مقدمة:

شهدت الحركة العلمية في العصر العباسي ازدهارا كبيرا في شتى الميادين، يعود سببه إلى ظهور الكثير من العلماء والمفكرين في مختلف العلوم وانتشار حركة الترجمة واهتمام الخلفاء بها، إضافة إلى التوسع في التعليم العام وبناء المدارس والمؤسسات الثقافية مثل دور العلم والربط فضلا عن المساجد. ومن العلماء البارزين في اللغةوالأدبوالشعرالخليل بن أحمد الفراهيديوالجاحظ في الأدب والبلاغةوالأصمعي في الأدب واللغة, كما تميز الإمام بن ثابت الكوفي المعروف بابي حنيفة والقاضي أبي يوسف في علم الفقه. أما شعراء هذا العصر فمن أبرزهم أبو العتاهيةوعباس بن الأحنفوأبو تمام الطائيوالبحتريوالمتنبيوالشريف الرضيوأبو العلاء المعريوأبو نواس ومن المؤرخين البارزين محمد بن جرير الطبريواليعقوبي وبرز في الجغرافيةالمسعودي أما في المادة الرياضياتوالمادة العلوم الفيزيائية و التكنولوجية فقد برز أبو الحسن بن الهيثم وفي علم الجبرمحمد بن موسى الخوارزمي وفي الكيمياءجابر بن حيان وغيرهم كثيرون ممن ترجمت مؤلفاتهم إلى اللغات الأوربية واستفيد منها في النهضة الأوربية الحديثة. وقد اهتم الخلفاء بالعلم والعلماء فقربوهم وشجعوهم فكان لذلك أثره الكبير على الرقي الفكري في هذا العصر، وأبرزهم الخليفة هارون الرشيد الذي اشتهر بتقريبه العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء والكتاب كامل وتشجيعهم على البحث والتأليف وتوفير كل ما يحتاجون إليه في بحوثهم ودراساتهم.ونعد هذا التقرير حول ثلاث شخصيات علمية وهي:



- الشخصية الأولى في مجال المادة الرياضيات:البوزجاني

أبو الوفا محمد بن محمد بن يحيى بن إسماعيل بن العباس البوزجاني، عالِمفارسيمسلم، ولد في مدينة بوزجان بخراسان سنة (328 هـ / 940م). بإقليم نيسابوربإيران. انتقل إلى بغداد عام 959 واستقر بها حتى وفاته (387 هـ / 998م، من أعظم رياضيي العرب، ومن الذين لهم فضل كبير في تقدم العلوم الرياضية.درس على يدي عمه المعروف بأبي عمرو المغازلي، و خاله المعروف بأبي عبد الله محمد بن عنبسة، ما كان من العدديّات والحسابيات. ولما بلغ العشرين من العمر انتقل إلى بغداد حيث فاضت قريحته ولمع اسمه وظهر للناس إنتاجه في كتبه ورسائله وشروحه لمؤلفات إقليدس وديوفنطسوالخوارزمي.
قضى البوزجاني حياته في التأليف والرصد والتدريس. وقد انتخب ليكون أحد أعضاء المرصد الذي أنشأه شرف الدولة، في سراية، سنة الثالثة77 هـ. وكانت وفاته في 3 رجب388 هـ على الأرجح. يعتبر أبو الوفاء أحد الأئمة المعدودين في الفلكوالمادة الرياضيات، وله فيها مؤلفات قيمة، وكان من أشهر الذين برعوا في الهندسة، أما في الجبر فقد زاد على بحوث الخوارزمي زيادات تعتبر أساساً لعلاقة الجبربالهندسة، وهو أول من وضع النسبة المثلثية (ظلّ) وهو أول من استعملها في حلول المسائل الرياضية.
وأدخل البوزجاني القاطع والقاطع تمام، ووضع الجداول الرياضية للماس، وأوجد طريقة جديدة لحساب جدول الجيب، وكانت جداوله دقيقة، حتى أن جيب زاوية 30 درجة كان صحيحاً إلى ثمانية أرقام عشرية، ووضع البوزجاني بعض المعادلات التي تتعلق بجيب زاويتين، وكشف بعض العلاقات بين الجيب والمماس والقاطع ونظائرها.وظهرت عبقرية البوزجاني في نواح أخرى كان لها الأثر الكبير في فن الرسم. فوضع كتاب كاملاً عنوانه (كتاب كامل في عمل المسطرة والبر كار والكونيا) ويقصد بالكونيا المثلث القائم الزاوية. وفي هذا الكتاب كامل طريقة خاصة مبتكرة لكيفية الرسم واستعمال الآلات ذلك.
ترك البوزجاني مؤلفات قيمة منها:
v الزيج الشامل
v كتاب كامل الكامل وهو عبارة عن 3 مقالات الأولى فيما يجب معرفته قبل التعرض لحركة الكواكب والثانية في حركات الكواكب والثالثة في الأمور التي تعرض لحركات الكواكب
v كتاب كامل فيما يحتاج إليه الصناع في أعمال الهندسة
v كتاب كامل فيما يحتاج إليه الكتاب كامل والعمال من علم الحساب
v كتاب كامل المجسطي وهو أشهر مؤلفاته وهو محفوظ في مكتبة باريس الوطنية
وتخليدا لذكراه أطلق اسمه على فوهة بركانيةبالقمر، فوهة أبو الوفا





