الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ،وعلى آله وصحبه ومن والاه


أما بعد :

فقد أخبرني أحد الإخوة الأفاضل في مذاكرة دارت بيني وبينه أن الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان يضعف " مدمن خمر كعابد وثن " في شرح مفصله على عقيدة الإسماعيلي

ولم أقف على هذا البحث ، فعزمت على أن أبحث الحديث بنفسي واستعنت بأخي عبيد الله


عن محمد بن سليمان بن الأصبهاني حدثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" مدمن خمر كعابد وثن "

رواه من هذا الطريق ابن ماجة (4/436) وابن عدي في الكامل (6/229)

قلت : ومحمد بن سليمان ضعفه أبو حاتم والنسائي وابن عدي وأبو داود وذكره ابن حبان في الثقات

وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في مناكيره فقد خالفه سليمان بن بلال فرواه عن سهيل عن محمد بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم

وهذا الوجه مرسل رواه البيهقي في شعب الإيمان (7/413)

وقد رجح هذا الوجه كل من البخاري في المادة التاريخ (1/129) وابن عدي في الكامل (6/229)

ومحمد بن عبد الله هذا قال عنه أبو حاتم في الجرح والتعديل :" مجهول " ، وإذا كان هو مجهول فأبوه مجهولٌ أيضاً

فيكون الحديث عن أبي هريرة غير محفوظ بل الصحيح فيه أنه مرسل ضعيف

وروى ابن حبان (5347) من طريق عبد الله بن خراش حدثنا العوام بن حوشب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس :" من لقي الله مدمن خمر لقيه كعابد وثن "

قلت : وعبد الله بن خراش متروك وقد استنكر عليه هذا الحديث ابن عدي في الكامل

قال أبو زرعة ليس بشيء ضعيف

وقال أبو حاتم منكر الحديث ذاهب الحديث ضعيف الحديث

وقال البخاري منكر الحديث

وقال النسائي ليس بثقة

وقال محمد بن عمار الموصلي كذاب

قلت : فهذه كلها جروح شديدة تسقطه عن حيز الإعتبار

غير أن الإمام أحمد روى الحديث في مسنده (2453) من طريق الحسن بن صالح عن محمد المنكدر حدثت عن ابن عباس فذكره بنحوه

قلت : وفي سند هذه الرواية إبهام وهي تعل الرواية التي عند عبد الرزاق في المصنف (17070) عن ابن أبي نجيح عن ابن المنكدر عن ابن عباس به

وقد روى الطبراني هذا الحديث في الكبير (12428) من طريق أحمد بن يونس عن إسرائيل عن ثوير بن أبي فاختة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به

قلت : وثوير هذا متروك إلى أن ذكره في السند غير محفوظ

فقد رواه الحسن بن عطية وعبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن سعيد به

وقد رجح هذا الوجه أبو حاتم وأبو زرعة

قال ابن أبي حاتم في العلل (2/26) :" وسألت أبي عن حديث ؛ رواه الحسن بن عطية ، وعبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من لقي الله وهو مدمن خمر ، كان كعابد وثن.
ورواه أحمد بن يونس ، فقال : عن إسرائيل ، عن ثوير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبي : حديث حكيم عندي أصح.
قلت لأبي : فحكيم بن جبير أحب إليك ، أو ثوير ؟.
فقال : ما فيهما إلا ضعيف غال في التشيع.
قلت : فأيهما أحب إليك ؟.
قال : هما متقاربان.
وسئل أبو زرعة عن حديث أحمد بن يونس ، عن إسرائيلعن ثوير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : من مات مدمن خمر.
فقال أبو زرعة : هكذا رواه أحمد بن يونس ، وإنما هو إسرائيل ، عن حكيم بن جبير "

وحديث حكيم بن جابر رواه البزار في مسنده المعلل (5085) وقال عن حكيم بن جابر في أثناء كلامه عليه :" وحدث بغير حديث لا يتابع عليه " ، مما يدل على أنه يستنكره عليه

وحكيم بن جابر ضعفه جمعٌ من الأئمة جداً

1_ أبو حاتم حيث قال :" ضعيف منكر الحديث "

2_ ابن معين حيث قال :" ليس بشيء "

3_ أبو داود حيث :" ليس بشيء "

4_ عبد الرحمن بن مهدي حيث ترك الرواية عنه ونص على أن في أحاديثه منكرات وهذا الحديث منها لإخراج البزار له في مسنده المعلل وكلامه على حكيم بن جبير بعده

5_ شعبة وقد تركه أيضاً

6_ الدارقطني حيث قال :" متروك "

وعليه فإن طرق الحديث عن ابن عباس يوجد فيها ما يصلح للاعتبار غير ابن المنكدر عن المبهم عن ابن عباس

وهل يصلح هذا الطريق لعضد ذاك الطريق المرسل من حديث سهيل عن محمد بن عبد الله عن أبيه مرسلاً ؟

