الموضوع منقول
وصاحب البحث: الدكتور إسماعيل غازي مرحبا - المحاضر في جامعتي: (الجنان) و (طرابلس)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه:
فإن دين الإسلام العظيم، قد تكفل الله بإظهاره وإعلائه، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33]، وقال جل شأنه: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [الفتح:28]، وقال عزّ من قائل: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ • يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ • هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُبِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف:7-9].
وقد سخر الله تعالى لذلك أعلاماً وأئمة، حفظ الله تعالى بهم سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان من أولئك الذين بذلوا جهودهم رخيصة في حفظ السنة النبوية إمامي أهل الحديث: البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى، خاصة في كتاب كامليهما صحيح البخاري وصحيح مسلم. وكان لهذين الكتاب كاملين منزلة عالية ودرجة رفيعة لم يبلغها أي كتاب كامل من كتب السنة، وسوف أسلط الضوء في هذا البحث على جهود علماء المذهب الحنبلي في خدمة هذين الكتاب كاملين، وذلك وفق الخطة التالية:خطة البحث: قسمت البحث إلى مقدمة وبابين وخاتمة:المقدمة: وتحتوي على أسباب الاختيار والخطة والمنهج المتبع والدراسات السابقة.الباب الأول: عناية الحنابلة بالصحيحين تصنيفاً، وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: مصنفات الحنابلة في متن الصحيحين.
الفصل الثاني: مصنفات الحنابلة في أسانيد الصحيحين.
الفصل الثالث: مصنفات الحنابلة في ختم وأبواب الصحيحين.
الباب الثاني: عناية الحنابلة بالصحيحين تعلماً وتعليماً، وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: رواية وقراءة الحنابلة للصحيحين.
الفصل الثاني: حفظ الحنابلة للصحيحين.
الفصل الثالث: ضبط ومقابلة ونسخ الحنابلة للصحيحين.
الفصل الرابع: ثناء الحنابلة على الصحيحين.
الخاتمة: وفيها تلخيص وإبراز لأهم النتائج والتوصيات.
منهج البحث:
اتبعت في هذا البحث المنهج الاستقرائي التحليلي، فقمت باستقراء ما أمكنني استقراؤه من كتب للبحث عن المعلومات التي تخص بحثي الذي هو المذهب الحنبلي، ثم قمت بتحليل تلك المعلومات ما أمكنني إلى ذلك سبيلاً، مستعيناً بما أقف عليه من دراسات سابقة في جزئيات الموضوع.
الدراسات السابقة:
لم أقف على دراسات سابقة مستقلة في الموضوع، ولا وُجدت دراسات ضمنية مباشرة لهذا الموضوع، بل لم أجد دراسات سابقة في المذاهب الأخرى المعتمدة.
إلا ما كان من معلومات جزئية في دراسات سابقة تتحدث عن عَلَم من الأعلام، فتذكُر ضمن ترجمته كتبَ ذلك العلم، وتقوم بدراستها، ويكون واحد من هذه الكتب أو أكثر من الكتب التي لها علاقة بالصحيحين أو أحدهما.
لذا فإن هذا البحث يُعد من حسنات هذا المؤتمر، سائلاً المولى جل وعلى أن يُوقف القائمين عليه لكل خير، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم.
الباب الأول:
عناية الحنابلة بالصحيحين تصنيفاً
وفيه فصلان:
الفصل الأول: مصنفات الحنابلة في متن الصحيحين.
الفصل الثاني: مصنفات الحنابلة في أسانيد الصحيحين.
الفصل الثالث: مصنفات الحنابلة في ختم وأبواب الصحيحين.
الفصل الأول:
مصنفات الحنابلة في متن الصحيحين:
صنّف فقهاء الحنابلة رحمهم الله تعالى عدة مصنفات تتعلق بمتن الصحيحين أو أحدهما، وفيها يلي ذكر أبرز هذه المصنفات:
1- كتاب كامل الصحيح على كتاب كامل مسلم بن الحجاج:
تأليف: الشيخ الإمام الحافظ المحدث أبي زكريا يحيى بن أبي عمرو عبد الوهاب ابن الحافظ الكبير أبي عبد الله محمد بن إسحاق ابن الحافظ محمد بن يحيى بن منده العبدي، الأصبهاني، المتوفى سنة إحدى عشرة وخمسمائة([1]).
وهذا الكتاب كامل غير موجود بين أيدينا، إلا أن سعة علمه وكثرة حديثه ومدح مصنفاته تدل على أهمية هذا الكتاب كامل، ومن ذلك ما ذكره الحافظ محمد بن عبد الواحد الدقاق، من قوله فيه: "الشيخ الإمام الأوحَدُ، عنده الحديث الكثير، والكتب الكثيرة الوافرة، جمع وصنف تصانيف كثيرة. منها: كتاب كامل الصحيح على كتاب كامل مسلم بن الحجاج"([2]).
