الشباب والسفر




أخي الشاب.. إلى أين تسافر ؟ وهل تعود من سفرك مأجوراً، أو تعود مأزوراً، أو تعود سالماً لا لك ولا عليك.
هذا التفصيل يجرنا إلى الحديث عن أنواع السفر.


السفر أنواع، منه الواجب والمستحب والمباح والمحرم والمكروه.
فمن السفر المشروع: السفر لطلب العلم النافع.
وقد ألف أهل العلم وصنفوا في الرحلة في طلب العلم، وجمع ميراث محمد ?.
ورحل جابر بن عبد الله الصحابي الجليل، من المدينة مسيرة شهر في حديث عن رسول الله بلغه عن عبد الله بن أُنيس، حتى سمعه عنه.

قال الإمام الشعبي: لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعاً.
ولهذا لما سئل الشعبي عن هذا العلم الغزير الذي وهبه الله، من أين لك هذا العلم؟ قال: بنفي الاعتماد، والسير في البلاد (يعني السفر في طلب العلم)،وصبر كالجماد، وبكور كبكور الغراب.


من السنن الحسنة التي انتشرت في بلادنا المباركة سنة الدورات العلمية المكثفة التي تعقد في كثير من المدن، ويسافر إليها الشباب من شتى الأماكن ليتلقوا مفاتيح العلوم، والتأصيل العلمي في فنون العلم. فعلى الشاب أن يختار من هذه الدورات أو من مواد كل دورة ما يناسب مستواه العلمي، ثم بعد ذلك يحرص على الاستفادة وجمع الفوائد ولمراجعة شاملة العلم، مع التأدب بآداب مجالس العلم. والتي ذكرها العلماء في كتب فضل العلم وآداب العالم والمتعلم، وطرق الاستفادة من الشيوخ، ومن الكتب المعاصرة النافعة كتاب كامل (معالم في طريق طلب العلم) للشيخ عبد العزيز السدحان وفقه الله فهو كتاب كامل مفيد مليء بالفوائد والتجارب في تلقي العلم وتحصيله والتأدب بآدابه.


ومن السفر المشروع أيضاً السفر إلى بيت الله الحرام أو مدينة الرسول ?، أولصلة الرحم وزيارة الأقارب، فيرجع الشاب إن رجع من سفره مثاباً مأجوراً، وإن مات مات على عمل صالح.


وتأملوا معي قصة هذا الشاب الذي خرج مع إخوانه لأداء العمرة.. وعندما وصلوا إلى مكة دخلوا المسجد الحرام، وهم بلباس الإحرام، كانوا مسافرين فقالوا: لعلنا نصلي أولاً ثم نؤدي العمرة، صفوا للصلاة، وتقدم الشاب يصلي بهم، وبدأ يقرأ القرآن، (والضحى والليل إذا سجى، ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى، ثم قال: ولسوف يعطيك ربك فترضى، فتوقف لسانه، ثم توقفت أنفاسه، وخر بين يدي ربه ميتاً، محرماً مصلياً قارئاً للقرآن. وسوف يرضى بإذن الله تعالى.



ومن أنواع السفر: السفر المباح: كالسفر للترويح البريء وإجمام النفس وهذا مباح في الأصل، وقد يتحول إلى عبادة مستحبة كأن يكون عوناً للإنسان على الطاعة، أو توسعة على الأهل والأولاد وإدخالاً للسرور عليهم في حدود الاعتدال.



ومن أنواع السفر: السفر المحرم،كالسفر لبلاد الكفر بلا ضرورة، وقد ذكر أهل العلم شروطاً ثلاثة لجواز السفر إلى بلاد غير المسلمين:

أولها: أن يكون عند الإنسان دين يدفع به الشهوات،

ثانيها: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات،

ثالثها: وجود الحاجة للسفر كالعلاج أو الدعوة إلى الله أو تعلم علم ينفع المسلمين أو للتجارة، وكل ذلك مشروط بأن يكون مظهراً لدينه، عالماً بما أوجب الله عليه، قوي الإيمان بالله، قادراً على إقامة شعائره، ولديه من العلم والتقوى ما يحول بينه وبين التأثر بالشبه والشهوات.



ومن السفر المحرم أيضاً: السفر لبعض البلدان الفاسدة، وقضاء الأوقات فيها على المحرمات.
يتهافت الشباب على وكالات السفر ليسافروا إلى تلك البلدان، بل وحتى بعض كبار السن لم يسلموا من هذه المنكرات.



