السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



أفريقيا في مواجهة المد التنصيري



إن المشاكل التي تواجه الإسلام في أفريقيا عديدة ومتنوعة جدا، و لكن أكبر هذه المشاكل تهديدا لمستقبل الإسلام في أفريقيا هو المشكلة التبشيرية، و بدون مبالغة يمكن أن نقول إن أفريقيا تواجه طوفانا تنصيرياً يوشك أن يغرقها إن لم تؤخذ التدابير اللازمة لمساعدتها على مقاومة هذه الجحافل التنصيرية التي بدات تتغلغل في أدغال أفريقيا وصحاريها وسهولها وتلالها وقمم جبالها الشامخة.
وكما نعلم جميعا فان الدوائر التنصرية تملك وسائل وإمكانات مادية وتعليمية وطبية وحتى سياسية هائلة، وميزانياتها التي تاتي من كبريات الدول الاستعمارية القديمة والحديثة تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
ونحاول هنا أن نتطرق لبعض الوسائل التي تمتطيها هذه الدوائر للوصول إلى هدفها الذي هو إبعاد الاسلام عن أفريقيا وجعله خبرا بعد عين كما حصل في الأندلس، وتتمثل هذه الوسائل في الخدمات الاجتماعية التي تستعملها الدوائر التنصرية لكسب أتباع جدد، وهم يعلنون دائما أنهم يخدمون جميع طوائف الشعب بدون تمييز عرقي ولا ديني، إلا أن هدفهم وراء ذلك هو استقطاب واستدراج المسلمين ليكونوا اتباعا جددا للنصرانية.



و من بين هذه الوسائل:
الوسيلـة التعليمية


الدوائر التنصيرية هي التي كانت تقود زمام التعليم في أفريقيا في عهد الاستعمار باتفاق مع السلطات الاستعمارية التي كانت ترى في ذلك وسيلة ضغط على الشعوب المسلمة لحملها على التنصر، لأن مدارس دوائر التنصير كانت تدرس النصرانية كمادة أساسية بجانب المواد الاخرى، كما أنه كان واجبا على التلاميذ كلهم حضور قداس يوم الاحد والمشاركة في جلسات الصلوات التي كانت تسبق بداية الدروس مفصلة، بل كان التعميد شرطاً للقبول في هذه المدارس.

وهكذا تخرجت النخبة السياسية الافريقية في الستينات أي جيل الاستقلال والجيل الذي يليهم من هذه المدارس، ولهذا تجد أن من لم يتنصروا منهم يبدون تفهماً وتساهلاً مع هذه الدوائر التنصيرية.
وبعد الاستقلال تم تأميم المدارس في بعض الدول وفي أخرى أبرمت هذه الدوائر اتفاقيات مع السلطات تسمح لهم بإدارة مدارسهم، كما أن نفس الدوائر عمدت الى إنشاء مدارس خاصة، و الحال مازال كذلك في معظم الدول الأفريقية، وهذه المدارس اشتهرت بأنها أجود المدارس في أفريقيا، ولذا تلحق النخبة السياسية والاقتصادية أبناءها بها، رغم أن هذه المدارس لم تنبذ أبدا وراء ظهرها مهمتها الاولى، الا وهي تنصير ابناء المسلمين بكل تمهل وهدوء.
القضية تستحق أن تثير مخاوفنا وتحملنا على أن نأخذ حذرنا، لأن الدوائر التنصيرية تضع خططها للمدى البعيد وهي في تصورنا تسعى في المرحلة الأولى لجعل أبناء المسلمين أنصاف مسلمين لكونهم مقطوعين عن كل ثقافة إسلامية ومطبوعين على حب الثقافة الغربية المسيحية ؛ و في المرحلة الثانية جعل أبناء السالفين لادينيين لأن علاقة آبائهم مع الاسلام كانت علاقة اسم و مظاهر اجتماعية، وبالتالي لم يعرفوا ابناءهم الا الثقافة الغربية ؛ وفي المرحلة الثالثة خلق مسيحيين من الجيل الثالث الذي لم تعد له صلة بالإسلام بحكم ثقافة آبائه وأجداده.
وكما نرى فالمخاطر التنصيرية محدقة بالمسلمين من ناحية المجال التعليمي، فهل من سامع ومغيث ؟




الوسيلـة الطبية:

والخدمة الاجتماعية الثانية والأكبر انتشارا هي العلاج الطبي، لقد بنت الدوائر التنصيرية مستوصفات جزائرية ومراكز طبية وحتى مستشفيات في جميع أنحاء افريقيا حيث يقدم العلاج الطبي برسوم رمزية إن لم يكن مجاناً، ولذا تشهد هذه المراكز الطبية ازدحاما من بداية الدوام ( العمل ) الى نهايته، نظراً لحالة البؤس العام التي تعيشها أفريقيا، وكما هو معروف فإن الفقر و المرض توأمان.

