المالك بالقنطرة أن تهدم، ووجه لها كتيبة من الخيل فهدموها، ثم زحف بجيوش المسلمين وخيل الله المسوّمة، فالتقت الفئتان، وحمي الوطيس، واسودّ الجو بنقع الغبار، ودخان مدافع البارود، إلى أن هبّت على المسلمين ريح النصر، فولّى المشركون الأدبار، وقُتِل الطاغية البرتغالي غريقاً في الوادي، ولم ينجُ من الروم إلا عدد نذر وشرذمة قليلة«.
وصدق الله العظيم: )إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم( [محمد: 7]، صدق الذي أعزّ عبده، ونصر جنده، وهزم الأحزاب وحده. وسبحانه، ففي يوم واحد –في هذه المعركة- مات ثلاثة ملوك، الأول معتدٍ هو سباستيان، الذي قُتِل من جراء جرحين أصيب بهما في رأسه، وجرح آخر في ساعده، ثم غرق في الوادي، والثاني هو محمد المتوكل، غرق أيضاً فأخذوه وطافوا به في القصر الكبير، وفاس ومراكش، أما الأخير فهو أبو مروان عبد المالك، صعدت روحه إلى ربها راضية مرضية، بعد المرض الذي أصابه وهو يوجّه أوامره ويسيّر المعركة من داخل خيمته
نتائج معركة القصر الكبير
هل كانت معركة صليبية؟ لقد غيّرت معركة القصر الكبير مجرى مهماً في المادة التاريخ، إذ فقدت البرتغال –مثلاً- استقلالها، وفقدت ممتلكاتها الواسعة في العالم وأوقفت الهجمات الصليبية الشرسة الأوروبية عموماً والبرتغالية خصوصاً على الخليج العربي. أما المغرب فقد جنى غنائم طائلة، وكسب سمعة عالية، حتى بدأت دول أوروبا نفسها تخطب ودّه، وهذا ما أوجد في نفس الأوروبيين عقدة حاصة، ذهبوا معها إلى أن المعركة لم تكن صليبية، ومن بين هؤلاء المؤرخ الفرنسي هنري تيراس الذي يقول: »إنها لم تكن من الصدمات الكبرى بين النصرانية والإسلام، بل كانت –حسب تواريخ البرتغال والمغاربة معاً- حادثاً عرَضياً بدون مقدمة ولا نتائج«.
وهذا خطأ، وإلا كيف نفسر ما ترتبت على المعركة من نتائج لا يجهلها هذا المؤرخ نفسه؟ وكيف نفسر الاستعدادات طويلة الأمد، ومشاركة جيوش كثيرة من أوروبا بلغ تعدادها 35 ألف مقائل صليبي عدا المتطوعين الذين يزيدون على عشرة آلاف، على متن ألفي مركب شراعي، في الوقت الذي كان فيه تعداد المسلمين 37 ألف مقاتل ضمنهم أربعة آلاف من الجيوش العثمانية التي تكوّن فرق المدفعية والبارود.
ولعل من المفيد هنا أن أورد ما قاله كاستوني دوفوس حول نظرة البرتغال إلى المعركة: »إن من المؤكد أن رجال البلاط في لشبونة كانوا ينظرون إلى تلك الحرب وكأنها رحلة من رحلات الساحة، وليس أدل على ذلك من أنهم كانوا يهيئون الصلبان لتعليقها على مساجد فاس ومراكش. وقد أبدى كثير من نساء الطبقة النبيلة رغبتهن في مصاحبة الجيش البرتغالي وكأنهن سيحضرن إلى ملعب لسباق الخيل، وكان الشاعر الكبير كاموانس، الذي اشتهر بكونه أنبغ الشعراء وأكثرهم قصائد في الحث على القضاء على المغاربة، على فراش الموت، وحيث لم يستطع ركوب البحر فإنه بعث مع الجنود أغنية مجّد فيها المحاربين الذي باركهم البابا، وصلى من أجل انتصارهم«.
وأورد مؤرخون آخرون حالة الاستعداد التي كانت عليها أوروبا قبل المعركة، إذ ذهب الخبال ببعض المهندسين إلى درجة أنهم وضعوا تصميمات لتحويل قبة القرويين إلى مذبح كنائسي تعلّق فيه صورة العذراء.
وهذا فقط يكفي للدلالة على أن معركة القصر الكبير كانت صداماً حاسماً بين الإسلام والنصرانية المزيفة، أي وبتعبير آخر: كانت معركة صليبية فاصلة في المادة التاريخ.
منقول





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©