"وذكره إسماعيل بن عبد الغافر، في مادة التاريخ نيسابور، فقال: رجل فاضل، من بيت العلم والحديث، المشهور في الدنيا، سَمِع من مشايخ أصبهان، وسافر ودخل نيسابور، وأدرك المشايخ، وسمع منهم، وجمع، وصنف على الصحيحين. وعاد إلى بلده"([3]).
2- الإفصاح عن معاني الصحاح([4]):
تأليف: الوزير العالم العادل، صدر الوزراء، عون الدين، أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الشيباني الدوري، ثم البغدادي، المتوفى سنة ستين وخمسمائة([5]).
وهو عبارة عن شرح مفصل للجمع بين الصحيحين للإمام أبي عبد الله الحميدي (ت488)([6]).
ولبيان أهمية الكتاب كامل وإفادة العلماء منه أنقل ما يلي:
يقول ابن رجب: "قلت: صنف الوزير أبو المظفر كتاب كامل "الإفصاح عن معاني الصحاح" في عدة مجلدات، وهو شرح مفصل صحيحي البخاري ومسلم، ولما بلغ فيه إلى حديث: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)) شرح مفصل الحديث، وتكلم على معنى الفقه، وآل به الكلام إلى أن ذكر مسائل الفقه المتفق عليها، والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين ... وهذا الكتاب كامل صنفه في ولايته الوزارة، واعتنى به وجمع عليه أئمة المذاهب، وأوفدهم من البلدان إليه لأجله، بحيث إنه أنفق على ذلك مائة ألف دينار، وثلاثة عشر ألف دينار، وحدث به، واجتمع الخلق العظيم لسماعه عليه. كتب به نسخة لخزانة المستنجد. وبعث ملوك الأطراف ووزراؤها وعلماؤها، واستنسخوا لهم به نسخًا، ونقلوها إليهم، حتى السلطان نور الدين الشهيد. واشتغل به الفقهاء في ذلك الزمان على اختلاف مذاهبهم، يدرسون منه في المدارس والمساجد، ويعيده المعيدون، ويحفظ منه الفقهاء"([7]).
ويقول ابن مفلح: "وقد صنف كتاب كامل الإفصاح عن معاني الصحاح في عدة مجلدات، وهو شرح مفصل الصحيحين، ولما بلغ إلى شرح مفصل: ((من يرد الله به خيراً يفقهه فى الدين)) شرح مفصل الحديث وتكلم على الفقه وذكر المسائل المتفق عليها والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة، وقد أفرده الناس من الكتاب كامل وجعلوه مستقلا فى مجلدة"([8]).
ويقول محقق الكتاب كامل: "وتبدو أهمية الإفصاح في أنه أول شرح مفصل للصحيحين معاً، وقد أولى ابن هبيرة عنايته في شرح مفصله فقهَ الحديث في مجال تهذيب النفس وتربية الروح وسمو الأخلاق، كما تضمن الإفصاح فوائد لغوية نحوية وصرفية وبلاغية، بشرح مفصل غريبه وشكله، وحفظ لنا في كتاب كامله بعض النصوص من مصادر ضائعة .."([9]).
3- كشف المشكل من حديث الصحيحين([10]):
تأليف: الإمام الحافظ المفسّر الفقيه الواعظ الأديب شيخ وقته وإمام عصره جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي، المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة([11]).
وهو عبارة عن شرح مفصل لمشكل الجمع بين الصحيحين للإمام أبي عبد الله الحميدي([12]).
وقد قام ابن الجوزي بجهد كبير في هذا الكتاب كامل إذ يقول: "ومعلوم أن الصحيح بالإضافة إلى سائر المنقول كعين الإنسان، بل كإنسان العين، وكان قد سألني من أَثرُ سؤاله أمارة هَمتي، شرح مفصل مشكله، فأنعمتُ له وظننتُ الأمر سهلاً، فإذا نيل سُهيل أسهل، لما قد حوت أحاديثه من فنون المشكلات ودقائق المعضلات ... فلما رأيت طرق شرح مفصله شاسعة، شمّرت عن ساق الجد، مستعيناً بالله عز وجل ..."([13]).
وأنقل هنا من كلام محقق الكتاب كامل ما يوضح الخدمة التي قام بها الإمام ابن الجوزي لهذا الكتاب كامل، وبالتالي للصحيحين:
يبدأ ابن الجوزي مُسْند كلّ صحابي بحديث موجز عنه، ثم يذكر عدد ما روي له من الأحاديث، وما أُخرج له في الصحيحين منها. ويأخذ المؤلف بعد ذلك بشرح مفصل الأحاديث، ويسير على ترتيب الحميدي للمسانيد والأحاديث داخل كلّ مسند، وليس لازماً أن يتناول المؤلف كلّ الأحاديث، فقد ي




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©