وعلاوة على مراكزها ومستشفياتها، فإن راهبات الدوائر التنصيرية تعرض خدماتها على مستشفيات الدولة حيث يقمن برعاية المرضى الفقراء موزعات عليهم الأدوية والأطعمة و مزودات جميع غرف المستشفى بنسخ الإنجيل والمنشورات التنصيرية؛ وهن يقمن أحيانا بهذه الأعمال في مناطق لايوجد بها مسيحيون.
وكمثال : المنطقة التي أنا منها شخصياً، وهي محافظة نارا في جمهورية مالي على الحدود الموريتانية، وهذه المحافظة لايوجد بها مسيحي إلا إذا كان موظفا قادما من منطقة اخرى، أقامت فيها الدوائر التنصيرية محطة تديرها راهبة تزودها أسبوعيا طائرة خاصة من العاصمة باماكو بلوازمها من مواد غذائية ومستحضرات طبية ومنشورات تنصيرية طبعا ؛ والغريب في الأمر أن مطار هذه المدينة كان مهجوراً ولم تهبط فيه طائرة منذ أكثر من ثلاثين سنة ..، وهاهم اليوم لأغراضهم التنصيرية أحيوه وتنزل فيه طائرتهم أسبوعيا، وتحمل في عودتها إلى العاصمة المرضى الذين تقتضي حالتهم ترحيلا صحيا مجانا ؛ والراهبة نفسها تقدم خدماتها في المستشفى الوحيد بالمدينة موزعة أدوية ومواد غذائية.. ومنشورات تنصيرية ، .. فماذا ستكون النتيجة بعد سنوات في مجتمع يعيث فيه الفقر والمجاعة والجهل فسادا ؟




الوسيلـة الاعلامية
وأهمية الإعلام في عالمنا اليوم لاتخفى على أحد فهو الذي يكون الرأي العام ويجعله يتعاطف أويتنافر مع قضية ما.
ولذا عمدت الدوائر التبشيرية إلى اتخاذ وسائل الاعلام ركيزة أساسية لتبليغ رسالتها التبشيرية إلى الشعوب الأفريقية فأنشأت محطات إذاعية وتلفازية في جميع أنحاء أفريقيا، وهي تبث بمختلف اللغات الأفريقية، كما أنها تصدر الجرائد والمجلات التي تعبر بالإضافة إلى الرسالة التنصيرية ، عن وجهة النظر السياسية للكنيسة في القضايا التي تعيشها البلاد، وزد على ذلك دور النشر والمكتبات التي تجعل المنشورات الدينية المسيحية والكتاب كامل المقدس باللغات الوطنية الأفريقية والرسمية في متناول الجميع بأسعار رمزية.
والواقع أن الدوائر التبشيرية تسعى بجميع وسائلها التعليمية والطبية والإعلامية إلى ملاحقة الإسلام في معاقله في أفريقيا، وحمل ابنائه على التنصر ونبذ عقيدتهم الإسلامية الحنيفة.

والهجمة التبشيرية على إفريقيا شرسة وعامة، وأذكر أنني لما كنت مسافرا عن طريق البر ومررت بشمال جمهورية بنين الذي كان المسلمون فيه أغلبية، فقد لاحظت كثرة المباني الكنسية إلى جانب المساجد ؛ ولم أتمالك أن دمعت عيناي حينما رأيت مكتوبا على جدار قرب كنيسة هذه العبارة بمادة اللغة العربية "هذه البلاد للمسلمين" إنها صرخة امتعاض من مغلوب على أمره، وتلك حال جميع المسلمين في أفريقيا، فماذا عساهم يستطيعون أمام هذه الدوائر التي تملك ما تملك من إمكانات مادية و معنوية، وهم في أغلب الأحيان فقراء وأميون.




ولهذا ولغير هذا، فإننا نرى أن حاضر الإسلام ومستقبله في أفريقيا يدعونا إلى التيقظ والصحوة فعلينا أن نقوم بتوعية إخواننا وتبصيرهم ومد يد المساعدة إليهم قدر الاستطاعة حتى يصمدوا أمام المد التنصيري الذي يجتاح القارة الأفريقية ؛ وقد وعدنا الله بالنصر إن قمنا بواجبنا: {ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم }.













©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©