خلال بحثي ودراستي حياة المحدث النسائي..الفكرية ،..إلى جانب عملي في ذكر مؤلفاته ومشايخه، لم أجد خلال هذه الأحوال جميعها نصا مادة التاريخيا صريحا يدل على تشيعه..أو استناده إليه ، مع توفر المصادر التي بأيدينا.
كما ان مشايخه الذين تلقف عنهم العلم والحديث ، أو الذين اتصل بهم من غير أساتذته من زملائه وأقرانه ليس فيهم من عرف بالتشيع أو كان شيعيا ، حتى يظهر اثره في نفس النسائي بوضوح ، على اني قلبت جميع المواضيع مقترحة و رسمية المتعلقة به من جميع وجوهها فلم أجد للتشيع أي اثر فيه أو مجال ضيق يمكن به نسبته إليه..فهو إذن لا شك ولا ريب شافعي المذهب كما جاءت به النصوص المادة التاريخية ، وذكره تاج الدين السبكي في الطبقة الثالثة من طبقات الشافعية الكبرى وسبقه إلى هذا غيره من المؤرخين دون استثناء.
الذين رموه بالتشيع:
قال ابن كثير : قيل عنه: إنه كان ينسب إليه شئ من التشيع[1].
قال الذهبي : إلا أن فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي، كمعاوية وعمرو، والله يسامحه[2].
قال ابن خلكان : إن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره، وخرج إلى دمشق، فسئل عن معاوية وماروي من فضائله، فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأساً برأس، حتى يفضل وفي رواية أخرى: ما أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنك. وكان يتشيع[3].
قال ابن تيمية : وتشيع بعض أهل العلم بالحديث ، كالنسائي وابن عبد البر وامثالهما لا يبلغ الى تفضيل علي على ابي بكر وعمر ،ولا يعرف في أهل الحديث من يقدمه عليهما[4]
الدفاع عن الإمام النسائي:
لقد تواترت المصادر السنية..لدراسة النسائي ، وذكر صفاته وآثاره بصورة مفصلة حتى ان الكثيرين من مصنفي الشيعة..نسبوه إلى الشافعية ولم يجرحوا في مذهبه ، ولم يخرجوه من النطاق الذي كان عليه من المذهب ، فضلا على ان مناسك الحج الذي هو من ضمن مؤلفاته وضعه على نهج المذهب الشافعي ، وهذا الكتاب كامل بذاته أقوى وأثبت نص على مذهب النسائي.
وبديهي أن التشيع الذي نسب إلى النسائي..كما ذهب إليه بعض المؤرخين لا بد ان تتجلى آثاره في تصانيفه وكتبه ، مع العلم انه لم يكن أي اثر ظاهر من التشيع في مصنفاته وإنما بالعكس ، لذلك لا يمكن نسبة التشيع إليه بحال من الأحوال.
فالنسائي..إذا كان شيعيا فهو في جميع كتبه شيعي..وإذا كان شافعيا فهو فيها كذلك ، لا ان يكون في واحد شيعيا وفي الباقي سنيا مثلا.
ومن هنا يحق لنا ان نطالب بالإتقان والدقة في البحث والتحقيق في المادة التاريخ التي أولى مراحل التأليف ودراسة حياة الرجال ومن أهم ركائز البحث ، لئلا يقع المؤلف في اضطراب وقلق مستمر ،
مناقشة عبارات الاتهام:
قول ابن كثير (عنه: إنه كان ينسب إليه شئ من التشيع) عبارة تشير الى تضعيف التهمة او عدم ثبوتها لان كلمة (قيل )من كلمات التضعيف أو عدم ثبوت الخبر وعبارة (شيء من التشيع) عبارة تفيد التقليل وليس المذهب أو الالتزام بمذهب الشيعة .وربما كان الشيء اليسير من التشيع هو موقف سياسي في تلك الفترة التي سيطر فيها أنصار معاوية رضي الله عنه على مقاليد السلطة فكانت التهمة بالتشيع تطلق لتصنيف المعارضين حتى ولو لم يلتزم بمنهج الشيعة.
قول الإمام الذهبي إلا أن فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي، كمعاوية وعمرو، والله يسامحه)..الإمام الذهبي في تراجمه يذكر عبارة (فيه قليل تشيع) كثيرا عندما يترجم لكثير من العلماء في تلك الفترة والتي كانت قمة الصراع بين الطائفتين،وهي عبارة لا تضفي على من اطلقت عليه