- الشخصية الثانية في مجال المادة العلوم الفيزيائية و التكنولوجية : الخازن


سيرته:
هو عبد الرحمن أبو جعفر الخازن، عاش في مرو من أعمال خرسان خلال النصف الأول من القرن السابع للهجرة.
وحياة الخازن يلفها الإبهام والغموض، كمثل خلط فريق من الكتاب كامل بينه وبين علماء آخرين، وأسندوا بعض أعماله إلى غيره. ومن المؤلفات المهمة التي تركها الخازن كتاب كامل (ميزان الحكمة)، وقد عُثر على هذا الكتاب كامل في منتصف القرن الماضي. ويعتبر بمثابة الكتاب كامل الأول في العلوم الطبيعية، وبصفة خاصة مادة (الهيدروس مفصلةتاتيكا). وقد ترجمت عدة فصول من الكتاب كامل ونشرت في المجلة الشرقية الأمريكية، كما تمّ تحقيق الكتاب كامل ونشر على يد فؤاد جمعان.
و (ميزان الحكمة) يعد من أنفس كتب العلوم عند العرب، لما تضمنه من البحوث المبتكرة، وفيه تتجلى عبقرية الخازن. ففي الكتاب كامل جمع الخازن الموازين وبيّن وجوه الوزن، وبذلك مهّد لاختراع (البارومتر) و (الترمومتر) وسائر الموازين الحديثة التي ظهرت على يد العلماء الأوروبيين.
كان الخازن من الباحثين المبتكرين، اشتغل بالمادة العلوم الفيزيائية و التكنولوجية والميكانيكا (أو علم الحيل)، كما حسب جداول فلكية عُرفت باسم (الزيج المعتبر السيخاري)، فدقق في مواقع النجوم، وأعطى جداول السطوح المائلة والصاعدة. ومن الموضوعات اللاتي عالجها الخازن موضوع (كتلة الهواء). وبحثالخازن كذلك في الأجسام الطافية، وفي الكثافة وطريقة تعيينها للأجسام الصلبة والسائلة. وأورد بعض القيم ، لأوزان الأجسام النوعية، وهي قيم دقيقة إلى أقصى حد. وقد اخترع الخازن ميزاناً خاصاً لوزن الأجسام في الهواء وفي الماء. وعلى ذلك يعتبر الخازن الممهد الأول لطريق قياس عنصري الضغط ودرجة الحرارة. وللخازن بحوث في الجاذبية.
مما سبق يتضح لنا أن الخازن كان من كبار علماء العرب، جال في ميادين متعددة، وقدم بحوثاً مهمة، وترك اختراعات خدم بها الإنسانية، مما أسهم في تقدهما.
مؤلفاته
يعتبر كتاب كامل =ميزان الحكمة= من أنفس الكتب العلمية، وهو الوحيد الذي يحتوي على بحوث مبتكرة جليلة لها أعظم الأثر في تقدم الهيدروس مفصلةتاتيكا، وبهذا الكتاب كامل تتجلَّى عبقرية الخازن وبدائع ثمرات التفكير العربي، ومنذ عثور القنصل الروسي كانيكوف في تبريز بإيران على هذا الكتاب كامل في منتصف القرن الماضي والأبحاث تتوالى عنه في المجلات العلمية الأوروبية والأميركية
طبع هذا الكتاب كامل في حيدر آباد 1940، كما طبعه ونشره السيد فؤاد جمعان 1947، ويقع الكتاب كامل في مقدمة وثمانية أبواب، ويوجد منه أربع نسخ مخطوطة معروفة واحدة في اسطنبول وواحدة في روسيا واثنتان في الهند.
ومن كتبه المهمة أيضا : كتاب كامل الآلات المخروطية للرصد، الآلات العجيبة الرصدية، كتاب كامل في الفجر والشفق، كتاب كامل التفهيم، كتاب كامل جامع التواريخ.


