قد كشف فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحيم البخاري -حفظه الله تعالى- شبهة من شبهات أهل التمييع، وهي زعمهم أن باب الجرح والتعديل مغلق فلا يستعمل في الوقت الحاضر، وكان ذلك ليلة الخميس الموافق 22 ربيع الثاني من عام 1433هـ عقب درسه في «عمدة الأحكام» الذي ينقل مباشرا على إذاعة ميراث الأنبياء، حيث سئل فضيلته عما يقوله بعض الطلبة من أن باب علم الجرح والتعديل مغلق، أي لا يستعمل في هذا الزمان، فأجاب:
بعض الطلبة؟! يعني هل العلم بقي في أيدي الطلاب؟! أقول: هل دين الله بقي أيدي الطلبة؟! نعم حتى العلماء طلاب علم، لكن الصيغة هنا تشعر بأنهم طلبة لا زال بعضهم يطلب يدرس في مبتدئيات الطلب، أقول -بارك الله فيك-: هناك مثل عند العرب تقوله: «ما هذا بعُشِّكِ فَادْرُجِي»، ومن تكلم في غير فنّه أتى بالعجائب، ومن تكلم فيما لا يحسن أظهر عوار رأيه وقوله، فهو عندما يريد الغلق... وهذا الكلام قد بينته وفصلته بتفصيل لا أقول فصلته تفصيلاً مملاً، لكنه تفصيل -بإذن الله تعالى- فيه التحقيق والتدقيق، هل هذا الموضوع مغلق أو غير مغلق، هذا قول غلط -بارك الله فيك-، أنت عندما تريد أن تغلق أليس هذا غلق لعلم، هل لك أن تغلق أبواب العلم؟ كمن يريد غلق باب الاجتهاد، ويقولون: لا يجوز الاجتهاد لمن ملك الآلية والأهلية، هل هذا صحيح؟! النوازل قائمة أو ليست قائمة؟ إذا قلنا بغلق باب الاجتهاد إذاً لا يجوز لك أنت أن تتكلم في النوازل ولا يتكلم فيها لا عالم ولا غيره، لا يتكلم فيها عالم فضلاً عن غيره. أهل الأهواء والبدع هل البدع انتهت بموت الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وعمرو بن عبيد المعتزلي وهؤلاء، انتهت خلاص ولا في؟ لكل قوم وارث، بل وُرَّاث، والبدع تتجدد، فيحملون هذه الآراء والأقوال الفاسدة والكاسدة، «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً»(1)، ليس اختلافاً واحداً، وهذه الاختلافات ظلمات، كما قال الله جل في علاه: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(2). إذاً لا تحذروا من مبتدع ولا من ضالّ ولا من زنديق ولا...، ولا...، ولو جاء رجل يريد أن يتزوج ابنتك أو أختك لا يجوز لك أن تسأل عنه، ولا يجوز لمن سئل أن يقول: هذا صالح ولا طالح، الباب مغلق! ولا نشرت الزندقة والكفر والضلال والإلحاد ما يجوز لك أن تتكلم في الملحدين ولا الضالين ولا المبتدعين، تمسك. هذا قول باطل عاطل -بارك الله فيك-، الواقع يكذبه، الذين يريدون ويتبجحون ويقولون ولا يستحون من فرط جهلهم وهواهم يريدون غلق هذا الباب هم من أكثر الناس كلاماً في هذا الباب وطعناً في علماء السنة الذين يتكلمون في هذا الباب بعلم وعدل، أليس كذلك؟! يحذرون منهم، وينفرون الناس عنهم، ويطعنون فيهم «غلاة»، «غلو»، «غلاة»، إلى آخره، بل يتبجح بعضهم، وهذا من فرط جهله بالسنة -والعياذ بالله- ومن انحرافه، أن يصف علماء السنة فيقول: إن هؤلاء فاقوا الحدّادية، يعني يتهمون علماء السنة المتكلمين في هذا الباب بعلم وعدل أنهم غلاة في جرح الناس، هذه المقالة أليست هي رأس الغلو في هذا الباب؟! ما شاء الله تبارك الرحمن، ثم ينصح -ويظن أنه قد نصح وما نصح نفسه- أن يقول للطلبة: لا تشتغلوا في باب الجرح والتعديل، هو يجرح في المجلس نفسه، أبى الله إلا أن يظهر التناقض على فلتات المخالف للسنة، كما قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-، لا بد أن يتناقض، في مجلس واحد ومقام واحد -بارك الله فيك-.
أنا أقول -وقد قلت- وأكرر: الكلام في الأعراض الناس الأصل فيها المنع، والحظر، وعدم الجواز، وقد بيناه مراراً وتكراراً في شرح مفصلنا لـ«الضوابط» و«النخبة» وغير ذلك، بما لا يأتي من يزيد علينا ديانةً وأمانةً، أقول: هذا الباب الأصل فيه المنع، والحظر، وعدم الجواز، فلا يباح إلا بغرض شرعي صحيح فقط، لا يباح ولا يجوز الكلام فيه إلا بغرض شرعي صحيح، وهذا الذي قلت أنهم يتكلمون فيه بعلم وعدل، ولهذا قال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: «إن أعراض الناس حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها اثنان: الحكام والمحدثون»(3)، «الحكام» يريد الذين يقضون بين الناس، وهذا ظاهر، «والمحدثون» أي الذين يتكلمون في الناس جرحاً وتعديلاً، يا أخي انظر إلى الإمام أحمد، لا تقل: هذا الباب خاص بالرواية فقط والرواة، نعم باب الرواة قد انتهى، لكن إلى الآن نحن نتكلم: رجل ضعيف، ثقة، صحيح، ليس صحيحاً، ما نتكلم وننقل كلام الأئمة، ونستخلص الرأي الصحيح الراجح فيه؟! طيب، الكلام في بابه من حيث الديانة والأمانة هذا لا يمكن غلقه ولا تستطيع أن تغلقه، وليس لك أن تغلقه، ومن أغلقه فقد نادى على نفسه بالجهل، والواقع يكذبه، انظر فصلاً كاملاً في «مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي(4)، فمذكور فيه جمع سئل عنهم الإمام أحمد وليس أحد منهم من الرواة، يقول: جهمي، يقول كذا، يقول: زنديق، يقول كذا، يقول كذا، يقول كذا في بعضهم، ليس لهم علاقة بالرواية، وقدي وكذا إلى آخره، فانتبه -بارك الله فيك- أقول: حفرة من حفر النار وقف على شفيرها اثنان: الحكام والمحدثون، يعني إن تكلم بعلم وعدل نجى من الوقوع، وإن تكلم بهوى وبجهل واعتداء سقط -والعياذ بالله-، فانتبهوا -بارك الله فيكم-، نسأل الله جل وعلا أن يبارك لنا ولكم في الأعمال والأعمار. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

ويمكنكم تحميل هذه المادة القيمة من موقع الشيخ الرسمي:

منقول من شبكة سحاب السلفية بواسطة الاخ عبدالصمد الهولندي


الملفات المرفقة (افحص الملف ببرامج الحماية وقم بالتبليغ عنه إذا وجدته مخالفا) baab_al_jarh_wat_tadeel_mughlaq.mp3‏ (1.56 ميجابايت)




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©