الوجوه المطرّاة و الأجساد المعرّاة
الحمد لله وحده ، و الصّلاة ، و السّلام ، على من لا نبيّ بعده .
أمّابعد :
وقد امتلأت الطرقات و الشّوارع و المحّال و المراتع ، بالكاسيات العاريات المائلات المميلات ، و الفسّاق و المخنّثين من أشباه الرّجال ، و هم أقلّ و أهون و أذلّ و أخسّ من أن يجول لهم في ذهني خاطر ، و لكن هيهات أن يهون عليَّ ديني فأترك الإنكار و النّصيحة بما تعلّمت منه و فقّهني الله به ، ثمّ على ما عرفت من أوحال أحوال النّاس .
فيا أيّها الكساة العراة :
اعلموا أنّ سكوتكم على المنكر لا يُصَيِّرُهُ عند الله معروفا ، و إقراركم له لا يجعله عند الله حجّة ، وتواطؤكم على فعله لا يردّه عند الله حقّا ، و إنّكم لستم من الكرامة على الله أن ينسخ أحكام دينه بكم أو بإقراركم للخطإ أو بإصراركم على فعله ، أو يَقْلبَ لأجلكم القبيح فيصير صوابا مليحا ، كما أنّكم لستم من الكرامةعلى الله بمكان ألّا يحاسبكم على ذلك ، و إنّكم مهما اِلتمستمْ وجوه الحِيَلِ وانْتحلتـموها و طلبتم المعاذير ، فاعلموا أنه ليس ثَمَّ إلّا كتاب كامل الله و سنّة رسوله – صلّى الله عليه وسلّم – وما خُتِمَ به هذا الدّين العظيم ، و اللهُ و رسولُهُ – صلّى الله عليه وسلّم – لا يأمران بالفحشاء {{ أتقولون على الله ما لا تعلمون }} .
نعم ؛ على المسلم أن يواكب العصر في التّمدّن و التّحضّر ولا يمنعه هذا التّطوّر من أن يجعله جديدا في دنياه قديما في دينه ، لكن لا يَغرّه هذا التّقدّم – بزعمهم – فيُحِلّوا ما حرّم الله بحجّةٍ دَرَجوا عليها جميعا وهي قول المولى {{ قل من حرّم زينة الله }} و لقد تحقّق استغرابي من هذا الاستشهاد المشين ، و هو كمن وقف عند قول الله تعالى فقال {{ ويل للمصلّين }} ، و لئن كان كبر عليّ مقارفتهم للمنكر ثمّ استحلالهم له بكتاب كامل الله و استباحتهم إياه بالعادة و سكوت الأوائل عليه وكأنّ سكوتهم عبادة ، فأكبر منه عند الله و عند رسوله و عند عباد الله المتّقين ؛ هوان دين الله عليكم أن بلغت بكم الشّهوة البهيميّة إلى هذه الدّرجة من الانحلال الخُلقي و الانحطاط الفكري و الدّياثة اللّعينة .
فحسبكم قادحا في دينكم سكوتكم على العري و العهر ، فكيف بمقارفتكم له ، ثمّ كيف بالرّضى عليه بعد ذلك ، بل قل كيف بما وراء تلك الأكمة و الكواليس و الزّوايا و الطّرقات و المسالك ، ممّا نسمعه و نراه و قد كثر الخَبَثُ عياذا بالله ، وكفى به شاهدا و دليلا على فسادكم و فساد ظاهركم وباطنكم {{ أفلا تعقلون }} .
فيا سبحان الله كيف استهانوا بحرمات الله فهان عليهم غضب الله و أمنوا مكره {{ ولا يأمن مكر الله إلّا القوم الخاسرون }} ، جعلوا دينهم تبعا لدنياهم فضاع عليهم دينهم و ضاعت عليهم دنياهم حيث ابتلاهم الله في دينهم و أشقاهم في دنياهم ، ففشا بينهم الحرام حتّى في مساجد الله وفيهم العلماء وفيهم الفقهاء ، ثمّ استحكم فصار عادة ، ثمّ استحكم فصار عبادة ، و تكاثر حتىّ غطى على التّقوى و النّخوة ، ولم يعد ينفع فيهم وعيد ولا تهديد ، إذ ابتلاهم الله ببلاء شديد ، و الله المستعان و إليه المشتكى .
