التفاضل بين الواجبات

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله واما بعد:
التفاضل بين الواجبات أمر حاصل؛ إذ بعض الواجبات آكد من البعض الآخر.

قال ابن تيمية مقررًا لذلك وممثلاً: "وكذلك ليس الأمر بالتوحيد والإيمان بالله ورسوله وغير ذلك من أصول الدين الذي أمرت به الشرائع كلها، و غير ذلك مما يتضمن الأمر بالمأمورات العظيمة، والنهي عن الشرك وقتل النفس والزنا ونحو ذلك مما حرمته الشرائع كلها، وما يحصل معه فساد عظيم كالأمر بلعق الأصابع وإماطة الأذى عن اللقمة الساقطة والنهي عن القران في التمر، ولو كان الأمران واجبين، فليس الأمر بالإيمان بالله ورسوله كالأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد والأمر بالإنفاق على الحامل وإيتائها أجرها إذا أرضعت"(1).
ولا شك أن التفاضل في الواجبات يتضمن تفاضلها في الثواب، ويكون التفاضل أيضًا في الأزمنة والأمكنة والأشخاص، وفي الخبر والإنشاء، فليس الخبر المتضمن للحمد لله والثناء عليه بأسمائه الحسنى كالخبر المتضمن لذكر أعدائه كفرعون وإبليس(2).
وإذا عُرف أن بين الأعمال تفاضلاً وتفاوتًا وأنها على درجات ومراتب كان طلب الأفضل أكمل من طلب المفضول، والطالب إذا كان حكيمًا يكون طلبه للأفضل آكد، ومعلوم أن التفاضل يختلف حسب الأحوال والأشخاص والأوقات(3).
قال ابن القيم: "فالأفضل في كل وقت وحال: إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه، وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق"(4).
وقد مثل ابن القيم لذلك بأمثلة كثيرة، فمن ذلك قوله:
"فأفضل العبادات في وقت الجهاد الجهادُ، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن إتمام صلاة الفرض رائع كما في حالة الأمن. والأفضل في وقت حضور الضيف مثلاً القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل"(5).
__________
(1) "مجموع الفتاوى" (17/60، 61).
(2) انظر: "مجموع الفتاوى" (17/58).
(3) انظر المصدر السابق (17/61).
(4) "مدارج السالكين" (1/102).
(5) المصدر السابق (1/100).

منقول




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©