الزّواج في الإسلام .


بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وبعد:

فإن لله سبحانه على الخلق مِننًا عظيمة، وله سبحانه في الكون آيات جليلة باهرة، ومن نعمه وآياته في هذا الكون: نعمة الزّواج؛ قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

وهذه آية من آيات الله، ونعمة من نعمه على عباده حيث جعل زوج الإنسان من بني جنسه، من نفسه، حتى يتم التعايش، ويسهل التفاهم في هذه الحياة الدنيا.

وقال تعالى: {خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} أي: خلق لكم من جنسكم إناثاً تكون لكم أزواجاً، لتسكنوا إليها؛ كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}. يعني بذلك حواء خلقها الله من آدم عليه السلام.

وقال تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون}، وقال: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون}.

فكم هي رائعة سنن الله الشرعية التي سنها في مخلوقاته؛ والزواج رباط وثيق يجمع بين الرجل والمرأة، وتتحقق به السعادة، وتقر به الأعين، إذا روعيت فيه الأحكام الشرعية والآداب الإسلامية. قال تعالى: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا}.

وهو السّبيل الشّرعي لتكوين الأسرة الصالحة، التي هي نواة الأمة الكبيرة، فالزواج في الالشريعة الاسلامية الإسلامية: عقد يجمع بين الرجل والمرأة، يفيد إباحة العشرة بينهما، وتعاونهما في مودة ورحمة، ويبين ما لكليهما من حقوق وما عليهما من واجبات.

- وديننا رغَّب في الزواج وحثَّ عليه:

وقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج، وحثَّ عليه، وأمر به عند القدرة عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة (أي: القدرة على تحمل واجبات الزواج) فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء))؛ أي: وقاية وحماية.

كما أن الزواج سُنة من سنن الأنبياء والصالحين، فقد كان لمعظم الأنبياء والصالحين زوجات؛ قال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجًا وذرية}.

وقد عنَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ترك الزواج وهو قادر عليه، ونبه إلى أن هذا مخالف لسنته صلى الله عليه وسلم، عن أنس -رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخْبِرُوا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا، فإني أصلي الليل أبدًا وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر . وقال آخر: أنا أعتزل النساء، فلا أتزوَّج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)).

وقد حرص الإسلام أن ينال كل رجل وامرأة نصيبًا من تلك الفوائد، فرغب في الزواج وحث عليه، وأمر ولى المرأة أن يزوجها، قال تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم}.

واعتبر الإسلام مَن يرفض تزويج ابنته أو موكلته -إذا وجد الزوج المناسب لها- مفسدًا في الأرض؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد)).


- النّيّة في النّكاح:

عن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّما الأعمال بالنّيّات، وإنّما لكل امرئ ما نوى، فَمَنْ كانت هجرته إلى اللَّه ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)).

وبالنِّيَّة الصّالحة التي يبتغى بها وجه اللَّه، تتحول العادة إلى عبادة؛ فالناس عندما يتزوجون منهم من يسعى للغنى والثراء، ومنهم من يسعى لتحصين نفسه، فالنية أمر مهم في كل ذلك.

فإذا أقبل المسلم على الزواج، فعليه أن يضع في اعتباره أنه مُقدِمٌ على تكوين بيت مسلم جديد، وإنشاء أسرة؛ ليخرج للإسلام رجالاً ونساءً أكْفَاءً، وليعلم أن في الزواج صلاحًا لدينه ودنياه، كما أن فيه إحصانًا له وإعفافًا.


- والزّواج شطر الدّين:

الزواج يحصِّن الرجلَ والمرأة، فيوجهان طاقاتهما إلى الميدان الصحيح؛ لخدمة الدين؛ وتعمير الأرض، وعلى كل منهما أن يدرك دوره الخطير والكبير في إصلاح شريك حياته وتمسّكه بدينه، وأن يكون له دور إيجابي في دعوته إلى الخير، ودفعه إلى الطاعات، ومساعدته عليها، وأن يهيِّئ له الجو المناسب للتقرب إلى اللَّه، ولا يكون فتنة له في دينه، ولا يلهيه عن مسارعته في عمل الخيرات، فالزوجة الصالحة نصف دين زوجها، قال صلى الله عليه وسلم: ((من رَزقه اللَّه امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتَّق اللَّه في الشطر الباقي)).


