الحديث الوارد في بول الأعرابي في المسجد رواية ودراية
بقلم :
الشَّيخ الدكتور
أبي عبد الباري رضا بن خالد بوشامة الجزائري حفظه الله
أستاذ بكلية العلُّوم الإسلامية بجامعة الجزائر .




بسم الله الرحمن الرحيم


عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابيٌّ فقام يبول في المسجد ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَهْ مَهْ ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاَ تُزْرِمُوهُ ، دَعُوهُ " .
فتركوه حتَّى بال ، ثمَّ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له : " إنَّ هَذه الـمَساجد لاَ تَصْلُحُ لِشيءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ وَلا القَذَرِ ، إنَّـمَّا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّوَجَلَّ ، والصَّلاةِ ، وقرَاءَةِ القُرآنِ أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : فأمر رجلاً من القوم ، فجاء يدلو من ماء فشنَّه عليه " لفظ مسلم .
وفي رواية أبي هريرة قال : " دخل أعرابيُّ المسجد والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جالس ، فصلَّى فلمَّا فرغ قال : اللَّهمَّ ارحمنى ومحمَّدًا ، ولا ترحم معنا أحدًا ، فالتفت إليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال : " لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا ، فلم يلبث أن بال في المسجد فأسرع إليه النَّاس ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " أَهْرِيقُوا عَلَيْهِ سَجْلاً مِنْ مَاء أَوْ مِنْ مَاءٍ " ثمَّ قال : " إنَّما بُعِثْتُمْ مُيَسْرينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ".
تخريج الحديث :
أولاً - حديث أنس بن مالك :
روي عنه من طرق :
1- طريق ثابت ، عن أنس .
أخرجه البخاريُّ في الصَّحيح (6025) عن عبد الله ابن عبد الوهَّاب.
ومسلم في الصَّحيح (284) والنَّسائي في السُّنن (53) عن قتيبة بن سعيد
وابن ماجه في السُّنن (528) ، وابن خزيمة في الصَّحيح (296) عن أحمد بن عبدة
وأحمد في المسند (13368) عن يونس بن محمَّد .
أبو عوانة في المسند (1/214) عن محمَّد بن سفيان ، عن سليمان بن بلال
وفي (570) عن الزَّعفراني ، عن أبي عباد .
خمستهم عن حمَّاد بن زيد ، عن ثابت به .
2- طريق يحي بن سعيد الأنصاري ، عن أنس :
أخرجه البخاريُّ (211) عن خالد بن مخلد ، عن سليمان ابن بلال .
وأخرجه أيضًا (221) عن عبدان ، والنَّسائي (55) عن سويد ، كلاهما عن عبد الله بن المبارك .
ومسلم (284) عن أبي موسى محمَّد بن المثنَّى ، عن يحي القطَّان .
وعن قتيبة ويحيي بن يحيي ، كلاهما عن عبد العزيز ابن محمَّد .
والتَّرمذي في الجامع (148) عن سعيد بن عبد الرَّحمن المخزومي ، عن سفيان .
والنَّسائي (54) عن قتيبة ، عن عبيدة بن حميد .
وأحمد في المسند (12082) عن سفيان بن عيينة ، وفي (19/181) عن يحيي بن سعيد القطَّان ، وفي (12709) عن عبد الله بن نمير .
والدَّارمي في السُّنن (767) عن جعفر بن عون .
وأبو عوانة في المسند (1/213،214) من طريق يزيد ابن هارون وسفيان .
تسعتهم عن يحيي بن سعيد الأنصاري به .
وخالف هؤلاء الرُّواة مالك بن أنس ، فرواه في الموطَّـأ (166) عن يحيي بن سعيد أنَّه قال : " دخل أعرابيٌّ المسجد ... " ولم يذكر أنسًا ، وذكرُه صحيح لاتِّفاق هؤلاء الرُّواة الثِّقات على إسناد ووصله .
3- طريق إسحاق بن عبد الله بن إبي طلحة ، عن أنس :