و إنّى لأخشى أن يصيبنا الله بقارعة أو بعذاب من عنده فيعمّنا جميعا صالحنا و طالحنا جزاءً لنا على عُريِّهِم و إقرارِنا، و فِسقِهِموسُكوتِنا ، و قد كذَبوا بالسّنة و القرآن على السّنة و القرآن ، كما كذبوا على الأئمّة : مالك و أحمد و الشّافعي و أبي حنيفة النّعمان ، وجعلوا الصّلاة في البنطال الدّخيل ، من الحقّ الأصيل ، الذي دلّ عليه القياس و الدّليل ، فقاتل الله المتحرّرين من رجال الدين الذين عقّوا أسلافهم ، و أهانوا دينهم بفتاواهم حتّى أنّ بعض العوامّ من المسلمين هم أشرفُ قصدا و أَغْيَرُ على دين الله و أَعلمُ به منهم ، كيف وقد طُبِعوا على الكذب و التّحريف و المخالفة وهم لا يشعرون ، و أنّهم يساقون إلى الضّلالة سوقا وهم ينظرون ، و لو أنّهم عَلِمُوا و اتّقوا لفَهمُوا أنّ الفَسَقَة من المخانيث إنمّا اشتروا منهم هممهم و ذممهم مقابل أن يصفوهم بالأشياخ المعتدلين الحضاريين ، فقبّحهم الله من دعاة متخلّفين مهزومين ضاليّن مضلّين ، وقاتلها الله من صفقة بُخِسَ فيها الإسلام والدّين .
ولعمري ...
لقد فسدت ضمائر الأغنياء و الفقراء ، و الأقوياء و الضّعفاء – إلّا من رحم الله – وذهبت منهم غيرة الرّجولة الإسلاميّة و النّخوة العربيّة ، حتّى لم تعد تنفع فيهم نصيحة رشيدة ، ولا موعظة حسنة ، غُواة عُواة قد خسروا أنفسهم و خسروا كرامتهم وعرضهم ، رَبُّوا أبناءهم على الخيالات صغارا ، فضاعوا منهم و أضاعوا كبارا ، كغَلَّةٍ تَعِسَةٍ بين سنين يابسات ، فعِوَضَ أن يكونوا أطهارا بررة لوالديهم ، كانوا فجّارا فسّاقا بين أيديهم ، سُخْنَةُ عينٍ لهم ، الشّباب كلّهم مَرْصَدٌ للتّتبّع و المعاكسات ، و صارت كريمة البيت تُناَلُ بـ : لو ... و ليت ... في بيت العجائب وما أدراك ما بيت العجائب ، الذي فيه من وسائل التّرفيه و الاتّصال – زعموا – وهي وسائل ظلم ومنكر و أسلحة شّيطان ما تجعل هذا البيت كأنّه أجنبي لا إسلاميّ .
أفتعجبون بعد هذا إذا رأيتم من يأتي صديقته في قارعة الطّريق ، كيف تعجبون و قد صار الطّريق كلّه عواثير بشبائك الصّيد ، وحبائل الكيد ، النّاس فيه – إلاّ المتّقون – لا يعقلون ولا يعون ولا يشعرون ، و إنّما هم أدوات تسخّر وحيوانات تسيّر ، همّهم بطونهم وقبلتهم النّساء ، المرأة فيهم كالدّرهم المغشوش إذا وردت محلا أو سوقا اضطرب ، وهم بين هَامٍّ وفاعلٍ يقولون فيما بينهم : نعم ... أو لا ... و ما عهدوا منذ زمن من يقول لهم اتّقوا الله و غضّوا أبصاركم يا هؤلاء .
و الله إنّ غاية هؤلاء الفسقة السّفلة هزل لا جدّ فيه ، حتّى إذا وقع الفأس في الراس قالوا بخجل كاذب ليس فيه حياء : الذّنب ذنب الشّيطان ، و الحقيقة أنّه لم يعد يؤثّر فيهم كلام الله ولا كلام النّاس ولا قوارع الزّمن ، ولا يهمّهم ما يحدث للأمّة الإسلامية بسببهم من محن ، ولم تعد تقرع آذانهم ولا تخرق أحاسيسهم عبارات الوعظ والتّأنيب و اللّوم ، و أنّهم صاروا كأجساد جوفاء و أجسام صمّاء يُصَرِّفُها الهوى كيف يشاء .
وليت شعري ...
إنّ القوم – إلاّ من رحم ربّي – لغارّون في المعاصي و الذّنوب وهم آمنون مطمئنّون ، إرثهم المجانة والخناعة واللّهو ، صحفهم منشّرة بين أيدينا بالمخازي والعار والشّنار و قد جاهروا بها في اللّيل والنّهار ، وهم لا يبالون ، بل ركنوا إلى هذه الدّنيا كأنّهم فيها مخلّدون ، فلهم الويل : أهي دار قرار ؟
حقّا ؛ إنّ الهوى يعمي ويصمّ .
فيا هواة التّعرّي و العراء ويا أهل البؤس والشّقاء :
استحوا على دينكم وعلى أنفسكم وعلى أوطانكم ، وإن كنت أعلم أنّ ندائي هذا كأصداء في الأثير ، لا يحرّك ولا يثير ،إلّا أن يشاء ربّي شيأ .
ورحم الله الأوّل حين قال :
إنّما الأمم الأخلاق مابقيت - - - فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
و صلّى الله على نبيّنا محمد حيث قال : (( إذا لم تستح فاصنع ماشئت )) رواه البخاري .
وكتب
نورالدّين بن العربيّ آل خليفة
http://www.albaidha.net/vb/showthrea...229#post178229





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©