الجواب : لا يصلح لأن هذا المبهم في سند ابن المنكدر يحتمل أن يكون محمد بن عبد الله أو أبوه المجهول فيعود الطريقان إلى كونهما طريقاً واحداً

وقد ورد الحديث من طريقين عن عبد الله بن عمرو بن العاص أحدهما مرفوع وهو غير محفوظ والآخر موقوف وهو في سنده بحث

قال ابن أبي حاتم في العلل (2/37) :" وسألت أبي ، عن حديث ؛ رواه المؤمل بن إسماعيل ، عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مدمن الخمر كعابد وثن.
سمعت أبي يقول : هذا خطأ ، إنما هو كما رواه حسن بن صالح ، عن محمد بن المنكدر ، قال : حدثت عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم"

قلت : فعاد إلى طريق ابن عباس الذي تقدم الكلام عليه

وقال الدارقطني في العلل :" حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مدمن الخمر كعابد وثن ".
فقال: يرويه سهيل بن أبي صالح (واختلف عنه، فرواه محمد بن سليمان الاصبهاني عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وخالفه سليمان بن بلال، رواه عن سهيل عن محمد بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن أبي مريم عنه
وقال حماد بن سلمة: عن عاصم عن أبي صالح عن عبد الله بن عمرو قوله، قاله عنه عبد الرحمن بن مهدي"

قلت : أبو صالح السمان لا أدري أسمع من عبد الله بن عمرو بن العاص أم لم يسمع إذ ليس له رواية عنه في الكتب الستة ، والسمان مدني وكان يجلب الزيت إلى الكوفة وابن عمرو كان في مصر واختلفوا في مكان موته والمسألة تحتاج إلى مزيد بحث

وقال البزار في مسنده
2382ـ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ.

وَلَمْ يُدْخِلْ ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ بَيْنَ فِطْرٍ وَبَيْنَ مُجَاهِدٍ أَحَدًا.

أقول : وقد رواه غير فأدخل بينهما يونس ين خباب

قال البزار في مسنده 2380ـ وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الأَسَدِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبِي ، قَالَ : أَخْبَرَنَا فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ سَكِرَ مِنَ الْخَمْرِ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، فَإِنْ مَاتَ فِيهَا ، مَاتَ كَعَابِدِ وَثَنٍ.

ويونس بن خباب متروك وذكره في السند محفوظ لأن زيادة من زاد في السند تدل على أنه حفظ



قال ابن أبي حاتم في العلل :"488- وسألتُ أبِي عَن حدِيثٍ ؛ رواهُ النُّعمانُ بنُ المُنذِرِ ، عن مكحُولٍ ، عن عنبسة ، عن أُمِّ حبِيبة ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال : من حافظ على ثِنتي عشرة ركعةً فِي يومٍ وليلةٍ بُنِي لهُ بيتٌ فِي الجنّةِ.
فقال أبِي : لِهذا الحدِيثِ عِلّةٌ : روى ابنُ لهِيعة ، عن سُليمان بنِ مُوسى ، عن مكحُولٍ ، عن مولًى لِعنبسة بنِ أبِي سُفيان ، عن عنبسة ، عن أُمِّ حبِيبة ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قال أبِي : هذا دلِيلٌ أنَّ مكحُولا لم يلق عنبسة ، وقد أفسدهُ رِوايةُ ابنِ لهِيعة.
قُلتُ لأبِي : لِم حكمت بِرِوايةِ ابنِ لهِيعة وقد عرفت ابن لهيعة وكثرت أوهامه.
قال أبي فِي رِوايةِ ابنِ لهِيعة زِيادةُ رجُلٍ ، ولو كان نُقصانُ رجُلٍ كان أسهل على ابنِ لهِيعة حِفظُهُ"

الشاهد قوله (فِي رِوايةِ ابنِ لهِيعة زِيادةُ رجُلٍ ، ولو كان نُقصانُ رجُلٍ كان أسهل على ابنِ لهِيعة حِفظُهُ)

والمحفوظ موقوف على عبد الله بن عمرو بغير هذا اللفظ

قال ابن أبي شيبة في المصنف 24563- حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ، قَالَ : حدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ زُبَيْدٍ ، عَنْ خَيْثَمَةَ ؛ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ : كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ، فَذَكَرَ الْكَبَائِرَ حَتَّى ذَكَرَ الْخَمْرَ ، فَكَأَنَّ رَجُلاً تَهَاوَنَ بِهَا ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو : لاَ يَشْرَبُهَا رَجُلٌ مُصْبِحًا إِلاَّ ظَلَّ مُشْرِكًا حَتَّى يُمْسِيَ.

أراد عبد الله بن عمرو بقوله ( إلا ظل مشركاً حتى يمسي ) أنه يترك الصلاة في حال سكره فيكون كافراً أو كالكافر بهذا الترك

وعليه فإن الخبر لا يصح مرفوعاً من جميع طرقه والله أعلم

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©