قصة التشيع بمعناها المذهبي واليك بعضا من كبار العلماء السنة الذين اطلق عليهم الذهبي هذه العبارة:
ترجم للحاكم ابي عبد الله النيسابوري وجاء في ترجمته (وكان فيه تشيُّع وحطّ على معاوية. وهو ثقة حجة. توفي في صفر."[5].
وترجم لطاووس ابن كيسان فقال في ترجمته: قلت: إن كان فيه تشيع، فهو يسير لا يضر إن شاء الله."[6].
وترجم منصور بن المعتمر من ثقات التابعين فقال: تشيع قليل وكان قد عمش من البكاء. قلت: تشيعه حب وولاء فقط."[7]
وترجم لشيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين سفيان الثوري فقال: من أئمة الدين، واغتفر له غير مسألة اجتهد فيها، وفيه تشيع يسير"[8].
وغيرهم الكثير من كبار العلماء الذين اطلق الذهبي عليهم هذه العبارة،ومع اخذنا بالاعتبار انصاف وعدل الذهبي في ترجمته نأخذ العبارة على (الحب والولاء فقط)وليس للمذهب الشيعي.
ومما يؤكد ما ذهبت اليه عبارة اين تيمية المذكورة أعلاه حيث قال:" وتشيع بعض أهل العلم بالحديث، كالنسائي وابن عبد البر وأمثالهما لا يبلغ الى تفضيل علي على ابي بكر وعمر ،ولا يعرف في أهل الحديث من يقدمه عليهما"وعبارة ابن تيمية مستند براءة لنفي التشيع بمعناه المذهبي عن النسائي.
عبارة ابن خلكان: إن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره، وخرج إلى دمشق، فسئل عن معاوية وما روي من فضائله، فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأساً برأس، حتى يفضل وفي رواية أخرى: ما أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنك. وكان يتشيع):ويبدوا ان ابن خلكان قد بنى اتهامه
للنسائي بالتشيع من عبارات النسائي في وصف معاوية رضي الله عنه،
واستعين بالرد على ذلك بقاعدة اصولية اعتمدها الأصوليون وهي قاعدة (لازم المذهب ليس مذهب)
قال ابن تيمية في الفتاوى:" ولازم المذهب لا يجب أن يكون مذهبا بل أكثر الناس يقولون أقوالا ولا يلتزمون لوازمها . فلا يلزم إذا قال القائل ما يستلزم التعطيل أن يكون معتقدا للتعطيل . بل يكون معتقدا للإثبات ولكن لا يعرف ذلك اللزوم"[9].وبناء على هذه القاعدة فان كلام النسائي لا يلزمه ان يكون متشيعا ،لأنه من خلال سيرته وكتبه وفكره لا يوجد ما يثبت انه متشيعا،والحق ان نحمل كلامه على انه يتكلم مع أقوام غلو في معاوية رضي الله عنه بل البعض أصبح يسب عليا كرم الله وجهه في الكنتبر فحري به ان يعالج هذا الانحراف بكتاب كامله (الخصائص).اما كلامه عن معاوية فهو من باب العلاج وتصحيح نمذجي مفصل المفاهيم مثل ما كتبه شيخ الاسلام ابن تيمية في مناقشة الشيعة،فقد كانوا يوردون في فضائل على رضي الله عنه ويرد عليهم ويبين انها ليست بفضيلة، فهو لم يكن ينتقص عليا ولكن أراد ان يخرجهم من دائرة التقديس الى التقدير والاحترام، وهكذا فعل النسائي مع أهل الشام. فان جاز للبعض هذا التأويل لشيخ الإسلام ابن تيمية جاز لنا في الإمام النسائي والعلة واحدة.


[1] البداية والنهاية لابن كثير (11/140)

[2] سير اعلام النبلاء (14/133)

[3] وفيات الأعيان (1/77)

[4] منهاج السنة النبوية (4/99)

[5] العبر في خبر من غبر في سنة (406)

[6] سير اعلام النبلاء (5/45)

[7] المصدر السابق (5/407)

[8] المصدر السابق (7/241)

[9] مجموع الفتاوى في (العقيدة) في فصل ( الأصول الموصلة إلى الحق)




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©