أخرجه البخاري في الصَّحيح (219) عن زهير بن حرب ، عن عمر ابن يونس ، عن طريق عكرمة بن عمَّار كلاهما عن اسحاق به .
ثانيًا- حديث أبي هريرة :
روي عنه ثلاث طرق :
1 – طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود :
أخرجه البخاريُّ في الصَّحيح (220،6128) من طريق شعيب بن أبي حمزة .
والنَّسائي في السُّنن (56) من طريق محمد بن الوليد.
وأخرجه أحمد في المسند (13/209،210) من طريق معمر ويونس .
وابن حبَّان في الصَّحيح (1399 ، 1400 ) من طريق محمَّد ابن الوليد الزَّبيدي ، ويونس .
وابن خزيمة في الصَّحيح (297) من طريق يونس .
خمستهم عن الزُّهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ابن مسعود ، عن أبي هريرة
2- طريق سعيد بن المسيَّب ، عن أبي هريرة :
أخرجه أبو داود في السُّنن (380) ، والتَّرمذي في الجامع (147) ، وأحمد في المسند (7255) ، وابن الجارود في المنتقى (141) ، وغيرهم من طرق عن سفيان بن عيينة عن الزُّهري عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة .
3 – طريق أبي سلمة بن عبد الرَّحمن ، عن أبي هريرة :
أخرجه البخاريُّ في الصَّحيح (6010) ، وأبو داود في السُّنن (882) ، وأحمد في المسند (13/211) ، وابن خزيمة في الصَّحيح (864) ، وابن حبَّان في الصَّحيح (987) من طرق عن الزُّهري .
وأخرجه ابن ماجه في السُّنن (529) ، وأحمد في المسند (10533) ، وابن حبَّان (985) وغيرهم من طرق عن محمَّد ابن عمرو بن علقمة ، كلاهما عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن ، عن أبي هريرة .
ثالثًا - حديث واثلة بن الأسقع :
أخرجه ابن ماجه في السُّنن (530) والطَّبراني في المعجم الكبير (22/77) من طريق عبيد الله بن أبي حميد الهذلي عن أبي المليح الهذلي ، عن واثلة
وسنده ضعيف جدًّا ، فيه عبيد الله بن أبي حميد أبو الخطَّاب الهذلي أجمع الأئمَّة على تضعيفه ، ولخصَّ عبارتهم الحافظ ابن حجر في التَّقريب فقال : " متروك الحديث " .
الأحاديث الَّتي ورد فيها ذكر الحفر :
لم تذكر الطُّرق الصَّحيحة لهذا الحديث زيادة حفر المكان الَّذي بال فيه أو نقل ترابه إلى خارج المسجد ، وقد روي الأمر من طرق لكنَّها متكلَّم فيها :
الطَّريق الأوَّل - من حديث عبد الله بن مسعود :
أخرجه الدَّارقطني في السُّنن (477) ، وأبو يعلى في المسند (3626) من طريق أبي هشام الرِّفاعي محمَّد ابن يزيد ، عن أبي بكر بن عيَّاش ، عن سمعان بن مالك ، عن أبي وائل ، عن مسعود ، وفيه : " جاء أعرابي فبال في المسجد فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكانه فاحتفر ... " .
وأخرجه الطَّحاوي في شرح مفصل المعاني (1/14) من طريق يحيي بن عبد الحميد الحمَّاني ، عن أبي بكر بن عيَّاش به .
وسنده ضعيف جدًّا ، سمعان ضعَّفه أبو زرعة وقال : " ليس بقوي " وفيه أيضًا : أبو هشام الرِّفاعي محمَّد بن يزيد ليس بالقويِّ أيضًا ، وله أحاديث منكرة عن أبي بكر بن عيَّاش .
وأمَّا السَّند الثَّاني من طريق يحيي بن عبد الحميد الحمَّاني فهو ضعيف أيضًا ، لأنَّ الحمَّاني معروف بسرقة الحديث ، فيكون سرقة من أبي هشام الرِّفاعي .
ونقل ابن الملقِّن عن أبي زرعة أنَّه قال : " حديث منكر " ، وعن ابن أبي حاتم أنَّه قال : " ليس لهذا الحديث أصل "
وقال الدَّراقطني في العلل (5/81) بعد أن ذكر زيادة الحفر في السَّند : " ليست بمحفوط عن أبي بكر بن عيَّاش " ، لأنَّه روي الحديث من غير طريق أبي هشام الرِّفاعي ولم يذكر الحفر .