حكم الزواج:

والزواج سُنَّة مؤكّدة، ومندوب إليه شرعًا؛ ويكفي أنّه من سنن الأنبياء والمرسلين ومُقدَّمُهم نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.

وأما مَن خشي على نفسه العَنَت؛ وأنّه قد يقع في محظور شرعي إن لم يتزوّج، فهذا يكون الزّواج في حقه واجبًا؛ لتحصيل العفاف والبُعد عن أسباب الحرام، وذلك مع اشتراط أن يكون قادرًا على القيام بحقوق الزوجية، دون ظلم أو جور؛ فإن تيقن من أنه سيظلم الطرف الآخر بسوء خلق أو غير ذلك، وجب عليه أن يجتهد في تحسين خلقه وتدريب نفسه على حسن معاشرة شريك حياته.


- فوائد الزواج وثمراته:

والزواج باب من أبواب الخيرات، ومدخل للمكاسب العديدة للفرد والمجتمع، ولذلك فإن من يشرع في الزواج طاعة لله واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يجد العون من الله، قال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)). وبذلك يصبح الزواج عبادة خالصة لله يُثاب المقبلُ عليها.


- أما عن ثمراته فهي كثيرة:

- فالزواج طريق شرعي لاستمتاع كل من الزوجين بالآخر، وإشباع الغريزة الجنسية، بصورة يرضاها الله ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم: ((حُبِّب إليَّ من دنياكم: النساء والطيب، وجُعلتْ قرَّة عيني في الصلاة)).

- والزواج باب لكسب الحسنات؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((وفي بُضْع [كناية عن الجماع] أحدكم صدقة)). قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: ((أرأيتم، لو وضعها في حرام، أكان عليه وِزْر؟)). قالوا: بلى. قال: ((فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)).

وقال صلى الله عليه وسلم -أيضًا-: ((وإنّك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك)).

- والزواج يوفّر للمسلم أسباب العفاف، ويعينه على البعد عن الفاحشة، ويصونه من وساوس الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان [أي أن الشيطان يزينها لمن يراها ويغريه بها] فإذا رأى أحدكم من امرأة [يعني: أجنبية] ما يعجبه، فلْيَأتِ أهله، فإن ذلك يردُّ ما في نفسه)).

- والزواج وسيلة لحفظ النسل، وبقاء الجنس البشرى، واستمرار الوجود الإنساني، قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء}. فهو وسيلة -أيضًا- لاستمرار الحياة، وطريق لتعمير الأرض، وتحقيق التكافل بين الآباء والأبناء، حيث يقوم الآباء بالإنفاق على الأبناء وتربيتهم، ثم يقوم الأبناء برعاية الآباء، والإحسان إليهم عند عجزهم، وكبر سِنِّهم.

والولد الصالح امتداد لعمل الزوجين بعد وفاتهما، قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنْتفَع به، أو ولد صالح يدعو له)).

- والزواج علاقة شرعية تحفظ الحقوق والأنساب لأصحابها، وتصون الأعراض والحرمات، وتطهر النفس من الفساد، وتنشر الفضيلة والأخلاق، قال تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}.

وقال صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم راع ومسئول عن رعيته)). فهو علاقة تقوم على المسئولية والرعاية والحماية، وصيانة الأهل والبيت من الأضرار؛ فينشأ من ذلك مجتمع سوي آمن مترابط.

- كما يساهم الزواج في تقوية أواصر المحبة والتعاون من خلال المصاهرة، واتساع دائرة الأقارب، فهو لبنة قوية في تماسك المجتمع وقوته، قال تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا وكان ربك قديرًا}.


ولمّا غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق في غزوة المريسيع، وأسر منهم خلقًا كثيرًا، تزوّج السيدة جويرية بنت الحارث -وكانت من بين الأسرى- فأطلق الصحابة ما كان بأيديهم من الأسرى؛ إكرامًا للرسول صلى الله عليه وسلم وأصهاره، فكان زواجها أعظم بركة على قومها.


هذه هي بعض فوائد الزواج وثمراته الكثيرة، فلله الحمد على نعمة الإسلام.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل...


المصدر:

الجمعية العلمية السّعوديّة للسُّنّة وعلومها .

مصدر النّقل:

http://www.d16.net/vb/t1768#post1768









©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©