فهذا شيخ قد جاوز عمره الستين سنة، سافر من هذه البلاد إلى إحدى البلدان المعروفة ليتعاطى الخمور ويقع في أحضان المومسات -عافاني الله وإياكم- فشرب في اليوم الأول ست زجاجات من الخمر، وشرب في اليوم التالي أكثر من ذلك، وشرب في اليوم الثالث اثنتي عشرة زجاجة؛ وبينما هو جالس مع أصحابه شعر بنوع من الغثيان، فذهب ليتقيأ (أكرمكم الله) في دورة المياه. انتظره أصحابه طويلاً ثم ذهبوا إليه ليجدوه ميتاً ورأسه في محل قضاء الحاجة عافانا الله و إياكم من ذلك.



تحولت السياحة في عرف الكثير من الشباب إلى صياعة.. تحرر من الواجبات.. وارتكاب للمحرمات، وتعاطي للمسكرات والمخدرات، وسهرات مع النساء العاهرات.. يسافرون عبر بوابات المطار، فيعودون عبر بوابات الإيدز والمخدرات، بل قد يعود بعضهم وقد انسلخ من عقيدته، وتمرد على دينه وأهله.



أخي الكريم.. يا من أعد العدة للسفر الحرام، اسأل نفسك وأنت تدعو دعاء السفر: اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى.
هل تريد حقاً بهذا السفر البر والتقوى.


وإذا عدت إلى بلادك بعد سفرك وأنت تقول: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، فاسأل نفسك: أزاد إيمانك في سفرك هذا أم لا؟ أيسوؤك أن يعلم الناس ما الذي صنعته خلال سفرك أم لا؟.



هل بلغك خبر ذاك الشاب الذي ابتعد عن أهله فقلت غيرته واختلى بالمعاصي فمات بين يدي عاهرة؟ وهل سمعت بخبر من مات وقد ملأ بطنه بالشراب المحرم؟ أو ما علمت بوباء الإيدز والأمراض الجنسية التي فتكت بالملايين ممن ولغوا في المحرمات.
ومن المؤسف أن إحصائيات الإيدز في العالم لا زالت في ازدياد، بما في ذلك الدول مادة اللغة العربية والخليجية.



إنهم صرعى الشهوات الذين شغلتهم لذة الشهوة المحرمة عن تأمل عواقبها وعقابها.. مثلهم كما يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر كمثل الكلب.



يقول ابن الجوزي: إن الكلب قال للأسد: يا سيد السباع، غيّر اسمي فإنه قبيح. فقال له: أنت خائن لا يصلح لك غير هذا الاسم. قال: فجربني، فأعطاه شقة لحم، وقال: احفظ لي هذه إلى غد وأنا أغيّر اسمك. فجاع وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر. فلما غلبته نفسه قال: وأي شيء باسمي وما كلب إلا أحسن اسم، فأكل.
وهكذا الخسيس الهمة، القنوع بأقل المنازل، المختار عاجل الهوى على آجل الفضائل، فالله الله في حريق الهوى إذا ثار، وانظر كيف تطفئه. اهـ



كيف يكون السفر مباركاً:
القاعدة النبوية بإيجاز هياتق الله حيثما كنت).. كما عند الترمذي عن أبي ذر، وهذا من جوامع الكلم.
تقوى الله تعني: المحافظة على أوامر الله، واجتناب نواهيه.
تقوى الله ليست محددة بزمان ولا مكان، وأنت عبد لله في جميع الأحوال.
ولا يليق بالعبد أن يعطي نفسه إجازة دينية في السفر، والله يقول (وَعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).
مهمة الإنسان في هذه الحياة عبادة الله، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ).



المسلم الحق ثابت على مبادئه، معتز بدينه وعقيدته، في كل زمان ومكان، فمحياه كله لله، وأعماله جميعها لمولاه، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبّ الْعَـالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).



وعلينا أن نتذكر قبل أن نسافر، أننا كلنا مسافرون، مسافرون في حياتنا وسائرون إلى الله.
كل إنسان في هذه الحياة مسافر إلى ربه كما يقول ابن القيم فمن الناس من يحط رحله في الجنة ومنهم من يحط رحله في النار، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.
إنه السفر الذي لا بد له من التزود ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى)
تزود للذي لا بد منه فإن الموت ميقات العباد
أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد




*مستقطع من محاضرة: الشباب والسفر



المصدر: صيد الفوائد


اللهم احفظ شباب المسلمين وباعد بينهم وبين الذنوب والخطابا


اللهم آمين




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©