ثانيًا – حديث أنس بن مالك :
ذكر ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/334) أنَّ أبا محمَّد ابن صاعد روى عن عبد الجبَّار بن العلاء ، عن ابن عيينة ، عن يحيي بن سعيد ، عن أنس بن مال : " أنَّ أعرابيًّا بال في المسجد ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " احْفِرُوا مَكَانَهُ ثُمَّ صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ " ، ونقل عن الدَّارقطني أنَّه قال : " وهم عبد الجبَّار على ابن عيينة ، لأنَّ أصحاب ابن عيينة الحفاظ رووه ابن عيينة عن عمرو ابن دينار ، عن طاوس : أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال :" " احْفِرُوا مَكَانَهُ " مرسلاً ، فاختلط على عبد الجبَّار المتنان .
قلت : تقدَّم أنَّ الحديث رواه عن سفيان بن عيينة ، أحمد في المسند والشَّافعي عند أبي عوانة ، وسعيد بن عبد الرَّحمن المخزومي عند التَّرمذي ولم يذكروا الحفر عن ابن عيينة عن يحيي بن سعيد .
وانفرد بذكره عبد الجبَّار بن العلاء ، قال عنه ابن حجر في التَّقريب لابأس به ، فمثله إذا خالف أمثال أحمد والشَّافعي وغيرهما تكون روايته شاذَّةً .
وقد بيَّن الدَّارقطني سبب الشُّذوذ ، وذلك أنَّ ابن عيينة روى هذا الحديث من طريق آخر عن عمرو بن دينار ، عن طاووس قال : " بال أعرابي ... " فذكره وذكر الحفر
أخرجه عبد الرَّزَّاق في المصنَّف (1659) عن ابن عيينة ورواه أيضًا الطَّحاوي في شرح مفصل معاني الآثار (1/13) من طريق ابن عيينة .
فاختلط على عبد الجبَّار هذا الطَّريق بالطَّريق الآخر الموصول فحمله عليه ، والصَّواب أنَّ ابن عيينة روى الحفر عن عمرو بن دينار ، عن طاووس مرسلاً .
ثالثًا – من حديث عبد الله بن معقل بن مقرن مرسلاَ :
أخرجه أبو داود في السُّنن (381) ، ومن طريقه الدَّارقطني في السُّنن (479) عن موسى بن إسماعيل ، عن جرير بن حازم ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال : قام أعرابيٌّ إلى زاوية ....، وفيه قول النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم : " خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ فَألْقُوهُ .. "
وسنده مرسل ، قال أبو داود : " وهو مرسل ابن معقل لم يدرك النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم " .
رابعًا – من حديث طاووس مرسلاَ :
وقد مرَّ أنَّ ابن عيينة رواه عن عمرو بن دينار ، عن طاووس ، وأخرجه أيضًا عبد الرَّزَّاق في المصنَّف (1662) عن معمر ، عن ابن طاووس ، عن أبيه قال : " بال أعرابيٌّ في المسجد ... " وفيه : " احْفِرُوا مَكَانَهُ " .
وبالنَّظر في هذه الطُّرق نجد أنَّ الأحاديث الصَّحيحة الموصولة لم يذكر فيها الحفر ، ولم يأت إلاَّ من جهات ضعيفة أو مرسلة .
أ – فائدة إسنادية :
جاء في الحديث قول أنس أو غيره من الرُّواة : أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي هذا دليل على جواز نقل الحديث بالمعنى دون اللَّفظ ، فلم يقطع بلفظه لكنَّه عوَّل على المعنى فيه ، فلذا نرى أنَّ بعض الرِّوايات جاءت بلفظ آخر ، وفي بعضها زيادة على الرِّوايات الأخرى ، وكلَّها مؤدِّية لمعنى واحد في الحديث .

يُتبع إن شاء الله ... بـــــــــــــ : شرح مفصل متن الحديث وفوائده

كتبه - ناقلاً على الجهاز : سفيان ابن عبد الله الجزائري




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©