-الشخصية الثالثة في مجال الفلك:ثابت بن قرة


سيرته:
هو ثابت بن قرة وكنيته أبو الحسن، ولد في حرّان سنة الثانية21هـ، وامتهن الصيرفة، كما اعتنق مذهب الصائبة. نزح من حرّان إلى كفر توما حيث التقىالخوارزمي الذي أعجب بعلم ثابت الواسع وذكائه النادر. وقد قدمه الخوارزمي إلىالخليفة المعتضد، وكان المعتضد يميل إلى أهل المواهب ويخص أصحابها بعطفه وعطاياه،ويعتبرهم من المقربين إليه. ويروى أنه أقطع ثابت بن قرة، كما أقطع سواه من ذويالنبوغ، ضباعاً كثيرة. وقد توفي في بغداد سنة الثانية88 هـ .
أحب ثابت العلم، لا طمعاًفي كسب يجنيه ولا سعياً وراء شهرة تعليه، إنما أحبّه لأنه رأى في المعرفة مصدرسعادة كانت تتوق نفسه إليها. ولما كانت المعرفة غير محصورة في حقل من حقول النشاطالإنساني، ولما كانت حقول النشاط الإنساني منفتحة على بعضها بعضاً، فإن فضول ثابتبن قرة حمله على ارتيادها كلها، ومضيفاً إلى تراث القدامى ثمار عبقريتهالخلاقة.
مهّد ثابت بن قرة لحساب التكامل ولحساب التفاضل. وفي مضمار علم الفلكيؤثر أنه لم يخطئ في حساب السنة النجمية إلا بنصف ثانية، كما يؤثر اكتشافه حركتينلنقطتي الاعتدال إحداهما مستقيمة والأخرى متقهقرة.
ولثابت أعمال جلية وابتكاراتمهمة في الهندسة التحليلية التي تطبق الجبر على الهندسة، ويعزى إليه العثور علىقاعدة تستخدم في إيجاد الأعداد المتحابة، كما يعزى إليه تقسيم الزاوية ثلاثة أقساممتساوية بطريقة تختلف عن الطرق المعروفة عند رياضيي اليونان.
مؤلفاته:

ترك ثابت بن قرة عدة مؤلفات شملت علوم العصر، وذكرها كتاب كامل عيون الأنباء،أشهرها:
  • كتاب كامل في المخروط المكافئ
  • كتاب كامل في الشكل الملقب بالقطاع
  • كتاب كامل في قطع الاسطوانة
  • كتاب كامل في العمل بالكرة
  • كتاب كامل في مساحة الأشكال وسائر البسط والأشكال المجسمة
  • كتاب كامل في المسائل الهندسية
  • كتاب كامل في المربع
  • كتاب كامل في تصحيح نمذجي مفصل مسائل الجبر بالبراهين الهندسية
  • كتاب كامل في الهيئة
  • كتاب كامل في تركيب الأفلاك
  • كتاب كامل المختصر في علم الهندسة
  • كتاب كامل في المثلث القائم الزاوية
  • كتاب كامل في حركة الفلك
  • كتاب كامل في ما يظهر من القمر من آثار الكسوف وعلاماته
  • كتاب كامل المدخل إلى إقليدس
  • كتاب كامل المدخل إلى المنطق
  • كتاب كامل في الأنواء
  • كتاب كامل في مختصر علم النجوم
  • كتاب كامل للمولودين في سبعة أشهر
  • كتاب كامل المدخل إلى علم العدد الذي ألفه نيقوماخوس الجاراسيني ونقله ثابت إلى مادة اللغة العربية.

خاتمة:


وبعدما فتحنا لكم نافذة على رياض الشموع العباسية نرجو أن تكونوا أخذتم فكرة على علمائنا الذين أثبتوا أنهم استحقوا فعلا تشيد أسماءهم وترك أعمالهم نجوم تتلألأ في سماء العلم ولن ننسى أنهم عانوا واقتحموا أسلاك الجهل و غمرات الشكوك لننعم نحن اليوم بعبق الأزهار والريحان ونحصد ثمار العلم والمعرفة لكن أوصونا بزرع البذور ليستمر الحصد لا أن نعيش طول عصرنا ننتظر من يزرع ويحصد ليعطينا البقايا فعلينا تجديد العهد ومواصلة ما فعلوا وأن نرد على من وصف دورهم العظيم بدور ساعي البريد في توصيل ثقافات الأجانب بالتعريف بهم وأيضا المواصلة والاستمرار لأنه كما يقال:= ليس الفتى من يقول كان أبي بل الفتى من يقول ها أنا ذا= ولكن بهذا ذكّرنا العالم بأنا كنا ثم كانوا بنا .





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©